كرمت الدورة الثالثة ل«حفلات عشاء مواطنة» التي نظمتها، الأربعاء الماضي، الوزارة الفرنسية للهجرة والإدماج والهوية الوطنية والتنمية المتضامنة، الفرنسيين المنحدرين من أصل مغربي. وقد التأم في هذه التظاهرة «رجال ونساء» يشرفون أصولهم وفرنسا. مغاربة تألق العديد منهم في مجالات شتى، ابدعوا ويثابروا، راكموا تجارب وخبرات مهمة في سائر التخصصات المهنية، وفي قطاعات جد متنوعة تشمل المقاولات والعلوم والأدب والفن والرياضة، وحظوا بالاحترام من لدن الفرنسيين. هذا الاحتفاء هو اعتراف لما جاءت به الهجرة والتبادل مع بلدان الهجرة من إسهام في هويتنا الوطنية والجمهورية. غير أنه في غمرة هذا الاحتفاء يتواصل النقاش حول الهوية الوطنية الفرنسية، الذي أطلقه وزير الهجرة والإدماج والهوية الوطنية والتنمية المتضامنة إريك بيسون. هذا النقاش، الذي يجهل كل من المشاركين فيه والمهتمين به ما سيفضي إليه، تحول من نقاش للهوية الوطنية بفرنسا إلى نقاس حول الهجرة والاسلام. لا أحد يعرف اليوم الحدود التي سيصل لها النقاش حول الهوية الوطنية بفرنسا ، الذي أطلقة الوزير المكلف بالهجرة وبالهوية الوطنية، إريك بيسون. هذا النقاش الذي بدأ يعرف منزلقات لا أحد يتوقع أبعادها، إذ تحول النقاش اليوم من الهوية الوطنية إلى النقاش حول الهجرة، والإسلام، مما خلق حالة من القلق والخوف لدى الفرنسيين من أصول أجنبية والأجانب من ديانة مسلمة على الخصوص ،حسب المؤرخ بنجمان سطورا. خاصة أن هذا النقاش لا يتم بمبادرة من الأحزاب والنقابات أو الجمعيات ، بل من طرف الدولة المركزية ومكانه هو مقر السلطة من عمالات ومقرات الإدارة الفرنسية عبر التراب الفرنسي التي تعرف طيلة النهار أفواج انتظار للأجانب من أجل تجديد وثائق إقامتهم أو من أجل طلب الاوراق بالنسبة للمهاجرين السريين. هذا النقاش زاد من حدته وتوجيهه نحو المسلمين نجاح اليمين المتطرف في سويسرا في الفوز في استفتاء ضد بناء الصوامع، هذا الاستفتاء اصبح موضوع كل النقاشات والصحف الفرنسية، بل تحول الاستفتاء إلى «صوت للشعب» وزاد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من التوضيح في هذا الاتجاه في وجهة نظر له بيومية «لوموند» بالقول على«النخب الاستماع إلى الشعب»! عدد من المعلقين ردوا على الرئيس الفرنسي في حينه، لماذا لم يستمع الرئيس للشعب في قضية البناء الأوربي؟ ولماذا لم يدع الشعب الى التصويت مجددا الى الاستفتاء حول البناء الأوربي بعد أن رفض الشعب الفرنسي بناء أوربا في استفتاء شعبي جمع ضده عددا من أقطاب اليمين واليسار؟يبدو ان الاستماع الى الشعب يصبح مهما عند الحديث عن الصوامع فقط.رغم ان السؤال سخيف مادامت قضية بناء الصوامع بفرنسا تمس المصالح المعمارية للمدن والدولة لائكية وتضمن حق الاعتقاد لجميع مواطنيها والمقيمين بها رغم اختلاف معتقداتهم .لكن الرئيس الفرنسي بمقاله ساهم في توجيه هذا النقاش نحو الاسلام والدين، وذلك بشكل مستهدف.. وبعد توجيه الرئيس الفرنسي للنقاش نحو المسلمين في مقاله، سارعت إحدى وزيراته في تصريح لها في نفس الاتجاه نادين مورانو كاتبة الدولة المكلفة بقضايا الأسرة والتضامن في إحدى القاعات بمنطقة الفوج شرق فرنسا، قائلة «أنا أريد من الشاب المسلم ،عندما يكون فرنسيا، ان يحب بلده ،أن يجد عملا، أن لا يتكلم «لغة» الأحياء ، وأن لا يضع قبعته بشكل مقلوب...» عندما تقول وزيرة الجمهورية هذا الكلام، ما بالك بعامة الناس، حيث تتهم الشباب المغاربي الذي يحمل الجنسية الفرنسية ، والذي ازداد وترعرع في مدارس الجمهورية