يتوقع العديد من المنتجين في القطاع الفلاحي أن يسفر تنفيذ مقتضيات المغرب الأخضر عن ارتفاع الإنتاج الفلاحي إلى مستويات قد يستعصي تسويقها بشروط مربحة، وبالموازاة مع ذلك مازال من بين الفلاحين الصغار والمتوسطين من يتخوف على مستقبله ويعتبر أن المخطط الأخضر يخدم مصالح كبار المستثمرين الكبار على حساب غيرهم من الفلاحين الذين قد يفقدون وسائل الإنتاج ويغادرون القطاع بعدما كان يفترض أن يساهم المخطط في إدماج الصغار منهم في خانة الطبقة الوسطى، في انتظار أن تتضح معالم النتائج الفعلية للخيارات التي رهنت مستقبل الفلاحة لمدة تصل إلى حوالي 50 سنة فإن سِؤال الأمن الغذائي في علاقته مع تحسين مستوى العيش بالوسط القروي لايزال مطروحاَ بحدة ويحتاج إلى المزيد من التوضيحات، بل إلى الإجراءات التي تجعل من السياسة الفلاحية أداة للتنمية الاقتصادية وللعدالة الاجتماعية مرت سنة على دخول المخطط حيز التنفيذ، وهي سنة متميزة عن المعتاد بارتفاع معدل التساقطات المطرية بمعدلات جد مرتفعة وبشكل هم مختلف أنحاء المغرب، وبدل أن يسفر هذا الوضع عن حصاد قياسي فإن هشاشة القطاع وضعف التجهيزات الأساسية رفعا من عدد المنكوبين والمتضررين بالفيضانات وصارت التوقعات تعتبر أن الحصاد من الحبوب سيكون في حدود نصف حصاد الموسم السابق الذي كان موسماً قياسياً، أول ما يمكن استخلاصه من تجربة السنة الأولى من دخول مخطط المغرب الأخضر حيز التنفيذ هو أن المغرب الذي يقع في منطقة شبه جافة عانى من جفاف حاد استمر طيلة عدة سنين، وبعدها مباشرة عانى من الفيضانات ومن تلف العديد من المحاصيل الزراعية بفعل السيول وتقلبات أحوال الطقس. ثاني ما يمكن استخلاصه هو أن التساقطات المطرية أحيت الفرشة المائية وملأت جل السدود رغم أن مخاطر الفيضانات فرضت تفريغ ملايير الأمتار المكعبة من الماء في البحر، فالماء الذي كان يصنف بالأمس القريب بالعملة النادرة سرعان ما تحول إلى سلعة لابد من التخلص منها مهما كلف الثمن. ثالث الخلاصات تتمثل في أن التقلبات المناخية ساعدت على انتشار أمراض فتاكة مثل تلك التي أتلفت العديد من حقول الطماطم المغطاة وحولت زراعة الطماطم في الحقول العارية إلى خيار محكوم عليه مسبقاً بالخسارة، ومثل تلك التي ألحقت أضرارا بليغة بزراعة الحبوب، فضعف التأقلم مع متطلبات محاربة الحشرات والطفيليات والرطوبة المفرطة، حال دون جني محصول جيد وساعد الوسطاء على رفع أسعار الخضر والفواكه إلى مستويات فاقت بكثير القدرة الشرائية لأوسع الشرائح الاجتماعية دون أن يحصل المنتجون على الربح الذي يؤمن لهم العيش الكريم ويمكنهم من مواكبة التطور ومن الانخراط الفعلي في صلب أهداف مخطط المغرب الأخضر، كل هذه الخلاصات وغيرها تدفعنا إلى استحضار التحولات التي طرأت على أسعار جل المواد الغذائية في الأسواق الدولية عقب تزامن حالات الجفاف، الذي ضرب مثلاً بعض المناطق من أستراليا والصين والساحل الإفريقي، مع حالات الفيضانات والسيول والثلوج التي ضربت مناطق أخرى في أوربا وأمريكا، فإذا كان من الممكن التخلي عن منطق الاكتفاء الذاتي فإن منطق الأمن الغذائي تقوى في السنين الأخيرة وفرض التفكير بجدية في تحصين الذات من احتمال الشروع فعلا في استعمال الغذاء كسلاح فتاك. لقد أظهرت التجربة مكانة الفلاحة الموجهة للتصدير في توفير مناصب الشغل وفي جلب العملة الصعبة وفي تموين السوق الداخلية، فالاستثمارات التي تطلبها التحول من الإنتاج التقليدي إلى الإنتاج العصري صارت تعد بملايير الدراهم، والقول بالعدول عن إنتاج هذا الصنف أو ذاك لم يعد مقبولا ما لم يكن مدعماً بمبررات معقولة، لكن الارتباط بالأسواق الخارجية يحتاج إلى تكاثف جهود كل الأطراف المعنية بما في ذلك الفلاحة والتجهيز والنقل والدبلوماسية والصناعة التحويلية ، فإذا كان من الصعب على خزينة الدولة أن تدعم صادراتها الفلاحية على غرار ما تقوم به العديد من الدول المنافسة، فإنه من الممكن تدارك الخلل بتقليص كلفة المراحل التي تلي الإنتاج كالتلفيف والنقل والتخزين، وإذا ما تحقق ذلك فإن التساوي القائم حالياً بين هامش الربح المحقق قبل الإنتاج مع نظيره المحقق بعد الإنتاج يمكن أن يتغير لفائدة المرحلة البعدية وهو ما سيساعد على المزيد من الاستثمار في القطاع الإنتاجي الذي صار بدوره مطالباً بإنتاج الوفرة التي تساعد على تقليص كلفة مختلف خدمات المراحل البعدية. الكل ينتظر نتائج الدورة الثالثة للجلسات الفلاحية أما نتائج المعرض فمن غير المستبعد أن تسفر عن صفقات تجارية مربحة مادام أن بلوغ أهداف مخطط المغرب الأخضر يتطلب الاستثمار في الحداثة والعصرنة لكن السؤال الذي يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى هو هل ستنجح الخيارات الجديدة في تحقيق السيادة الغذائية وفي حماية الفلاحين الصغار والمتوسطين من مخاطر الإفلاس ثم في تحقيق التنمية الاجتماعية بالوسط القروي؟