تكشف معطيات سوق الاشهار بالمغرب عن اختلالات كبيرة تؤشر عنها المعطيات الرقمية التي استقتها التجديد من مصادرها المختلفة والتي من بينها رصد حركة الإشهارات الموجهة للصحف خلال أسبوع. وتثير مجمل الملاحظات سؤالا مهما هو: لماذا تغيب العلاقة بين توزيع الصحف وتوجيه الإشهار؟.. ولماذ نفتقد إلى إطار قانوني يتيح التدبير الشفاف لهذا المجال في إطار يكفل للقطاع الخاص حقوقه دون أن تتأثر التعددية السياسية في المجتمع أو يهدر حق هذا الأخير للوصول إلى الخبر؟ ولا تفسر المنافسة وحدها حجم الاختلالات التي يعرفها توزيع الإشهارات على الصحافة المكتوبة. وهو ما تؤكده المعطيات الرقمية لسنتي 2007 و 2008 التي اعتمدها تجمع المعلنين المغاربة. وقراءة في تلك المعطيات تكشف أن 9 صحف ومجلات، من أصل ,115 تستحوذ على أزيد من نصف مجموع واردات الاشهارات خلال السنتين. كما تكشف أن الصحف والمجلات الناطقة بالفرنسية تستحوذ على ثلاثة أرباع عائدات الإشهار خلال تلك الفترة. ويمكن تمييز عدة آليات رسم خريطة توزيع الإشهارات على الصحافة المكتوبة في توجيه إشهارات المؤسسات الرسمية حيث المفروض أن توزع بالعدل على جميع الصحف الوطنية ما دامت المؤسسات التي تصدر عنها رسمية وتمولها بأموال عمومية يؤديها المواطنون. وهناك القواعد الغامضة في توجيه إشهارات الخواص المقربين من دوائر النفوذ السياسي والاقتصادي، كما كشفت عدة وقائع توجيه إشهارات الخواص تحت طائلة الخضوع للجزاءات الضريبية أو الحرمان من الصفقات العمومية وغير ذلك . إن مثل هذه الآليات التي تم الكشف عنها في مناسبات مختلفة تجعل الاعتبارات السياسية هي الأكثر تحكما في وضع حدود خريطة توزيع الاشهارات على الصحافة المكتوبة. التجديد قاربت موضوع أموال الاشهارات مساهمة في تسليط الضوء على الحاجة إلى إصلاح عميق لهذه العلاقة. حجم سوق الإشهار يبلغ حجم الأموال المتداولة في سوق الإشهار نحو 5,4 مليار درهم، طبقا لدراسة أنجزها تجمع المعلنين المغاربة. لكن توزيع هذه الأموال بين الفاعلين في هذه السوق تطبعه اختلالات كبيرة على مستويين: الأول بين الصحافة المكتوبة من جهة والإذاعة والتلفزيون من جهة ثانية. والثاني بين الصحافة المكتوبة بالعربية وتلك التي تصدر بالفرنسية. بالنسبة للمستوى الأول، تحتكر القنوات التلفزية والإذاعات نحو 2 مليار و960 مليون درهم، تستحوذ القنوات التلفزية على 2 مليار و177 مليون درهم، تستفيد القناة الثانية لوحدها من مليار و545 مليون درهم، تليها القناة الأولى ب 581 مليون درهم. أما الإذاعات فهي تستفيد من 783 مليون درهم، يأتي في مقدمتها أطلانتيك رادو بأزيد من 48 مليون درهم، يليه كاب راديو بأزيد من 28 مليون درهم. ويبقى للصحافة المكتوبة بكل عناوينها، سواء كانت صحف يومية أو أسبوعية أو شهرية، بما في ذلك المجلات، نحو 987 مليون درهم. تكشف الوثيقة ذاتها أن صحيفة المساء تحصل على أزيد من 65 مليون درهم، ثم الصباح بأزيد من 42 مليون درهم، والنهار المغربية بأزيد من 8 ملايين درهم، واستفادتالأحداث المغربية تحصل على أزيد من 17 مليون درهم. وحصلت أوجوردوي دي ماروك على أزيد من 34 مليون درهم، كما استفادت شلانج إيبدو من 25 مليون درهم. وأسبوعية الأيام بأزيد من 5 ملايين درهم، وتأتي التجديد في الأخير ب77 ألف درهم. أما المستوى الثاني، فإن الصحافة المكتوبة التي تصدر باللغة الفرنسية تستأثر بأغلبية الأموال التي توجه إلى الصحافة المكتوبة ككل، إذ أن 13 يومية وأسبوعية حصلت على 503 مليون درهم، بنسبة وصلت إلى 51 في المائة. وتتربع يومية إيكونوميست على قائمة المستفيدين بأزيد من 125 مليون درهم، تليها لوماتان بأزيد من 88 مليون درهم، كما أن تيل كيل استفادت بدورها من حصة فاقت 45 مليون درهم، وقاربت لافي إيكو من جهتها نفس الرقم بأزيد من 42 مليون درهم. بالمقابل، فإن