يعتقد الأستاذ عبد القادر أزريع أن الضرورة الوطنية تقتضي الرفع من إيقاع الأسئلة المتقاطعة التي يمور بها الحقل الاجتماعي و السياسي بالمغرب، في أفق التعجيل و الدفع بسؤال الإصلاح الذي يجد له راهنيته. في حواره مع جريدة «الاتحاد الاشتراكي» ، قارب أزريع المسألة النقابية و الاجتماعية، و سؤال الإصلاحات الدستورية وتوحيد اليسار . { تعتبر القضية الاجتماعية اليوم في صلب انشغالات السياسات المحلية ، نظم منتدى بدائل المغرب نشاطا مرتبطا بذلك، و أتيتم إلى المتنادين بمفهوم جديد في الثقافة السياسية المغربية يتحدث عن الديمقراطية التشاركية .. ما الذي تعنون به من وراء ذلك ؟ بداية أتقدم بالشكر لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» التي أتاحت لي مرة أخرى فرصة التواصل مع القراء والمناضلين من أجل توسيع النقاش حول مختلف القضايا والهموم المطروحة على الصف الديمقراطي، وعلى رأسها القضية الاجتماعية والديمقراطية بمفهومها الواسع، والديمقراطية التشاركية كثقافة سياسية جديدة في إدارة الشأن العام الوطني والمحلي، وإشكالية وحدة اليسار المغربي. عودة إلى السؤال الأول، أود أن أقف لتوضيح العلاقة القائمة بين القضية الاجتماعية باعتبارها اليوم قضية القرن 21 والديمقراطية التشاركية البديلة، كما يدعو لها منتدى بدائل المغرب. لقد أفرز التناقض الجديد ما بعد 1970 ما بين قوة الرأسمال ومجموع المعطلين والمهمشين والفلاحين الصغار والفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى الطبقات الكلاسيكية من طبقة عاملة ومتوسطة وتجار صغار ومتوسطين، أطروحة سياسية جديدة مؤسسة لمشروع اجتماعي بديل يتوخى العدالة الاجتماعية والتعدد والتوازن والحرية والديمقراطية، معتمدين في نظام مشروعهم هذا على تحالف واسع بين مختلف مكونات هذه الجبهة العريضة في النضال والكفاح للوقوف في وجه المشروع النيوليبرالي القائم على قوة المال والذي يسعى لإخضاع البشرية جمعاء إلى قانون السوق، وبالتالي تسليع البشر. هذا التحالف العريض الذي تشكل من خلال آليات تقديرية نضالية جديدة وهي المنتديات الاجتماعية، كان لا بد أن يبحث لنفسه عن تحالفات أخرى، من هنا تم التفكير في هيكلة المنتدى العالمي للمنتخبات والمنتخبين المحليين كقوة حليفة قادرة على إعادة صياغة المشروع المجتمعي من القاعدة، وبالتالي الدخول في توزيع بديل للثروات حتى تستفيد منها كل الشرائح والفئات المجتمعية. إذن فمن هذا المنطلق، فالحركات الاجتماعية الجديدة المستندة للشرعية الشعبية والمنتخبات والمنتخبين المحليين المستندين إلى الشرعية التمثيلية هما ركائز لقوة اجتماعية بديلة قادرة على صياغة بدائل جديدة لتحقيق توازن اجتماعي، خاصة بعد أن انفجرت الأزمة الاقتصادية الحالية والتي دفعت النافذين في مركز القرار إلى التعديل على الأقل من سياستهم المالية، والعودة مرة أخرى إلى تقديم رؤوس أموال وافرة لميزانية الدولة لإنقاذ ركائزها المالية، وهي التي كانت «هذه القيادات: بوش/ساركوزي» توجه إلى حين الضربات للدولة الحاضنة من أجل إرساء دعائم دولة جديدة للسياسات النيوليبرالية، وهي الدولة الضابطة. باختصار، فالديمقراطية التشاركية البديلة، هي ديمقراطية مفتوحة تنقل الفاعل المحلي من مجرد مدبر للشأن المحلي إلى فاعل تنموي يستوعب مشروعه ثقافة النوع، بالإضافة إلى إتاحة الفرصة للفاعل الاجتماعي