نشطت في الأيام الأخيرة حملات التلويح بارتفاع الأسعار بحلول شهر رمضان. وإذا كانت بعض العوامل تشجع على مسايرة هذا الطرح وتصديقه، فإن مجموعة أخرى من العوامل تشكك في مصداقية مثل هذه التوقعات وفي من يقف وراءها. فبعد أن أصبحت التجارة الداخلية تخضع لقانون تحرير الأسعار، فإن حماية المستهلك من جشع المضاربين صارت تفرض تفعيل باقي القوانين بما فيها الشفافية في المعاملات وتحصيل الضرائب المستحقة عنها. من أهم العوامل التي تعتمد في التلويح بتطبيق أسعار مرتفعة في رمضان والتي تستند فعلاً على معطيات معقولة، نخص بالذكر الحرارة المفرطة التي أضرت كثيراً بالموسم الفلاحي الجاري وانتشار حشرة «توطاأسبولوطا»، التي تلحق أضرار بليغة بجودة الطماطم، في جل المزارع المغربية بما فيها الحقول المغطاة، غير أن هذه العوامل غير كافية لإطلاق سفارات الإنذار وتهييئ أرباب الأسر لتحمل كلفة قد تضاعف عدة مرات الكلفة الحقيقية الناتجة عن العوامل الطبيعية السالفة الذكر. المبالغة في تهويل الوضع تظهر بشكل جلي إذا ما استحضرنا الواقع المغربي المتمثل في أن المناخ السائد شبه جاف، وأن الحرارة المفرطة والجفاف وعدم نظامية التساقطات المطرية زمنياً وجغرافياً هو القاعدة، بينما العكس هو الاستثناء. فهذا الواقع هو الذي كان وراء إقرار سياسة السدود وري مليون هكتار، بل كان وراء تحفيز القطاع الخاص العامل في القطاع الفلاحي على التأقلم مع المعطيات المناخية وعلى مسايرة آخر المستدات المعمول بها في الساحة الدولية. نعم لقد نالت الحرارة المفرطة، التي شهدها المغرب خلال النصف الثاني من شهر يوليوز والأيام الأولى من شهر غشت، من الفلاحة التقليدية أما الفلاحة العصرية فأثبتت قدرتها على المقاومة، ولولا أن حشرة «توطاأسبولوطا» أبانت عن قدرة عالية على اختراق الحواجز التي وضعت لمنع دخول الذبابة البيضاء لأمكن جني كل حاجيات المغرب بجودة عالية. ولكن، وفي انتظار التغلب على هذه الحشرة، التي انطلقت من أمريكا الجنوبية وضربت عدة دول كإسبانيا والجزائر ثم وصلت في الموسم الفلاحي الفارط إلى شمال المغرب لتعم في الموسم الحالي كافة أنحاء المغرب، فإن المعطيات المستقاة من المهنيين المتتبعين لتطورات الوضع تفيد بأن كميات الطماطم التي ستعرض في الأسواق خلال شهر رمضان ستكون مسايرة للطلب غير أن جودتها ستكون ضعيفة نسبياً. طرح المهنيين يستمد قوته من كون الحقول الموجهة لتلبية الطلب خلال شهر رمضان زُرعت قبل حوالي شهر ونصف أو شهرين، وبذلك فإنها لم تتضرر بالحرارة المفرطة كما هو الشأن بالنسبة لباقي الزراعات، كما يستمد قوته من كون موسم التصدير سوف لن ينطلق إلا مع بداية شهر أكتوبر المقبل، أي بعد عيد الفطر. وما دام أن «الحريرة» هي التي ترفع من استهلاك الطماطم في شهر رمضان، فإن تراجع مستوى الجودة سوف لن يكون له أي تأثير على العرض، وبالتالي على الأسعار. أما بالنسبة لباقي الخضر والفواكه، فمن الواضح أنها سوف لن تتأثر بحملات التلويح بالغلاء بقدر ما ستتأثر بعاملين متباينين: الأول مرتبط بوفرة الزراعات الموسمية والثاني مرتبط في توقع ارتفاع عدد المغاربة المقيمين بالخارج الذين سيقضون شهر الصيام بين أهلهم وذويهم، وهذا في حد ذاته محدود التأثير ما دام أن ارتفاع عدد الوافدين منهم خلال شهري يوليوز وغشت لم يؤثر إلا بشكل محدود على الأسعار. المعطى الآخر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن انخفاض أسعار جل المواد الغذائية في الأسواق الدولية، وانهيار كلفة الشحن البحري إلى حوالي نصف القيمة المعمول بها قبل الأزمة الاقتصادية العالمية أدى إلى تراجع أسعار السلع المستوردة، وهذا ما شجع ربات البيوت على الشروع بشكل ملحوظ على اقتناء حاجياتهم من المواد التي تدخل في تهيئ الأطباق الأكثر استهلاكاً خلال شهر رمضان مثل «السفوف والشباكية». بالنسبة لباقي السلع وخاصة منها اللحوم البيضاء، فإن ارتفاعات أسعارها إلى مستويات أنهكت أرباب الأسر وأثرت بشكل ملحوظ على نوعية أطباقها وتغذيتها، لا تجد مبررها فقط في ارتفاع درجة الحرارة وإنما في عوامل أخرى، وخاصة منها مدى استعداد المنتجين للاستثمار في التجهيزات التي تحمي من الكوارث الطبيعية وخاصة منها التبريد، فمن غير المعقول أن يدفع المستهلك عواقب توجه المنتجين نحو إعطاء الأولوية للرفاه الشخصي على حساب توفير ضروريات تأمين استمرارية وديمومة الإنتاج في وسط يعرف الجميع أن طبيعته شبه جافة.