جاء مقترح الحكم الذاتي بالصحراء من طرف المغرب، لإيجاد حل نهائي للأزمة التي وصل إليها ملف الصحراء في الأممالمتحدة، وبالتالي الاتجاه نحو تحقيق الرفاه الإجتماعي للسكان الصحراويين، وبالخصوص بالنسبة للأعداد الكبيرة التي ما زالت محتجزة في مخيمات تغيب فيها أبسط شروط حقوق الإنسان. بيد أن إنهاء هذا الملف من الناحية السياسية، سيفتح أمام من سيوكل لهم أمر تدبير الحكم الذاتي ملف التعاطي مع الأوضاع الاجتماعية الأمر الذي يتطلب تعاملا فريدا أو يقتضي حكامة اجتماعية في التعاطي مع الظروف المعيشية لسكان الصحراء. فما هي أهم محاور المقترح المغربي بشأن الحكم الذاتي؟ وما هي ملامح الاستراتيجية الوطنية في مجال التعاطي مع ملف الصحراء في ظل الظروف الراهنة؟ على ضوء التوجيهات الملكية الواردة في خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء للسادس من نونبر 2009 . «... قررنا إضفاء روح متجددة على المسيرة- يقول جلالة الملك لرفع التحديات الآنية والمستقبلية لقضيتنا الوطنية، وذلك بإطلاق مخطط مندمج»، قائم على توجهات خمسة. أولها: الحرص على أن تكون الأقاليم الصحراوية في صدارة الجهوية المتقدمة المنشودة بما يعزز تدبيرها الذاتي لشؤونها المحلية. التوجه الثاني : يتمثل في قيام الحكومة بجعل هذه الأقاليم نموذجا لعدم التمركز وللحكامة الجيدة المحلية عبر تزويدها بأجود الأطر وتخويلها صلاحيات واسعة تحت الإشراف القانوني للولاة والعمال. فيما التوجه الثالث ، يتمثل في إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في أفق انتهاء ولايته، من خلال إعادة النظر في تركيبته وتقوية تمثيليته، بانفتاحه على نخب جديدة، ذات كفاءة وغيرة وطنية، وتأهيل وملاءمة هياكله، وطرق تسييره مع التحديات الجديدة، والرفع من نجاعته في التعبئة للدفاع عن مغربية الصحراء وتنميتها. ويتعلق التوجه الرابع، بمواجهة مجال عمل وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، ونفوذها الترابي بتركيز جهودها على الأقاليم الصحراوية بالانكباب على إنجاز مشاريع للتنمية البشرية، وبرامج محلية موفرة لفرص الشغل للشباب، ومعززة للعدالة الإجتماعية والإنصاف، والعمل على تيسير ظروف العودة لكل التائبين من مخيمات تندوف. وأخيرا، التوجه الخامس، الذي يهم نهوض الهيئات السياسية والنقابية، والجمعوية، والإعلامية، والقوى المنتجة والمبدعة، بواجبها في تأطير المواطنين وترسيخ قيم الغيرة والوطنية والمواطنة الحقة... بخلاصة، تضمن الخطاب الملكي توجيهات سياسية وتنموية بالنسبة للمرحلة المقبلة، وسأركز على الجانب التنموي مع الإشارة إلى أنه لا يمكن الفصل بين السياسي والتنموي، فقط سنركز على الجانب التنموي، وبالخصوص الحكامة الجيدة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كما جاء في الخطاب الملكي ... فحينما نتحدث عن تفشي ظواهر الفقر والإقصاء الاجتماعي والبطالة والأمية في المغرب... فللمناطق الصحراوية نصيبها بلا شك وبهذا سنعرض بعجالة لنقط ثلاث : 1- مقترح الحكم الذاتي. 2- إمكانية تفعيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في منطقة الحكم الذاتي بالصحراء. 3- استشراف الحكامة الاجتماعية بمنطقة الحكم الذاتي. أولا : مقترح الحكم الذاتي. المبادرة الوطنية للحكم الذاتي بالصحراء، إلتزم فيها المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي لانهاء النزاع المفتعل حول الصحراء، في إطار سيادة المملكة المغربية، ووحدتها الوطنية والترابية، وهي مبادرة واعدة لانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة، فضلا عن أنه من شأنها أن تساعد على تحقيق المصالحة، مع منع كافة الصحراويين، سواء تواجدوا داخل المغرب أو خارجه مكانتهم اللائقة بهم، ومساهمتهم في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها دون تمييز أو إقصاء، وهكذا سيتولى سكان الصحراء، وبشكل ديموقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية، كما ستتوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات والإسهام الفعال في الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية للمملكة. مع احتفاظ هذه الأخيرة باختصاصات في ميادين السيادة ولاسيما الدفاع والعلاقات الخارجية والاختصاصات الدستورية والدينية لجلالة