بين مطرقة الانترنت والتلفزيونات الخاصة وسندان الضغوط السياسية الاقتصادية، تشهد الصحافة المستقلة في الجزائر التي نشأت قبل 25 عاما أزمة غير مسبوقة سبق أن قضت على عشرات الصحف وتهدد الكثير غيرها. انطلقت الصحافة المكتوبة الخاصة في الجزائر في مطلع التسعينات وهي وليدة "الربيع الديموقراطي" الجزائري الذي اعقب أحداث تشرين الاول/اكتوبر 1988 التي انهت حوالى ربع قرن من حكم الحزب الواحد واحتكار وسائل الاعلام الرسمية. في تلك الفترة أسست عشرات الصحف، حقق بعضها مبيعات واسعة وما زال يصدر، على غرار صحيفتي الشروق والخبر الناطقتين بالعربية والوطن و"ليبيرتي" و"لو سوار دالجيري" الناطقة بالفرنسية. لكن منذ 2014 غابت 26 صحيفة يومية و34 اسبوعية على ما اعلن وزير الاتصال جمال كعوان مطلع تشرين الاول/اكتوبر، آخرها صحيفة "لا تريبون" الفرنكوفونية المتواضعة المبيع التي اغلقت في اب/اغسطس لخلافات بين المساهمين ووسط مشاكل مالية. اما حوالى 140 يومية واسبوعية ما زالت تصدر في الجزائر، فشهدت مبيعاتها انهيارا في السنوات الأخيرة. وافادت دراسة للأستاذ في جامعة الجزائر رضوان بوجمعة عن تدهور مجمل مبيعات الصحف الوطنية بنسبة 40 الى 60% منذ 2012. هبطت مبيعات يومية الخبر من 1,2 مليون نسخة في 2000 وإلى 465 الفا في 2012 و200 الف في 2017 بحسب احد مدرائها السابقين علي جري. ولم تعد الوطن تطبع اكثر من 90 الف نسخة حاليا مقابل اكثر من 160 الفا في 2012 بحسب مديرها عمر بلهوشات. لكن في 2010 افادت دراسة اجراها معهد "ايمار" في ذاك العام ان 60,5% من الجزائريين فوق 15 عاما يقرأون الصحف اليومية. لكن بوجمعة لفت إلى ان هذه الدراسة "جرت قبل اعتماد شبكات المحمول من الجيل الثالث والرابع" في 2014 ثم 2016، حين سجل مبيعات الهواتف الذكية والاجهزة اللوحية "ارتفاعا هائلا" فيما "هبط عدد قراء الصحافة المكتوبة". واوضح الاستاذ الجامعي لوكالة فرانس برس ان "المجانية الكاملة" على الانترنت سرعت انتقال الكثير من القراء الى الشبكة لمتابعة الأخبار، وسط عجز الصحف عن التأقلم. كذلك عانت الصحافة الورقية مؤخرا من تكاثر قنوات التلفزيون الخاصة ولا سيما الاخبارية المتواصلة منذ 2012 التي سيطرت على سوق الاعلانات بكسر الاسعار. ووعدت الحكومة بتخصيص اموال صندوق مساعدة بقيمة حوالى 6 ملايين يورو في 2018 لوسائل الاعلام التي تواجه "صعوبات مالية"، بعدما كانت مجمدة منذ العام 2000 بسبب خلاف بين الناشرين والصحافيين. لكن الكثير من الجهات الفاعلة في قطاع الصحافة الورقية الخاصة والمدافعين عن حقوق الصحافة يتهمون السلطات اياها بالضغط اقتصاديا على صحف من خلال الاعلانات المؤسساتية التي تسيطر بحسب وزارة الاتصال على 20% من سوق الاعلانات. في الجزائر تبدو الدولة التي لطالما كانت اشتراكية حاضرة كليا في المجال الاقتصادي وهي الم علن الأول في البلاد من خلال اداراتها ومؤسساتها. لكن إدارة اعلاناتها خاضعة قانونا لاحتكار "الوكالة الوطنية للنشر والاشهار"، وهي اداة سياسية توزع إعلاناتها على وسائل الاعلام التي تعتبر مراعية للسلطة و"تعاقب" الأصوات المخالفة بحسب منتقديها. وأكدت أكثر من صحيفة التعرض لعقاب مماثل، وتلقت حزام دعم الأغلبية الكبرى من الصحافة الخاصة التي دعت الى انهاء احتكار "الوكالة الوطنية للنشر والاشهار" للاعلانات الرسمية. من جهته افاد بلهوشات ان صحيفة الوطن التي علقت مرارا في التسعينات "محرومة من الاعلانات الحكومية منذ 1993″، وكذلك من جزء كبير من الاعلانات الخاصة منذ معارضتها في 2014 لولاية رابعة لبوتفليقة، مشيرا الى انه اضطر مذاك الى زيادة سعر البيع بنسبة 50%. واضاف بلهوشات لوكالة فرانس برس "بعد رئاسية 2014 انخفضت عائدات الاعلانات الخاصة لدى الصحيفة بنسبة 60%"، والسبب في رأيه يعود الى "ضغوط" مارستها السلطات على كبار المعلنين فيها وهي مجموعات تعتمد في عملها غالبا على علاقات جيدة مع السلطة. وكالات