الأدب المغربي يتنفس بأكثر من لغة وبأكثر من رئة، وأصحابه يبحرون في أكثر من بحر وأكثر من اتجاه، مخترقين الحدود، بعد أن اختاروا الإبحار عبر الزوارق الشراعية وبمجهود فردي، هاجسهم هو العشق للأدب. والذي لا يتكلم بعدة لغات أو يعرف لغة واحدة هو بمثابة رجل أعمى داخل صحراء لا قرار لها، ولكي تكون أكثر انفتاحا على العالم بشساعته، وبتجاربه المحدثة، عليك أن تكون ملما بأكثر من لغة، ونقصد هنا أن يكون لك لسان أشبه بلسان الأفعى، تلك الملتصقة بشجرة المعرفة، والتي بسببها تجرأ من أراد حقيقة المعرفة، ولمس تلك الشجرة بكل جسارة، ثم كان ماكان، ولعل ما يسوغ الأدباء المغاربة الذين اختاروا الكتابة بلغة سرفانتس، أي أولئك الذين شغفوا بدون كيخوطي دي لامانتشا وقرأوه بلغته الأصلية، ثم صار لهم الحلم والخيال بين دراعيهم، وعلى منواله كتبوا بلغة سرفانتس. وبالرغم من عدد الأدباء المغاربة القليل الذين يكتبون بالاسبانية مقارنة مع الكتاب المغاربة والذين يكتبون بالفرنسية، إلا أنهم فتحوا لنا شرفة مضيئة على الثقافة الاسبانية، وشكلوا عصبة وأصبحوا «سفراء» ينوبون عن الثقافة المغربية، ونالوا ثقة المثقفين الاسبان. إن هؤلاء الأدباء الاسبانوفون كسروا الحدود، بين الثقافة المغربية والاسبانية. صحيح أن الحديث داخل الثقافة المغربية عنهم غير وارد بشكل كافي، وإن لم نقل لم ينالوا بعد الاحتفاء الواجب اتجاههم. وحين نطالع الأجناس الأدبية للأدباء الذين اختاروا فيها الكتابة بالاسبانية نجدهم يكتبون في الشعر كما في الرواية وفي الأعمدة بالصحف الاسبانية أوفي المجلات الأدبية المتخصصة. ونتفاجأ لماذا لم ينل أحدهم جائزة رفيعة المستوى. وفي كل الابداعات الفنية والأدبية. فإننا لا ننفي على من يكتبون الأدب المغربي باللغة الاسبانية أنه لا يوجد من بينهم كتاب رديئي الانتاج أو الإبداع أو من غير موهبة تذكر، أو من تحظى نصوصهم بالجودة والاضافة النوعية. والملاحظ أن أغلب هؤلاء الكتاب الاسبانوفون، ينحدرون إما من الشمال الغربي أو الشمال الشرقي للمغرب، وقد كان لتربيتهم وانفتاحهم المباشر أو غير المباشر على اسبانيا بحكم الموقع الاستراتيجي لمدنهم دور مهم في الانفتاح على الثقافة الاسبانية، ونذكر على سبيل المثال مدن: تطوان، طنجة، العرائش، الناضور وسبتة المحتلة، ففي المؤلفات الأدبية التي نطالعها نجد أنها كلها تمتح من عوالم وثقافة مغربية اجتماعية وسياسية، لذا التربة التي يترعرع فيها الحلم والخيال والعواطف تحمل الجنسية المغربية، لكن الهواء الذي تتنفس منه اللغة هو سليل سيربانطيس في محاولة لجلب الخاطر وإرضاء رفاقهم الاسبانيين والذين يرغبون في (اكتشاف المغرب)، وهذه الفئة من الأدباء المغاربة تحاول أن تقبض لها على أفق رحب وسلس، تمزج مابين المشترك بين البلدين في حدود متجاورة، وموروثة متوسلة بالانفتاح تارة وأخرى بالالتزام بالأصول التراثية والمعرفية. وليس غريبا أن نجد أغلب الكتابات الأدبية باللغة الاسبانية في النصف الثاني من القرن الماضي كانت تناشد الأندلس والعوالم العربية بالأندلس، واستحضارها للرموز الثقافية والفنية والإبداعية أمثال لوركا... كما أن روافد الثقافة الاسبانية كان لها فضل كبير على الثقافة المغربية فغالبية الأدباء المغاربة، انفتحوا على الأدب الاسباني وتأثروا به، والتمسوا فيه الانفتاح على الحداثة، ولو أن البعض الآخر من المحافظين بقي عنده آنذاك تحفظ، واعتبر ذلك مساسا بالهوية الوطنية، والشخصية المغربية.إلا أن الافتتان وعشق الكتابة باللغة الاسبانية لم يستطع منه هؤلاء الكتاب الخلاص والعودة إلى لغتهم الأم. وحول كم عدد الكتاب المغاربة الذين يكتبون اليوم بالاسبانية يقول عنهم الكتاب المغربي محمد اقلعي، الرئيس السابق لجمعية الكتاب المغاربة بالاسبانية :«إن المغرب بحكم انفتاحه على العالم وموقعه وطابعه التعددي يعتبر البلد العربي والافريقي الوحيد الذي له كتاب كثيرون باللغة الاسبانية ».