والجمعوي للمساهمة في بلورة الخطط والمشروعات التنموية المحلية. أما بخصوص المفهوم في التجربة المغربية، فبالرجوع شيئا ما إلى الوراء، أي مع بداية المسلسل الديمقراطي وبالضبط سنة 1976، سنجد أن التجارب المحلية خاصة تلك التي قادها مناضلون اتحاديون، على سبيل المثال جماعة عين الذياب، المعاريف، فاس، أكادير... كلها وبدون استثناء مارست نوعاً من الديمقراطية التشاركية دفاعا عن استقلاليتها كجماعات وعن مشروعها العام، كما أن هذه التجارب عرفت انفتاحاً على المثقفات والمثقفين والشباب والفنانين والجمعيات، والأمثلة على ذلك عديدة، يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، حملات الدعم التي نظمتها جماعة عين الذياب التي كان يرأسها المرحوم مصطفى القرشاوي لفائدة شهداء حرب الصحراء، والتي تصدت لها آنذاك السلطة المحلية. كذلك جماعة المعاريف التي عملت على تشييد المركب الثقافي للمعاريف بشراكة مع القطاع الخاص والذي تحول إلى إحدى المعالم الثقافية لهذه المدينة. فالديمقراطية التشاركية إذن ليست مفهوما دخيلا على الفعل السياسي المغربي، بقدر ما هي تركيب لخلاصات وبدائل تجربة مغربية في تلاقيها مع التجربة الدولية والتي انطلقت من بورتو أليكر بالبرازيل وتحولت اليوم إلى تجربة كونية ، حيث نجد اليوم عددا من الجماعات المحلية في العديد من دول العالم اختارت الديمقراطية التشاركية بفلسفتها وآلياتها وصولا إلى الميزانية التشاركية، وهذا هو الطموح الذي نتمنى أن تصله جماعاتنا المحلية المنخرطة في هذه السياسة الجديدة. وبهذه القناعة ندعو كل المنتخبات والمنتخبين المحليين المنتمين إلى الصف الديمقراطي لاحتضان إعلان مراكش في أفق تأسيس المنتدى الاجتماعي المغربي للمنتخبات والمنتخبين المحليين . { أصبح المغرب في العشرية الأخيرة يعاني من ضعف آليات الوساطة، و تراجع واضح في الأدوار التي يمكن أن تتيحها هاته الآليات ، كالنقابات مثلا، بحكم خلفيتكم النقابية .. إلام تعزو هذه التراجعات ؟ بداية أشير إلى أني أستحسن استعمال مفهوم آليات التأطير المجتمعي، بدل آليات الوساطة، والتي انتقلت إلى الحقل الاجتماعي من الحقل المالي. وهي مرتبطة بالمعاملات التجارية والبورصوية، في حين أن مفهوم آليات التأطير هو مفهوم متعدد الأبعاد، فهو يشمل التأطير الإيديولوجي والفكري والتنظيمي والتعبوي، لأن هذه الآليات المجتمعية لم تتشكل في الأصل لتلعب دور الوسيط، بل تشكلت من أجل بلورة رأي عام قادر على صياغة بدائل وقادر كذلك على النضال من أجل فرض هذه البدائل والتصورات. أما بخصوص التراجع الذي تحدثتم عنه، ففي تقديري يرجع إلى سبب عام رئيسي و موضوعي، حيث إن هذه الآليات التأطيرية وعلى رأسها النقابة، تشكلت على إثر سؤال تنظيمي أفرزته الاختلالات والتوترات التي عرفها المجتمع الرأسمالي في بداية تشكل النظام الرأسمالي. وهي كآليات كانت تهدف في مرحلة معينة إلى صياغة توازنات هذا النمط. وفي مرحلة أخرى، بعد تبني العديد من النقابيين للأطروحة الماركسية إلى تأزيم الوضع من أجل إنجاز الثورة الاشتراكية، فمع التحولات الكبرى التي شهدها العالم على مستوى بنياته الإنتاجية عامة، حيث انتقلت القوة من الرأسمال الإنتاجي إلى الرأسمال المالي. كانت أولى الضربات التي تلقتها المركزيات النقابية في صيغتها الكلاسيكية هي التي توجهت للعمل النقابي في إنجلترا في المرحلة