أعلى رقم وصلته الصحافة المكتوبة باللغة العربية حصلت عليه المساء، تليها في الترتيب الصباح ثم الأحداث المغربية، كما سبقت الإشارة. المبيعات والإشهار ثمة من يرجع هذا التفاوت في حصص الإشهار التي تحصل عليها كل صحيفة إلى حجم المبيعات، والدفع بفرضية تؤكد أن حجم المبيعات يحدد حصة الإعلانات، غير أن الرجوع إلى التقرير الذي صدر عن هيئة التحقق من الانتشار (أو، جي، دي) في أبريل الماضي حول مبيعات الصحف لسنة ,2009 يكشف عن خلاف ذلك تماما. فالمساء مثلا التي تبيع نحو 100 ألف نسخة، حصلت على 65 مليون درهم، في حين نجد أن يومية إيكونوميست التي تبيع أقل من 20 ألف نسخة، حصلت على أزيد 125 مليون درهم. ويمكن الذهاب بعيدا في المقارنة، فالأحداث المغربية التي حصلت على 17 مليون درهم كإشهار، لا تبيع سوى 15 ألف نسخة يوميا. ومما يثير الانتباه أن صحيفتان تصدران باللغة الفرنسية هما لوماتان ولوبينيون، الأولى تبيع 23 ألف نسخة ولكنها حصلت على أزيد من 88 مليون درهم، في حين تبيع الثانية نحو 18 ألف نسخة لكنها استفادت من أقل من 4 ملايين درهم فقط كحصة إشهار. ويمكن التمثيل كذلك بلوسوار إيكو التي تبيع 4 آلاف نسخة، لكنها حصلت على نحو 22 مليون درهم كحصة إعلانات. بل إن جرائد و مجلات أسبوعية وشهرية تبيع أقل من 4 آلاف نسخة، لكنها حصلت على أزيد من مليون درهم كحصة إعلانات، مثل أسبوعية الوطن. أما يومية التجديد فلم تتجاوز مخصصات الإشهار 77 ألف درهم. هذا الاختلال بين المبيعات والإشهار يكشف أن فرضية المبيعات تحدد نسبة الإعلانات المستفاد منها غير صحيحة، مما يفرض البحث عن أسباب أخرى تفسر هذا الاختلال. ماذا وراء الإشهار؟ ما الذي يفسر إذن هذا الاختلال الفاضح في سوق الإعلانات بالمغرب؟، يذهب الدكتور محمد العلالي، أستاذ بالمعهد العالي للصحافة والاتصال، إلى أن سوق الإشهار تسيطر عليه نزعة الاحتكار منذ أزيد من 3 عقود، ويضيف في تصريح لالتجديد أن العلاقات بين المعلنين ووسائل الإعلام غير واضحة، مما يؤدي إلى اهتزازات تعاني منها بعض المؤسسات الصحفية المتضررة وتضطر إلى الشكوى من عدم التكافؤ القائم حتى الآن. وثمة قناعة مفادها أن الإشهار في المغرب يستخدم سلاحا سياسيا. يقول سعيد السلمي، في تصريح لالتجديد، إن هناك اعتقاد لدى البعض مفاده أن هناك لائحة سوداء من الصحف يتم معاقبتها بحرمانها من الإعلانات. هذا الرأي يطرح السؤال حول خلفيات هذا الموقف، ويمكن حصرها فيما يلي: أولا: من خلال الدراسة التي أعدتها مجموعة المعلنين المغاربة، والتي تكشف عن المستشهرين أيضا، يلاحظ أن هناك ميل في منح الإعلانات إلى وسائل الإعلام العمومية أولا، مثل القناة الثانية، ثم الصحف غير الحزبية، خاصة تلك التي تصدر بالفرنسية، بينما تقل إعلاناتها في الصحف التي تصنف في خانة المعارضة، أو تلك التي تصنف على أنها صحف حزبية عموما. ثانيا: مما يعزز هذا الطرح، حسب السلمي دائما، هو غياب الشفافية والوضوح في سوق الإشهار، وغياب قانون ينظم هذا القطاع، وبالتالي غياب المعايير التي على أساسها يتم منح الإعلانات للبعض وحرمان آخرين منها، وهو وضع تفضله بعض الجهات، لأنها تستخدمه ضد من تريد من المؤسسات الصحفية. ثالثا: يذهب سعيد السلمي إلى أن القطاع الخاص بدوره يمارس السياسة من خلال الإشهار، وهو أمر خطير على حد قوله، مؤكدا أن الإعلام مكسور الجناح من جميع النواحي بسبب سيف الإعلانات. ومما يؤكد الدور السلبي للقطاع الخاص، حسب السلمي، امتناعه عن تقديم قروض مثلا للمؤسسات الصحفية التي تراكمت عليها الديون، وتبحث عن حلّ، خاصة وأن قطاع الصحافة يشغل الآلاف من الناس. أما بالنسبة إلى الدكتور محمد العلالي فإن الإشهار بالنسبة للصحف يعد وسيلة مهمة وضرورية وحاضنة لتطور وسائل الإعلام، لذا يجب تنظيمه من خلال إخراج مدونة أخلاقيات للإشهار.