في أجواء من الريبة واستعداء للأجانب زادت حدتها خلال الأشهر الأخيرة, نظمت في العديد من المدن الفرنسية الإثنين 1-3-2010 تظاهرة "يوم بلا مهاجرين" التي ترمي إلى توعية الرأي العام الفرنسي والحكومة الفرنسية بأهمية المهاجرين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية الفرنسية. ففي ساحة قصر بلدية العاصمة الفرنسية باريس وأمام العديد من ساحات البلديات الأخرى في كامل أنحاء فرنسا، انتصبت الخيام والطاولات وأقيمت تجمعات ضمت المئات من المهاجرين والفرنسيين من أصول مهاجرة بدعوة من ائتلاف "24 ساعة بدوننا" الذي دعا إلى الإضراب عن العمل يوم 1 مارس والتوقف عن أي نشاط من شأنه أن يساهم في دورة الاقتصاد الفرنسي. وقالت الناشطة في الائتلاف: "ما حدث في الأشهر الأخيرة، خاصة تصريحات بعض وزراء الرئيس ساركوزي أظهر الخطاب العنصري ضد الأجانب بشكل عام، وأثبت أننا وصلنا إلى مرحلة حساسة تتطلب التحرك العاجل ضد هذه الانحرافات التي هي بعيدة عن التقاليد الفرنسية، وتقاليد الجمهورية التي توصف دوما بكونها بلدا حاميا للحريات وحقوق الإنسان وملاذا للمهاجرين". وتأسس ائتلاف "24 ساعة بدوننا" السنة الماضية عقب الحادثة التي تلفظ فيها وزير الداخلية "بريس هورتفي" بعبارات اعتبرت عنصرية ضد شاب فرنسي من أصول مهاجرة كان يشارك في ملتقى للتجمع من أجل الحركة الشعبية الحاكم في وسط فرنسا.. وقال بريس هورتفي وقتذاك "إذا كان هنا واحد فقط في الملتقى (أي عربي واحد) ليس مشكلة ولكن المشكلة إذا كانوا كثر"! ويعد "يوم بلا مهاجرين" الذي نظمه ائتلاف "24 ساعة بدوننا" الأول من نوعه بفرنسا الذي يصدر من قبل المهاجرين العاملين بفرنسا وأبنائهم، وهي مبادرة تشبه مبادرة سابقة نظمت في الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2006 حينما قام المهاجرون من أصول إسبانية بالإضراب عن العمل رافعين نفس الشعار محتجين على سياسة الهجرة في الولاياتالمتحدة. وزارة الهجرة وفي المسيرة التي انطلقت في شوارع العاصمة الفرنسية باريس رفع الائتلاف لافتة تطالب بإلغاء وزارة الهجرة والهوية الوطنية التي أحدثها الرئيس نيكولا ساركوزي منذ وصوله إلى قصر الإليزيه سنة 2007 وهي الوزارة التي أثارت العديد من الجدل بفرنسا؛ حيث اعتبرها اليسار الفرنسي والعديد من المثقفين منافية للتقاليد الفرنسية المبنية على التسامح وتنوع المجتمع الفرنسي. وفي البيان الذي أصدره "ائتلاف 24 ساعة بدوننا" عرّف المسئولون عن التظاهرة أنفسهم، قائلين: "نحن نساء ورجال من جميع الأديان وجميع الأحزاب السياسية وجميع ألوان البشر، مهاجرون ومنحدرون من مهاجرين، ومواطنون نعترف بالمساهمة الفعالة للمهاجرين في بلادنا، لقد سمعنا ما يكفي من جانب بعض السياسيين الذين يُصرّون على وصم المهاجرين وذريتهم وتقديمهم في صورة مجرمين". وأضاف الائتلاف في بيانه الذي وزعه: "إننا نرفض الصور الجاهزة والقوالب النمطية التي تهدد تماسكنا الاجتماعي، ونرفض أن يتم طمس ومحو المساهمة الإيجابية للمهاجرين في بناء فرنسا، في الماضي كما في الحاضر والمستقبل، وعلى عاتقنا مهمة إظهار هذه المساهمة في صورتها اللائقة". وحول اختيار يوم 1 مارس من أجل القيام بهذا التحرك قال "ائتلاف 24 ساعة بدوننا": "في غرة مارس 2005 دخل حيز التنفيذ قانون دخول وإقامة ولجوء الأجانب المعروف باسم (قانون الأجانب)، هذا القانون خير مثال لوجهة نظر نفعية من الهجرة بعبارة أخرى، إنه تكريس لنظرة انتقائية للهجرة". وتأتي تظاهرة "يوم بلا مهاجرين" في الوقت الذي عاشت فيه فرنسا خلال الأشهر الأخيرة نقاشا حادا حول الهوية الوطنية نظمته "وزارة الهجرة والهوية الوطنية"، وهو نقاش تحول في الكثير من الأحيان إلى التقليل من قيمة الأجانب واستهداف المهاجرين من ذوي الأصول الإسلامية، خاصة عبر تصريحات العديد من الوزراء التي اعتبرت من قبل البعض عنصرية.