عاتب الكثيرون على الفلاحة التصديرية استهلاكها المفرط للماء بينما طبيعة المناخ شبه الجاف تفرض التعامل مع الماء على أساس أنه عملة نادرة، وفي ظل الانتقادات التي وجهت لبعض الصادرات، وخاصة منها الموز والطماطم، تحكم توجهان في سياسة الفلاحة التصديرية، الأول استند إلى التدبير المعقلن للماء عبر تثمينه ومحاربة كل أشكال الضياع، والثاني اتخذ من إقامة الزراعات العصرية في المناطق التي لا تواجه متاعب ندرة المياه خياراً استراتيجياً يؤمن التأقلم مع مختلف معايير التصدير بما في ذلك الرفع من الكميات وتحسين الجودة والإنتاج في المواعد المحددة، وبينما تواصلت جهود الفلاحين لتطوير هذين الاتجاهين انقلبت كل المؤشرات بفعل التساقطات المطرية التي همت مختلف المناطق الزراعية المغربية وسجلت معدلات فاقت كل التوقعات. لقد لعبت الفلاحة الموجهة للتصدير دوراً هاماً في جلب العملة الصعبة وفي خلق مناصب الشغل، وعلى ضوء ذلك جاء المخطط الأخضر بمشاريع ترمي بشكل خاص إلى إنعاش الصادرات الفلاحية، لكن المعطيات المناخية الجديدة أفرزت واقعاً يؤكد أن الماء ليس دوماً عملة نادرة، وإنما مادة متوفرة بشكل يضاعف الحاجيات بعدة مرات ولكن سوء تدبيرها هو الذي ساهم في الرفع من الخسائر التي أزهقت عدة أرواح وأضرت بعدة مساكن وأتلفت عدة حقول. التساقطات المطرية العالية المستويات، للسنة الثانية على التوالي، أغرقت العديد من الأشجار المثمرة في برك مائية مما أضر بجودة الغلة وفرض التساؤل من جهة عن مستقبل الاستثمار فيها فيما لو أسفر تناوب تقنين الري في فترات الجفاف مع الغرق في البرك خلال السنوات الممطرة عن موتها أو تقليص مردوديتها إلى مستويات غير مربحة، ومن جهة ثانية عن كلفة تجديد الأغراس وقدرة المشاتل المغربية على توفير حاجيات مواكبة الطلب . في كل أنحاء العالم يواجه المسؤولون إكراهات تقلبات أحوال الطقس، ويعتمدون في هذه المواجهة على توفير البنيات التحتية الضرورية وعلى إنشاء هياكل مستعدة لمواجهة الطوارئ ولتقديم الدعم لمن هو في حاجة إليه، وعلى أنظمة للتأمين على الخسائر المترتبة عن الكوارث، أما في المغرب فإن تكرار حالات الفيضان وتزايد الخسارات المترتبة عنه فرضت التخلي عن الأطروحات العتيقة والتوجه نحو التعامل مع كل القطاعات وفق منطق الأولويات ووفق مستجدات الوضع الداخلي المتميز بأهمية الفلاحة في توفير الغذاء وفي التشغيل وفي الاستقرار ثم مستجدات الوضع الدولي المتميز باحتداد المنافسة وبارتفاع كلفة الماء في المغرب مقارنة مع كلفته في مصر مثلاً. من المحقق أن الدولة قامت بعدة مجهودات من أجل التخفيف عن المنكوبين، ولكن تكرار حالات الضرر لم تعد تقبل بالاقتصار على المساعدات والإنقاد وإنما صارت تتطلب الإعداد القبلي لمواجهة كل الطوارئ، على الأقل في حدود ما هو ممكن، وهذا وضع يتحدى التنمية الفلاحية ليشمل إعداد التراب وحماية البيئة والتنمية القروية.