التاتشرية. وستتوالى الضربات بفعل المراجعات المتعددة التي شملت كل آليات التوازن السابقة مع اعتماد المرونة في الشغل، اعتماد مبدأ الحكامة الذي قلص القوة العاملة إلى حدها الأدنى، وفجر أسواق العمل الدولية، ناهيك عن الضربات التي تلقتها الخدمات العمومية. هكذا إذن انتقلت من مفهوم التوظيف إلى التشغيل المحدد المدة بواسطة عقود تشغيل.. وهكذا تقلصت الرقعة المجتمعية للفعل النقابي، وتحولت النقابات إلى مجرد وسيط لإنهاء عقود الشغل بالنسبة للقطاعات العمومية المخوصصة، أو تلك التي خضعت للتدبير المفوض. فلذلك، في تقديري أن ضعف تأثير النقابات وأزمتها، هي أزمة انتقال و امتداد لأزمة النسق المجتمعي ككل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحركات النقابية التي نجحت في تجاوز أزمة مثل هذه، هي المركزيات النقابية التي أعادت طرح السؤال التأطيري العام، وهذا ما فتح لها المجال لاحتضان الحركات الاجتماعية الجديدة والانخراط في آليات المنتديات الاجتماعية لتصبح بذلك النواة الصلبة لهذه الجبهة الاجتماعية العريضة المناهضة للعولمة المتوحشة والمناضلة من أجل عالم آخر ممكن. تأسيساً على هذا التوضيح، وبالعودة للتجربة المغربية يمكنني الجزم أن الضعف أو التراجع التأطيري هو بالأساس راجع لغياب هذا السؤال الجديد المطابق للصراع الاجتماعي كما يجري في الساحة العالمية والوطنية. فالعقل النقابي المغربي تأخر كثيراً في التقاط هذا السؤال وفي محاولة الإجابة عليه بما يتطابق وطبيعة اللحظة. فعلى سبيل المثال، ها نحن نرى كيف تحولت حركة احتجاجية بسيدي إفني إلى قوة لتدبير الشأن المحلي. لذلك، كان من هنا على المركزيات النقابية المغربية أن تفكر أولاً في هذا التحول، ثم ثانياً أن توفر الفضاء والآليات لاحتضان مختلف هذه الحركات الاجتماعية. لذلك، من أجل انطلاقة جديدة للحركة النقابية لا بد وأن تقف مع ذاتها لاستخلاص الدروس مع العشر سنوات الأخيرة لبناء أداة نضالية كفاحية قوية. وفي تقديري قد انطلقت صيرورة تشكل هذا الوعي الجديد من خلال انخراط المركزيات النقابية في المنتديات الاجتماعية والذي توج بتأسيس المنتدى النقابي المغربي في أفق تأسيس المنتدى النقابي المغاربي ، وهي فضاءات ستعمل لا محالة على توسيع هذا النقاش وهذا الحضور في أفق صياغة أطروحة كاملة موجهة للعمل النقابي المغربي حتى يسترد قوته وتوهجه . { صرحتم في إحدى خرجاتكم الإعلامية أن قدر المغرب أن يعيش تناوبا من أربعين سنة إلى أربعين سنة أخرى ، كيف ذلك ؟ بالرجوع إلى تاريخ المغرب المعاصر، سنجد أن المغرب حين خروجه من عهد الحماية، حاول دخول العصر الجديد سياسيا واجتماعيا وثقافياً. وفي تقديري توفرت له هذه الإمكانيات مع حكومة المرحوم الأستاذ عبد الله إبراهيم. فقد كانت هذه الحكومة في نظري حكومة انتقال لبناء مغرب ديمقراطي جديد. وهذا ما يفسر تكالب القوى المحافظة التقليدية ضدها من أجل الإسراع بإنهاء هذه التجربة في بدايتها، وبالرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي هيمنت فيها الأوليغارشية العسكرية وقوى الكمبرادور والقوة التقليدية من أعيان وكبار الفلاحين نجحت هذه التجربة في أن تؤسس لمرجعية تشريعية وتنظيمية وتدبيرية، حيث أصبحت مرجعا للمناضلين والباحثين ومختلف الفاعلين، وقد امتدت هذه المرحلة الرمادية من تاريخ المغرب المعروفة بالتسلط والإكراه والنهب