اتجهت كل أنظار العالم يوم الاثنين 7 ديسمبر2009 صوب مدينة كوبنهاكن الدنماركية التي تحتضن الملتقى البيئي الدولي، مترقبة بذلك النتائج التي سوف يسفر عليها هذا الملتقى الذي يعد الثالث من نوعه بعد قمة الأرض في ريوديجانيرو سنة 1992 و بعد مؤتمر كيوطو لسنة 1997 من خلال هذا الملتقى العالمي ستحاول بلدان العالم التباحث فيما بينها من أجل إيجاد صيغة للاتفاق على نظام قانوني دولي كفيل بمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري، هذه الظاهرة التي أصبحت تهدد الحياة على وجه الكرة الأرضية. إن التغيرات المناخية التي يشهدها كوكبنا الأرض أصبحت تشكل خطرا بيئيا على الحياة، مما أصبح يفرض على الإنسانية التفكير بشكل جماعي حول الحلول الكفيلة بإنقاذها من مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري، ويفسر العلماء هذه الظاهرة بارتفاع درجة حرارة الأرض وذلك ناتج عن ارتفاع نسبة الغازات في الجو، هذه الغازات المتمثلة في ثاني أكسيد الكاربون، الآزوت و الميتان و SF6و PEC, HFC ، و هي كلها غازات مسماة بغازات البيت الزجاجي. ومن تداعيات الاحتباس الحراري أنها تتسبب في ظهور كوارث طبيعية أخرى خطيرة على الأحياء على سطح البر والبحر كالتصحر وذوبان الجليد في القطبين وارتفاع مستويات مياه البحار والأنهار والأعاصير والفيضانات والرياح الشديدة في المحيطات، لقد ارتفعت درجة حرارة الأرض المتوسطة في القرن الأخير ب 07 - C ، أما مستوى مياه البحار فلقد ارتفع ب 17cm منذ نهاية القرن 19، إن مسببات هذه الظاهرة كثيرة وهي إما مسببات طبيعية أو إنسانية إلا أن مجمل العلماء يجمعون على وجود آثار إنسانية في هذا المجال. لا يجادل أحد في أن الدول المتقدمة الصناعية تتحمل مسؤولية تاريخية في هذا التلوث البيئي الحاصل اليوم، إن التطور الصناعي الذي عرفته هذه البلدان لم يشفع البيئة من كوارث طبيعية وخيمة، فأصبحت تداعيات هذه الأزمة تتجاوز هذه البلدان لتقحم معها الإنسانية جمعاء في هذه الأزمة البيئية، فحسب جريدة لوموند التي كشفت على إحصائيات مصدرها الأممالمتحدة تتعلق بسنة 2006، فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية أنتجت 5752 مليون طن من أكسيد الكربون، والاتحاد الأوروبي أنتج 4053 مليون طن من نفس الغاز في نفس السنة، أما روسيا فهي مسؤولة عن إنتاج 1565 مليون طن في 2006 . من خلال هذه الإحصائيات يتبين على أن الدول الصناعية الكبرى تتحمل المسؤولية في انبعاث هذه الغازات، ومن خلال الإحصائيات السابقة الذكر يتبين أيضا تورط بعض الدول التي تعتبر في طور التنمية خصوصا الصين التي تعتلي الهرم بإنتاجها ل 6103 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في 2006 و الهند ب 1510 مليون طن و اليابان ب 1293 مليون طن والبرازيل ب 352 مليون طن. هنا يتبين لنا مدى أهمية ملتقى كوبنهاكن الذي سوف تطالب فيه الدول الصناعية بمحاولة رأب الصدع الحاصل عل المستوى البيئي، لأن المفاوضات التي سوف تكون جارية خلال هذا الملتقى الدولي لن تطرح بمنطق الربح والخسارة لأن الكل معني والكل مستأثر بهذا النقاش الأممي الذي لا يميز ما بين القوي والضعيف بقدر ما يهتم باستمرارية الإنسانية ككل فبعيدا عن كل النقاشات الجوفاء التي تقتصر على صراع الحضارات والامتيازات الجيوسياسية والماكرو اقتصادية، فإن الإنسانية تلتحم اليوم من أجل إيجاد مخرج للأزمة التي تتخبط فيها، الكل معني بهذا النقاش والكل سوف يقدم تنازلات بعيدا عن التشنجات العقيمة التي هي من خلق الإنسان بعيدا عن الطبيعة، أما أحكام هذه الأخيرة فهي عادلة في فلسفتها وقاسية تجاه كل عابث باحث عن الربح فقط، هذا هو العالم بمفهوم القرية الصغيرة. من بين أهداف ملتقى كوبنهاكن: أولا هو الحد من درجة الحرارة في 2 - C مما يفرض على الدول المتقدمة خفض انبعاث غازاتها فيما بين 25 % إلى 40 % في أفق 2020 ، ثانيا الهدف من وراء هذا الملتقى هو الوصول إلى صيغة ملزمة تفرض المراقبة والمحاسبة على الدول الموقعة على الاتفاق حتى لا يلقى الاتفاق مصيره مثل مصير كيوطو الذي لم يكن إلزاميا بل أخلاقيا، ثالثا يبقى الهدف كذلك من خلال هذا الاجتماع هو تحديد مبلغ وطريقة التمويل التي ستقوم الدول الصناعية بتقديمه للدول الضعيفة من أجل تجاوز الاختلالات البيئية في أقطارها، لقد قدر المختصين هذا المبلغ ب 100 مليون يورو الشيء الذي يبدو صعب المنال إلى حدود الآن خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي قدم فقط 7 ملايين يورو كدعم للدول الضعيفة، رابعا الحفاظ على مقررات كيوطو التي تفرض على دول الشمال خفض انبعثات غازاتها بنسبة 5 % فيما بين المدة الفاصلة بين 2008 و 2012 إلا أن المشكل الحاصل هو عدم إيفاء الولاياتالمتحدةالأمريكية بوعودها بخصوص هذا البرتوكول، وخامسا يبقى الهدف كذلك هو حماية الغابة الاستوائية وذلك بدعم دول مثل البرازيل والكونغو وغينيا الجديدة... في محاربة ظاهرة اختفاء الأشجار قصد تشجيع سياسة التشجير التي من شأنها خفض نسبة الغازات في الجو. من شأن مثل هذه الملتقيات أن تقدم الشيء الكبير للإنسانية، خصوصا وأن الهدف من ورائها هو تقديم حلول جماعية لمسألة وجودية تعني الجميع بدون استثناء، بعيدا عن مغالطات القوي والضعيف، الغني والفقير، المتقدم والمتخلف، إن مثل هذه المحطات تقرب الإنسانية جمعاء وتأخذ بعدا حضاريا كونيا لا يقتصر على قطر دون آخر ولا طائفة دون سواها، إنها فلسفة الطبيعة التي تعلمنا مرة أخرى أن التقارب الحضاري شيء ممكن وأن العدالة ليست نتيجة بل هي حتمية في آخر المطاف، يقولون إن الثقافات تختلف والمصالح تتصارع، لكن الطبيعة تقول بالحرف الوحيد إن العدالة واحدة لا تتجزأ ولا يمكن تجاوزها، المصير مصير مشترك، لأننا أولا وقبل كل شيء نتقاسم نفس الهواء. رسالة بيئية لكل طاغوت ولكل مظلوم، لكل إنسان.