الملك. وتجدر الإشارة إلى أن المقترح المغربي، والمتضمن لمؤسسات تشريعية وتنفيذية تحت السيادة المغربية يتماشى والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي اقترحها الملك محمد السادس في ماي من عام 2005 . ثانيا : إمكانية نجاح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في منطقة الحكم الذاتي بالصحراء: إن نجاح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمنطقة الحكم الذاتي بالصحراء كفيلة بالدرجة الأولى بوجود إرادة صادقة لمن سيوكل لهم أمر تدبير إدارة شؤون الحكم الذاتي من خلال تفعيل أجهزة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتنسيق بينها وبين مؤسسات الحكم الذاتي. وثانيا من خلال عقد شراكات بين أجهزة الحكم الذاتي والإدارة المركزية. بالنسبة للتنسيق والتفعيل بين أجهزة الحكم الذاتي وأجهزة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية تهدف إلى تقليص نسبة الفقر، ومحاربة الهشاشة والتهميش، والاقصاء الاجتماعي، هذه الأهداف تشكل مبادئ مكملة لمقترح الحكم الذاتي خصوصا وأن المقترح يندرج في إطار بناء مجتمع ديموقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وهي مبادرة واعدة بانبثاق مستقبل أفضل لسكان الجهة والمطلوب هنا تفعيل أجهزة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في منطقة الحكم الذاتي سواء على المستوى المركزي، أو الجهوي، أو الاقليمي، أو المحلي. إذن هذه الأخيرة يمكنها العمل إلى جانب المؤسسات المنصوص عليها في المقترح المغربي حول الحكم الذاتي. أما السياق الثاني فهو الاتجاه إلى عقد شراكات مع جهات مختلفة وطنية ودولية، بهدف تطوير الحوار والتعاون . وهذا كله تحت إشراف وتدخل وتواجد قوي للمجلس الاقتصادي والإجتماعي. وتفاديا لثغرات الماضي فيما يخص التعاطي مع الأوضاع الإجتماعية فالأمر يتطلب ممن سيوكل لهم أمر تدبير الحكم الذاتي، اعتماد حكامة جيدة في التعاطي مع الظروف المعيشية لسكان الصحراء. ثالثا : استشراف حكامة اجتماعية جيدة بمنطقة الحكم الذاتي بالصحراء. فمبادرة الحكم الذاتي وما تضمنته من مؤسسات ، تحترم معايير الديموقراطية في تكوينها، وتتماشى وحكامة تدبير شؤون منطقة الحكم الذاتي، ومنها الحكامة الإجتماعية، والتي نرى لتطبيقها وإنجاحها من طرف مؤسسات الحكم الذاتي ضرورة إحترام الشروط التالية : - تحديد أهداف السياسة الإجتماعية ووظائفها. - تحديد الأولويات والاحتياجات الاجتماعية. - إعتماد تخطيط إجتماعي يتماشى والسياسة المعتمدة والنتائج التي يسعى المجتمع نحوها. - تعيين متخصصين في المجال الاجتماعي. بخلاصة، حينما نتحدث عن مخطط مندمج، نعني مخططا يأخذ بعين الإعتبار كون الإنسان الصحراوي يجب أن يكون في قلب الخيارات المتبعة، فالرهان على التنمية الإقتصادية دون شراكة مع التنمية البشرية المحلية وعلى المحددات الوجدانية والثقافية والوطنية، قد تجعل المجال الصحراوي يعيش مفارقة تتجلى في كون عملية تشييد المدن قد تتم على أنقاض المؤسسات التقليدية للمجتمع الصحراوي، وبالنتيجة غياب الروح في هذه المنشآت - بطبيعة الحال إذا لم تحترم الخصوصيات المحلية. إذن يجب النهوض بالتنمية المندمجة في منطقة الحكم الذاتي بأبعادها الثلاثة ( الإقتصادية والإجتماعية والبيئية)، وإلا ما قيمة أن يكون للمواطن هنا الحق في ان يدلي بصوته لاختيار من سيمثله داخل الهيئات المنتخبة، ولكن ليس له الحق في السكن اللائق في إطار يحترم خصوصياته الثقافية والمعمارية المحلية. ليس له الحق في التعليم الجيد والتطبيب المجاني، ليست له حرية اختيار من سيمثله أمام انتشار الفقر والحاجة والجهل (شراء الذمم). إذن يجب النهوض بالجانب التنموي، استنادا إلى التقارير الخاصة بالتنمية، منطلقين من خارطة الطريق الموضوعة من طرف : مشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، مقترح الحكم الذاتي، الخطب الملكية وخاصة الخطاب الأخير بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين للمسيرة الخضراء. وإلا من الصعب إذكاء روح المواطنة الحقة في غياب هذه الشروط،، هذه المواطنة وهذه الغيرة الوطنية التي جاءت في البند الخامس والأخير الذي تحدث عنه الخطاب الملكي ل 06 نونبر 2009. أستاذة القانون والعلوم السياسية الكلية المتعددة التخصصات- آسفي