أكد الحبيب المالكي ان الجامعة المغربية دائما لعبت في الماضي دورا طلائعيا في المساهمة في كل الحوارات الوطنية التي تهم المجتمع، إذ كانت مختبرا لافكار المستقبل واداة ساهمت في بلورة الرؤى الجديدة في كل القضايا المصيرية، وشدد المالكي امام المئات من الطلبة بالكلية المتعددة التخصصات بخريبكة التابعة لجامعة الحسن الاول بسطات عرضه حول الجهوية وافاق التنمية المندمجة يوم الخميس 18 فبراير 2010 على انه ليس هناك اصلاح ناجح كيفما كان نوعه بدون اشراك الطلبة والاساتذة ولو على مستوى التفكير الاكاديمي الذي ليس ترفا اكاديميا بل مساهمة جدية في انتاج الافكار، ورأى ان حيوية المجتمعات كانت دائما مرتبطة بحيوية الجامعة. و اضاف ان الجهة مفهوم متعدد، فهناك من يرتكز على البعد السياسي في التعريف بالجهة ليؤخذ بعين الاعتبار، وهناك من يرتكز على البعد البيئي، الى غير ذلك من التعريفات لكن يتساءل الاكاديمي وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ماذا يمكن ان نقول اذا اردنا ان ننطلق من تعريف واحد يجيب المالكي: ان الجهة مجال متناسق، وهو يولد شعورا خاصا سيلعب مستقبلا دورا اساسيا ، وهذا الشعور هو شعور الانتماء الجغرافي للجهة. فالفرنسيون يسمون ذلك ب Règionalisme ولكن الاهم ليس فقط الانتماء الجغرافي لجهة من الجهات، نحن ننتمي مؤقتا الى جهة الشاوية-ورديغة هذا صحيح،لكن لا أدري هل ذلك سيبقى ام لا؟ ولكن هذا الارتباط بالجهة وهذا الانتماء الجغرافي لجهة معينة له معنى ودلالة اساسية.بمعنى اننا ندخل في اطار جهة الشاوية ورديغة لنا مصالح خاصة مختلفة عن مصالح الجهات الأخرى، مصالح ساكنة جهة الشاورية -ورديغة لسيت هي مصالح ساكنة جهة طنجة تطوان، وليست هي مصالح اقاليمنا في الجنوب وليست هي مصالح مراكش- تانسيفت -الحوز. وليست هي مصالح سوس ماسة درعة او مكناس تافيلالت على سبيل المثال. هذا الشعور بالخصوصية في المصالح يؤدي الى شيء أكبر من ذلك. لنا قدرة نحن ساكنة جهة الشاورية ورديغة على تدبير شؤوننا، لنا القدرة على تدبير شؤوننا لتلبية حاجياتنا، وهذه الارادة في تدبير شؤوننا تؤدي ان لا ما يكفي من ارادة لتدبير شؤوننا بانفسنا احسن من الدولة. واضاف بأن هناك جهات متعددة وان هناك مشاكل بدون شك تتميز ببعض القواسم المشتركة، لكن هناك كذلك خصوصيات. وعندما تضع الدولة سياسة جهوية فهي تهدف من خلالها للاعتراف بالجهات الى تقديم المساعدة لجل الجهوية احدى ادوات التدخل بين ايدي الدولة .اذن هناك ثلاثةمستويات من التحليل، يتعلق الامر بالمفهوم المتعدد للجهة والمستوى الثاني من التحليل هو الانتماء الجغرافي لجهة من الجهات وما يترتب عن هذا الانتماء والارتباط بالجهة والمستوى الثالث هو رد فعل الدولة من خلال وضع سياسة جهوية تحاول ان تلبي كل الحاجيات لتحافظ على نوع من التماسك ونوع من الوحدة إلى حين انضاج ظروف اخرى وشروط اخرى لاختيار بعض التوجهات ا لمتقدمة انطلاقا مما نعيشه اليوم. ويبقى السؤال الذي لابد من طرحه هل للمغرب تجربة في هذا المجال -يقول المالكي -ان للمغرب تجربة لكن تجربة جد فتية، تجربة متواضعة، وهذه التجربة انطلقت منذ سنة 1971 حيث في بداية السبعينات من القرن الماضي تم تقسيم المغرب الى 7 جهات وكانت تسمى بالجهات الاقتصادية وهذا التقسيم الإداري المحض كان فقط احدى الادوات المساعدة للتحضير للمخططات التنموية التي كان يعتمدها المغرب الى غضون الثمانينات من القرن الماضي والمخططات الخماسية، والمخططات الثلاثية، ولكن الجهة الاقتصادية، في بداية السبعينيات الى منتصف التسعينيات من القرن الماضي ليس لها اي دور بارتباط مع الحياة اليومية من القرن الماضي، ليس لها اي دور بارتباط مع الحياة اليومية للمواطنين بل كان لها فقط دوراداري كاحدى الادوات المساعدة على تحضير