وأخيرا انتهت فصول المحاكمة في إحدى أكبر عمليات اختلاس المال العام في المغرب، مساء يوم الجمعة 15 يناير أصدرت استئنافية القطب الجنحي بالدار البيضاء أحكامها في حق المتهمين في ملف القرض العقاري والسياحي (السياش) والتي جاءت مفاجأة للعديد من المتتبعين. تسع سنوات بعد انفجار القضية صدرت الاحكام في حق المتابعين بمضاعفة الاحكام الابتدائية في حق المتهمين الفارين أبرزهم مولاي الزين الزاهدي المدير العام السابق حيث حكم عليه ب 20 سنة سجنا فيما تحولت الاحكام الصادرة في حق المتابعين الماثلين أمام المحكمة الى أحكام غير نافدة... علامات الارتياح والهدوء التي كانت تبدو على وجوه المتهمين قبيل أو بعد النطق بالحكم مساء الجمعة الماضي تعني في نظر الكثيرين مؤشرا على أن هذه القضية الضخمة التي شغلت الرأي العام وقيل فيها الكثير أُريد لها ألا تصل الى جوهر القضية وهي استرجاع حوالي 15 مليار درهم اختلست وسبق أن أنجزت حوله تقارير متعددة سواء من طرف المفتشية العامة لوزارة المالية أو التقرير الذي أنجز من طرف المدير العام السابق عبد الواحد سهيل أو تقرير لجنة التقصي التي شكلها البرلمان لم تصل الى جوهر الملف. وظلت أسماء وازنة ونافذة استفادت من »قروض« ضخمة خارج المساءلة، بل إن الأحكام الاستئنافية صدرت في حق المتابعين بتهم تبديد أموال عامة حتى دون أن يعرف حجم هذ التبديد بالضبط وكيف تم ذلك ومن المستفيد.... والأدهى من ذلك أن »بنك المغرب« المفروض أنه المؤسسة التي تتابع وتراقب أنشطة المؤسسات العاملة في القطاع البنكي لم يتدخل لوقف النهب، ولاسيما حينما يتعلق الامر بمؤسسة بنكية عمومية كانت في بدايتها متخصصة في مواكبة وتمويل القطاع السياحي وقطاع الإسكان قبل أن تتحول الى مؤسسة بنكية مفتوحة على الخواص وتقدم منتجات بنكية كباقي الأبناك... وبالرغم من أن أحد المتهمين الرئيسيين وهو مولاي الزين الزاهدي أطلق النار على العديد من الشخصيات والمسؤولين المتورطين بشكل أو بآخر في العديد من الصفقات المشبوهة وكشف بالأسماء والأساليب والتدخلات والمناورات كيف كانت تتم الصفقات، وحجم التواطؤات، مما يطرح البعد السياسي لهذا الملف الذي كان من المفروض أن يصل الى نهايته المنطقية فإن التحقيقات سواء الإدارية أو القضائية أو البرلمانية لم تتمكن حتى من الاستماع لأشخاص ذكروا بالإسم استفادوا من قروض ضخمة بدون ضمانات أو استعملت في مشاريع أخرى خاصة لا علاقة لها بما كان مفروضا أن تخصص له، مما يطرح أكثر من علامة استفهام. فالملف الذي تفجر مدوياً وبني على أساس تبديد أموال عمومية انتهى باهتا بإصدار أحكام ضد مسؤولين وأطر في البنك، قد تكون مسؤوليتهم ثابتة في القضية ولكنهم في كل الأحوال ما كانوا ليُقْدِموا لسنوات على ما كانوا يقومون به دون غطاء سياسي قوي. أحد المتتبعين لتفاصيل هذه القضية يلخص دلالتها قائلا »عشر سنوات على فتح الملف انتهت بعدم وجود أي ملف... ملف »السياش« في العمق أثير لتبرير تصرفات سابقة قبل مجيء حكومة التناوب، ومن خلاله أُريد بعث رسالة واضحة للانتهاء من هذه الممارسات والتصرفات. »طي« هذا الملف قضائيا يطرح اليوم من الأسئلة أكثر مما قدم من الأجوبة. فهل كان من الضروري فتح ملف السياش بالشكل والطريقة التي فتح بها؟ ما مصير الأموال التي اختلست ولم يتم استرجاعها... هل استفادت الدولة من دروس هذا الملف للقطع مع سياسة التدخلات والتوصيات والتعليمات لفائدة المقربين والنافذين؟ هل الدولة قادرة على سن واعتماد آليات للتدبير والمراقبة لتفادي وقوع مثل ما وقع؟ ملف »السياش«، وما آل إليه على الرغم من ضخامته وحجم الأموال العامة التي سرقت، إذا كان قد انتهى هذه النهاية، فإن المتتبعين يتخوفون من أن تعرف ملفات أخرى ضخمة أثيرت في السنوات الأخيرة من عيار ملف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والقرض الفلاحي... وغيرهما نفس المصير، ويتم تقديم بعض المسؤولين والأطر الادارية كبش فداء للتغطية والتستر على المسؤولين الحقيقيين.