والتي انتهت بالبلاد إلى السكتة القلبية، التي جاءت حكومة الانتقال الثانية، أقصد حكومة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي، التي يجب اعتبارها امتداداً لهذه التجربة الأولى والتي بالرغم من كل المعيقات المؤسساتية والتدبيرية والتشريعية والدستورية، وبالرغم من الخصاص الاجتماعي العام، يمكن القول إن حكومة اليوسفي دخلت على إفلاس شمل كل مرافق الخدمة العمومية، من تعليم وصحة... مع ذلك نجحت في بدايتها في زرع بذرة الأمل في نفوس المواطنين، وهذا ما يفسر التعاطي الشعبي معها في بدايتها. أي أنها وفرت للمغرب مرة أخرى إمكانية الانتقال الديمقراطي. وعلى غير المنتظر والمتوقع تعود قوى التراجع والتأخر لتنقض على هذه المحاولة الثانية بالانقلاب على الأستاذ اليوسفي وتعيين السيد إدريس جطو الذي وفر سيادة السياسات النيوليبرالية التي حولت البلاد إلى سوق عام تتحرك فيه الشركات المتعددة الجنسية بدون حسيب ولا رقيب فيما يعرف بتوسيع الاستثمار الأجنبي الذي وصل إلى مستوى التحكم في كل شيء، نظافة شوارعنا ونقل مواطنينا، بل وتنظيم حتى حركة توقف سياراتنا، لنصل اليوم إلى ما أصبح متداولاً، أي نهاية الانتقال الديمقراطي. الوقوف عند هاتين التجربتين إن الدولة كما كانت في السابق لم تنخرط بعد في المشروع الديمقراطي الحداثي كاختيار دائم وكصيرورة رافعة للدولة المغربية الحديثة بقدر ما هو انطلاقا من هذه الممارسات وصفة مؤقتة تلجأ إليها الدولة المغربية كلما وصلت الأزمة الاجتماعية حدوداً قصوى ستأتي على الأخضر واليابس. { المطلب الدستوري و الإصلاحات السياسية أصبحت تفرض نفسها على الأجندة السياسية الوطنية، هناك تقديرات مختلفة للفاعلين السياسيين حول توقيت وزمن هذا الإصلاح ، هل ترون أن المغرب اليوم في حاجة إلى تكثيف سؤال الإصلاح بأبعاده المتعددة وفتح نقاش عمومي حول هذا الملف؟ نعتقد أن سؤال الإصلاح الشامل كان مطلبا في مختلف المراحل السابقة، وأصبح اليوم يفرض نفسه نظراً للأزمة المركبة التي تعيشها بلادنا اليوم. فهي أولاً أزمة سياسية، ثانياً أزمة اجتماعية وثقافية، وحتى في مظهرها الرياضي. لذلك، أعتبر أن مطلب الإصلاحات السياسية والدستورية هي من المطالب التي تفرض نفسها. لكن هذا بمثابة تأكيد واقع قائم، وما يهمني أكثر بخصوص سؤال الإصلاح هذا، هو كيف نخوض معركة الإصلاح؟ كيف ننظم قوتنا كي نفرض مطلب الإصلاح؟ فتاريخ الشعوب يعلمنا أن المطالب الإستراتيجية مثل هذا المطلب تستدعي التخطيط لبناء الذات وإعداد الخطط والمشاريع لخوض هذه المعركة، لأن الهبات والتفهم والتفاهم لا حضور لها في تاريخ البشرية، الذي هو تاريخ صراع، فلذلك، ومن هذا المنبر أدعو إلى أن يتركز العقل التقدمي في المغرب على التشكيل في هذا الاتجاه. وفي اعتقادي، أن الأستاذ حسن طارق في إحدى مقالاته حول اليسار والمسألة الاجتماعية دعا إلى الانتقال من معادلة الدولة الإصلاح إلى معادلة جديدة الإصلاح المجتمع، أي عودة اليسار إلى المجتمع والاشتغال على قضاياه من أجل تحيين مشروعه العام حتى يتطابق واللحظة التاريخية، فعلى سبيل المثال كنا إلى حدود 1970 نعتبر الدولة الحاضنة مكسبا ونناضل من أجل توسيع هذه الحضانة لكي تشمل حقوقا جديدة ينضاف إلى المكتسبات المحصل عليها، أما اليوم فنواجه الدولة الضابطة، هذا يقتضي مراجعة لكل ما تأسس سابقا، لندخل هذه المرحلة الجديدة. كذلك