المخططات التنموية التي كانت تستغرق اما خمس سنوات او ثلاث سنوات،لان هذا التقسيم ليس له تأثير على الحياة اليومية، وعلى المسار الذي عاشه المغرب الى حدود سنة 1997 التي تشكل المرحلة الثانية من التجربة المغربية في مجال الجهوية واعتبرها منعطفا في البناء الجهوي المغربي لاسباب مختلفة وموضوعية فالسبب الاول هو ان الجماعة المحلية او المجالس الجهوية أصبحت مؤسسة دستورية بعد ان نص عليها دستور 1996 انطلاقا من التعديل الذي عرفه المغرب سنة 1992 حيث اصبح لها استقلالها المادي والاداري، وكذلك الشخصية المعنوية وهذا الاعتراف الدستوري اعطى للجهة والمجالس المنتخبة نوعا من السلطة رغم محدودية هذه التجربة، الجانب الثاني هو ان المجالس الجهوية اصبح اعضاؤها منتخبين بكيفية غير مباشرة واعتبر ان هذه التجربة محدودة جدا بحكم ان التقسيم الجهوي لم يكن تقسيما عقلانيا ،اذ ليس هناك نوع من التماسك، ويؤخذ البعد الثقافي بعين للاعتبار كما ان الجهات كانت تحت الوصاية المطلقة لوزارة الداخلية مما قلص من هامش التحرك لرئيس الجهة. كما رصد الفقر في الوسائل سواء على مستوى التموين أوالموارد البشرية في التجربة الجهوية الحالية. واذا لم تكن هناك كفاءات -كما يقول المالكي- فمن الصعب أن تتم المراقبة والمتابعة لكل المشاريع الكبرى التي تهم الجهة. وهذا الفقر في الوسائل يؤدي الى محدودية الجهة. وهذا الفقر في الوسائل يؤدي الي محدودية الجهوية، وما تعرفه اليوم. وبالتالي كان الاصلاح الجهوي ضرورة. اذ ان الجهوية كانت جهة إدارية وليست سياسية، والجهة الادارية لا يمكن ان تفتح المجال للمنتخبين وآفاقا جديدة في البناء، بحكم عدم وجود هوامش للتحرك بالنسبة للمسؤولين. وهو ما يفرض يقول -عضو المكتب السياسي- تأسيس نوع جديد من الجهوية، وهو ما جاء في خطاب جلالة الملك. واذا تمعن في الخطاب الملكي، نجد هناك توجهات جديدة مرتبطة بما ستكون عليه الجهة مستقبلا،مضيفا انه يجب ان نجعل من جهوية الغد تحظى بالمصداقية ومجالا تمثيليا وليس حلقة ضعيفة في مسلسل البناء الديمقراطي بل حلقة قوية ومساهمة في النقاش الدائر حول الجهوية يقول الحبيب المالكي. علينا الاستفادة من التجاربة الاجنبية التي هي غنية ومتعددة ولها خصوصياتها لكن ليس هناك نموذج مرجعي في الجهوية لانها لصيقة بكل مجتمع. وبالتالي يقول يجب الا نعيد انتاج ما يجري خارج حدودنا. بل يجب الاستعانة به فقط. وشدد على أن النموذج الذي يجب الا نسلكه عكس ما يقال النموذج الاسباني، الذي لا يتجه نحو تعزيز الوحدة الاسبانية. اذ هذه الأخيرة في الميزان لأسباب مختلفة. وتشكل خطرا في العقود المقبلة على وحدة الدولة الاسبانية. وفي اطار صياغة جواب عن اية جهة نريد. يقول ان الجهة لا يمكن ان تصبح واقعا مختلفا الا اذا تمت في اطار اصلاح شامل ومتكامل. يؤدي الى مراجعة العلاقات بين الدولة والجهات. و الاصلاح الجهوي بالنسبة للغد يعني تفويت صلاحيات جديدة من طرف الدولة الى الجهات اجتماعيا، ثقافيا وسياسيا) والا نعيد انتاج النموذج السابق. هذا الاصلاح الذي يأتي في سياقه الطبيعي سيؤدي الى إصلاح الدولة الذي سيؤدي الى مراجعة مهام الدولة كذلك. وأشار إلى أن الحوار الوطني الحالي يساعدعلى انضاج كل الشروط بالتدرج على اساس التوافق الوطني في اتجاه تعديل دستوري يفتح افاق جديدة لما نطمح اليه. العنصر الثالث -يرى عضو المكتب السياسي- يتعلق بالتقسيم الجهوي، محذرا من السقوط في الاعتماد علي المنطق العددي، بل يجب ان يتم الاعتماد على المنطق النوعي، مشيرا الى أنه لا يمكن ان نؤسس لجهة من بُعد يتيم حتى لا تصبح الجهة يتيمة. وبالتالي لابد من التفكير في وضع مقياس تركيبي، مكون من كل الابعاد مع اعطاء الأهمية للابعاد التي تفرض نفسها، بمعنى الاهتمام بخصوصيات كل منطقة وجهة، حتى لا