الفرنسية، لأنه لا يحب بلده ولا يريد العمل ويتكلم بشكل سيء، وكأن هذا الشباب هو من اختار العيش بالأحياء الفقيرة التي تخلت عنها الدولة، وكأنه هو من يتهرب من العمل وليست العنصرية، هي التي تجعل طلباته للعمل بدون جواب، وهو ما تعكسه مختلف الدراسات التي تنجزها العديد من مؤسسات الدولة الفرنسية والميز الذي يتعرض له هؤلاء الشباب سواء من أجل السكن أو العمل او حتى عندما يريد التسلية. جاك دولور، إحدى الشخصيات السياسية الفرنسية المهمة، عبر عن صدمته من هذا النقاش حول الهوية الوطنية واعتبر ذلك مجرد تجديد انتخابي. أحد عمداء المدن الفرنسية المنتمي الى الحزب الحاكم للرئيس ، أفصح بشكل جيد عن النقاش حول الهوية الوطنية بالقول «ان فرنسا مهددة ب10 ملايين نسمة نؤدي لهم اجورا و لا يقومون بأي شيء»!! طبعا هذا النوع من التصريحات يكشف عن عمق هذا النقاش الموجه ضد المغاربيين وضد المهاجرين بصفة عامة بفرنسا، والذين وصفهم الرئيس الفرنسي «بالقادمين الجدد». هؤلاء القادمون الجدد ، أي المغاربيون، يعود حضورهم الى قرن من الزمن بفرنسا. كما عكسه المعرض المنظم بالمتحف الوطني لتاريخ الهجرة وجزء منهم أصبح له جد فرنسي رغم ارتباطهم بالبلدان الأصلية. من المفارقات ايضا لهذا النقاش الفرنسي ان وزارة التعليم قدمت اصلاحا يهدف الى حذف تدريس عدد من ساعات التاريخ لتلاميذ العلوم بالثانوي ، وهو ما يعتبره بنجمان سطورا معارضا للنقاش حول الهوية الوطنية التي تتطلب معرفة بتاريخ البلد وثقافته وحضارته .هذا القرار سيؤدي الى صنع نخب علمية لا تعرف تاريخ بلدها والتاريخ الاستعماري لفرنسا والتفريق بين فرنسا الاستعمارية التي تقمع وبين فرنسا الانوار التي تمكن الافراد من التحرر والانعتاق. بمعنى انتهى النقاش حول الهوية الوطنية بنقاش حول المغاربيين بفرنسا والإسلام والهجرة، هكذا صحت تحليلات العديد من السياسيين الفرنسيين مثل الكاتبة الاولى للحزب الاشتراكي الفرنسي، بأن الهدف من هذا النقاش هو قتل النقاش الحقيقي الذي يجب ان يهتم به السياسيون، أي مشاكل الفرنسيين والحديث عن مشاكل الفرنسيين والتي فشلت الحكومة في حلها خاصة أن فرنسا تعيش أجواء الانتخابات الجهوية التي لم يبق على موعدها سوى 4 اشهر . توجد كل مجالس الجهات اليوم في يد المعارضة اليسارية باستثناء مجلسين، مما يعرقل كل اصلاحات الرئيس نيكولا ساركوزي الذي يريد ان يخلص الدولة من عدد من الصلاحيات التي كانت تقوم بها في السابق في اتجاه الجهات في حين ان المعارضة ترفض وتقاوم ذلك لعدم إعطاء الدولة الإمكانيات المادية اللازمة لتسلم هذه الصلاحيات الجديدة ، حسب رأي المعارضة . رئيس الفريق الاشتراكي جون مارك ايرو كان اكثر وضوحا في حديثه عن النقاش حول الهوية الوطنية وقال في تصريح إلى الصحافة ان الحكومة الفرنسية تريد تفريق الفرنسيين بهذا النقاش واتهام المسلمين والمهاجرين بالمس بهذه الهوية.هكدا تحول النقاش حول مشاكل الفرنسيين الى نقاش حول من يهدد هوية الفرنسيين. هكذا حافظت فرنسا على هذا التقليد السيء والشعبوي الذي استعملته الدولة منذ عدة قرون، وهو تنظيم الخوف والتحكم في الخوف وتوجيهه حيث يتحول المهاجرون إلى رهائن اثناء الانتخابات ويتم تحميل مشاكل عدد من الفرنسيين وخوفهم من المستقبل إلى المهاجرين خاصة من ذوي الديانة الاسلامية. بل إن الحكومة الفرنسية الحالية بزعامة نيكولا ساركوزي احتكرت حتى خطاب الجبهة الوطنية العنصرية التي جعلت من المهاجرين والاسلام محور كل حملاتها منذ عدة عقود ، لكن اليوم يعوضها في ذلك الحزب الفرنسي الحاكم.