عودتنا إلى المجتمع ستوفر لنا إمكانية بناء جسور وآليات تواصلية وتأطيرية جديدة مع جماهير شعبنا. ففي هذا الاتجاه مثلا يقول الأستاذ دانشيلر في إحدى مقالاته المنشورة بلوموند ديبلومتيك «دجنبر 2009» ما معناه أن القوة الضاربة اليوم للتوجهات النيوليبرالية هي الصناعة الإعلامية والتواصلية الجديدة التي يتدخل فيها الرأسمال لوحده، على خلاف الهيكلة الكلاسيكية التي كانت وراء التغيرات الطلائعية التي عشناها مع الثورات 1789، 1917، 1949 والتي كانت تقوم على القوة البشرية من أجل إنجاز التغيير الاجتماعي والثقافي». أستخلص من هذا القول أن زمن الإصلاح اليوم ليس هو زمن الإصلاح بالأمس. فآليات الإصلاح اليوم هي غير آليات الإصلاح السابقة، وهذا يفرض أن نجتهد في البحث وإبداع جسور جديدة من أجل بناء قوة اجتماعية قادرة على فرض الإصلاح وإخراجها من هذه الانتظارية القاتلة التي نعيش اليوم. يثار اليوم نقاش داخل مكونات اليسار حول المطلوب إنجازه، و الشروط الذاتية لتوحيد اليسار.. { بصفتك من الأبناء الشرعيين لهذا اليسار و عشت داخل تفاصيله النضالية، ما الذي يمكن أن تسجل في هذا الاتجاه ؟ منذ البدء يجب أن نميز بين تجميع اليسار والذي يوحي بالطبيعة الكمية لهذا التجميع، وبين وحدة اليسار وهي في تقديري وحدة نوعية متجددة قائمة على مشروع جديد في أطروحته وتفاصيله مستوعبة للتحولات، و منفتحة على التجارب الكونية المتقدمة في هذا الشأن. وفي تقديري أيضا يجب أن ينطلق هذا الورش من سؤال وجود اليسار. إننا نتابع كيف أن اليسار المغربي اليوم ينتقل بخطى متتابعة ليجد نفسه غداً على هامش القرار السياسي الموجه للبلاد. سؤال الوجود هذا يفترض علينا أن نستفيد من تاريخ يسارنا بحيث بالرجوع إلى أهم محطات تجدد اليسار وتغيره سنجد على أنها تأسست على وثيقة الاختيار الثوري للشهيد المهدي بنبركة، والاتحاد الاشتراكي تأسس على وثيقة التقرير الإيديولوجي، ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي تأسست على وثيقة الشرعية. وبالرجوع إلى هذه الوثائق سنجد أنها شاملة تناولت التشكيلة الاجتماعية، طبيعة النظام التبعي الذي كان سائدا وقتئذ والمتمثل في الاقتصاد الكمبرادوري إلى غير ذلك من القضايا الكبرى التي ترسم الخطوط الكبرى الضابطة للعمل السياسي والمؤثرة في التكتيكات السياسية والتدبير اليومي للعمل السياسي، والمحددة للخطوط الحمراء الفاصلة بين مشروعنا والمشروع الآخر. لذلك، فالمطلوب منا اليوم أن نتجند جميعا لحماية هذا الموروث لصياغة هذا المشروع. وأعتقد أن المرجعيات اليوم متوفرة، خاصة التجارب السياسية المتقدمة في هذا المجال، وأقصد بها تجربة أمريكا اللاتينية، التي على خلاف التجربة الأوربية أعطت لليسار العالمي موقعا متقدما في خارطة السياسة العالمية. أضف إلى ذلك، أن الآليات التنظيمية الجديدة قادرة هي كذلك أن توفر لنا فضاءً للحوار والتواصل والتجميع لبناء هذا الوعي اليساري الجديد، وكذلك القوة الاجتماعية الحاضنة والداعمة لهذا المشروع. من هنا أدعو أن ينخرط بقوة في فضاءات اليسار المحلية والجهوية والوطنية من أجل تسريع تشكيل معالم هذا المشروع. وعلينا نحن كجيل أن نترفع عن الخلافات التدبيرية اليومية وعن صراع المواقع، لأنه لن يكون لنا غدا موقع في المجتمع إذا لم ننجح في وضع هذا المشروع الجديد على سكته احتراماً لرصيدنا وخدمة لشعبنا.