شئنا أم أبينا، هناك، اليوم، مجابهة، إن لم نقل حربا، بين الغرب الأوروبي - الأميركي و«الظاهرة الإسلاموية» - ولا نقول الإسلام أو العالم الإسلامي أو المسلمين - سواء في أشكالها العنيفة، أم في أشكالها السياسية والثقافية. وهذه المجابهة بدأت قبل 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وقبل احتلال العراق وأفغانستان بسنوات، عندما راحت تنظيمات إسلاموية، وأشهرها تنظيم القاعدة ، تقوم بعمليات تفجيرية إرهابية على مصالح وأهداف أميركية وغربية. إلا أن عملية البرجين في نيويورك شكلت مفصلا مهما في هذه المجابهة؛ إذ حولتها إلى حرب معلنة على الإرهاب الإسلاموي الدولي من قبل الولاياتالمتحدة الأميركية ومعظم الدول الغربية بما فيها روسيا. وهي حرب اضطرت دول عربية وإسلامية عدة إلى المشاركة فيها، بعد أن طالها إرهاب التنظيمات الإسلاموية المتطرفة. ولقد دخلت هذه الحرب المعلنة عامها السابع أو الثامن، وامتدت ساحاتها من باكستانوأفغانستان إلى المغرب العربي ومن اليمن والصومال إلى الشيشان. وتعددت وتناقضت الشعارات التي يخوض كل فريق، أو طرف فيها، معركته، تحتها. من هنا: «مقاومة الاحتلال الغربي للأراضي الإسلامية» أو «ضرب الحلف الصليبي –الصهيوني» أو «تطبيق الشريعة» أو «بعث الخلافة الإسلامية».. ومن هناك: «القضاء على التنظيمات الدينية الإرهابية» و«نشر الديمقراطية وفرض السلام والاستقرار». مع العلم بأن خلف هذه الشعارات الجميلة تكمن مصالح سياسية واقتصادية، كالوصول إلى الحكم من هنا، والحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، من هناك. وتتضارب الآراء حول حصيلة هذه الحرب الدائرة منذ سنوات. فواشنطن تقول: إنها صفت عددا كبيرا من قيادات القاعدة وتنظيمات إرهابية أخرى. وإنها حالت بتدابيرها الأمنية دون وقوع عمليات إرهابية على أراضيها. كما تقول الشيء نفسه الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة. أما التنظيمات الإرهابية فإنها ترد على ذلك بأنها ما زالت ناشطة في باكستانوأفغانستان والعراق والصومال واليمن وقادرة على إلحاق الضرر بالدول الغربية وبالأنظمة الحاكمة. وكلا الطرفين محق، إلى حد ما، فيما يدعيه. إلا أن تحولا جديدا ومهما طرأ على مجرى هذه الحرب، ألا وهو وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض وتبنيه سياسة أخرى في تعاطي الولاياتالمتحدة مع العالم وأسلوب جديد في قيادة الحرب على الإرهاب. وهو أسلوب يتميز بثلاث: 1- إشراك كل الدول المعنية مباشرة في هذا الصراع الجديد في القرارات. 2- مع الإبقاء على الوجود العسكري الأميركي مؤقتا، وتوفير المساعدات اللازمة لحكومات الدول المهددة من قبل التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، لتمكينها من بسط سلطتها بنفسها على أراضيها. 3- محاولة كسب ثقة الشعوب واستمالة أكبر عدد من القياديين والمواطنين، حتى المقاومين، بمختلف الوسائل لإبعادهم عن الجماعات الإسلاموية المتطرفة أو تمكينهم من الوقوف في وجهها. ويبدو أن هذه السياسة الجديدة أعطت نتائجها في العراق وبدأت تثمر في أفغانستان واليمن والصومال. ولا شك في أن هذه السياسة الجديدة مرشحة للنجاح أكثر من سياسة الرئيس بوش في تغيير مجرى الحرب على الإرهاب. مع العلم بأن «التفكير الجهادي» لا يزال منتشرا بواسطة الإنترنت وبأن الجماعات الإرهابية ليست كلها مرتبطة ب«القاعدة» ولا مقتصرة على بلد عربي أو إسلامي واحد. ولكنها خلايا صغيرة لا يعرف متى وأين تضرب. كثيرون هم الذين يعتقدون أن عام 2010 سيكون عاما حاسما في العراق وأفغانستان وغيرهما من الساحات التي تدور فيها هذه الحرب. والحسم قد لا يكون كاملا ونهائيا، ولكن المعركة سوف تتخذ أشكالا جديدة. وإذا كان من الصعب القضاء على كل أسباب ومظاهر وقوى الحركات والتنظيمات الإسلاموية الجهادية المتطرفة التي تتغذى من مناخات صحوة دينية إسلامية واسعة، ومن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية في بعض الدول العربية والإسلامية، فإنه من الصعب، أيضا، تصور الغرب الأميركي-الأوروبي، بما لديه من ترسانة حربية هائلة، مهزوما على يد الملا عمر وبن لادن والظواهري! وإنه من الصعب وقوف الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية، وأكثرية أبناء هذه الدول الرافضين للإرهاب والتطرف والتعصب، مكتوفي الأيدي أمام جماعات تمهد طريقها إلى الحكم بالمتفجرات وبرنامجها استعداء خمسة مليارات من البشر (دار الحرب)، والعودة بالمجتمعات الإسلامية ألف سنة إلى الوراء.. إن معالم الصراع باتت واضحة، كذلك معالم الطريق الجديد لخوضها وربما كسبها من قبل المجتمع الدولي والأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة. ولكن ثمة عقدتين لا بد من حلهما، كي تتسهل الأمور وتتضح المعالم والعناوين، ونعني: الصراع العربي-الإسرائيلي، وتحديد إيران للدور الذي تريد أن تلعبه في المنطقة. إن إغفال الرئيس أوباما ذكر الشرق الأوسط، في خطابه أمام الكونغرس، أثار أكثر من سؤال. لاسيما في الوقت الذي بات العالم بأسره مدركا أن أحد أهم مفاتيح الأبواب بين الولاياتالمتحدة والرأي العام العربي والإسلامي هي قضية فلسطين أو بالأحرى وقف استسلام الولاياتالمتحدة لإسرائيل. وأما دور إيران وطموحاتها السياسية والنووية فإنه عامل مضاف إلى العوامل والأسباب الأخرى للحرب على الإرهاب. لاسيما أن حركات «المقاومة» التي تدعهما إيران في المنطقة تعتبر في نظر الولاياتالمتحدة تنظيمات إرهابية. عام 2010 سيكون عام الانسحاب الأميركي من العراق وتغيير مجرى المعركة الدائرة في أفغانستان واليمن والصومال. أما فيما يتعلق بقضية فلسطين والمشروع النووي الإيراني ، فلا يزال المشهد غامضا، وربما مرشحا لانفجارات ما. المصدر : الشرق الاوسط - الكاتب: باسم الجسر