نسجن مستقبل الجهة في جانب واحد. العنصر الاخر، يتعلق بالشرعية الديمقراطية -يقول- انه من الصعب ان ينتخب الرئيس الجهة من طرف ثلة محدودة عدديا. ففي السياسة كلما تقلص العدد، كلما فتحنا المجال لمجموعة الضغط. وما عشناه سنة 2009 يقول المالكي خاصة في الفصول المتعلقة بالانتخابات غير المباشرة،أعطى صورة رديئة لما يجب ان تكون عليه الديمقراطية. فالشرعية الديمقراطية، هي الطريق الذي يساعد غدا على إعطاء مصداقية للجهة، وهذه الشرعية تأتي من خلال اعتماد انتخابات مباشرة، تؤهل الجهة لممارسة مهامها. وهذا ايضا يطرح دور الوالي غدا. فالوالي مؤسسة لابد من الاحتفاظ بها وبدورها. لكن في سياق جديد ومن منظور جديد. فالوالي له مهمة التنسيق الافقي، لانه يمثل القطاعات الحكومية جهويا ودوره الاستراتيجي في هذا المجال. لكن يقول المالكي يجب ان تعطى لرئيس الجهة بعض الصلاحيات. ويصبح الأمر بالصرف لتوسيع الهامش وجعله سلطة معنوية للمساهمة في التنمية وليس رئيسا لتنفيذ الاوامر. في نفس السياق شدد على ضرورة وجود نخبة محلية في مستوى متطلبات الجهة الجديدة. كيفما كانت هندسة المؤسسات فستكون النتائج عكسية في غياب هذه النخبة،التي يجب ان تكون متشبعة بالقيم وتؤمن برسالة التغيير، وتجعل من الجهة احدى البنيات التي تساعد على تلبية حاجيات المواطنين، بعيدا عن الممارسات التي عشناها وبعيدا عن مجموعة الضغط التي تدافع عن مصالحها وليس لها أفق وعلاقة بالجهة والجهوية، كما أكد على أن الجهة الجديدة يجب أن تفهم وتمارس كأداة لتقوية أداء الوحدة الوطنية، وتثمينها وليس اضعافها، وربط في مداخلته بين الانتماء الجهوي والانتماء الوطني، كما ربط بين الانتماء الجغرافي للجهة والانتماء المقدس للوطن، ورأى أنه إذا انتقلنا من العصبية القبلية إلى العصبية الجهوية، من شأن ذلك خلق تحول في ثقافتنا وتعاملنا وسلوكنا، هذا التحول يتطلب وقتا طويلا وعلى النخبة أن تنهج هذا السلوك من الآن، حتى لا نبقى أسيري نماذج متقادمة كما دعا إلى جعل من العصبية الجهوية عنصر إنماء الكيان الوطني ومحاربة العصبية القبلية التي أضعفت الجميع، ولإنجاح جهة الغد -يضيف- لابد من وضع سياسة وطنية تهدف إلى تنمية جهوية متوازنة، أي على الدولة، أن تضع سياسة خاصة بالجهوية، إذ أن الجهوية الادارية عمقت الفوارق بين الجهات، فمثلا جهة الدارالبيضاء الكبرى تمثل خمس ما ننتجه وطنيا في حين لا تتجاوز هذه النسبة 5% بالنسبة لجهة الشاوية ورديغة، والأمر كذلك بالنسبة لجهة تادلة أزيلال والرباط سلا زمور زعير 10% هذه الأرقام تؤكد طبيعة الفوارق بين الجهات، وهو وضع غير صحي بالنسبة للتنمية، وبالتالي لابد من وضع سياسة وطنية لتنمية جهوية متكاملة والتعاقد بين الجهات والدولة على أساس برامج تنموية جهوية واضحة و في ذلك تكريس لدور الدولة. وإذا تدخلت الدولة من خلال إبرام التوازن بين الجهات وإعطاء بعض الصلاحيات والموارد البشرية تقنيا واداريا فمغرب الغد سينطلق على أساس ركيزتين: الدولة الجديدة بمهامها الجديدة والجهة الجديدة. عميد الكلية المتعددة التخصصات عبد الحميد البوزيدي رحب بالاستاذ الحبيب المالكي الذي يرجع له الفضل في إخراج هذه المعلمة بعاصمة الفوسفاط شاكرا إياه لتلبيته الدعوة والمشاركة في إغناء النقاش حول أحد أهم الاشكاليات الراهنة ألا وهي الجهوية وآفاق التنمية المندمجة. ويأتي هذا اللقاء يضيف العميد لترجمة انفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي والسياسي ومشاركتها في توسيع النقاش حول قضية مصيرية ألا وهي الجهوية. وباسم اساتذة كلية المتعددة التخصصات، تناولت الكلمة الأستاذة رفيق خديجة التي تطرقت لمجموعة من النقط حول الجهوية ودور الجامعة كفضاء للنقاش والحوار، وهي نفس الأستاذة التي أنيط بها مهام تنشيط هذا اللقاء.