يعتقد الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو المنسق الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي أن "الجزائر لا تريد أن يكون المغرب قويا بصحرائه المسترجعة" في الوقت الذي تعمل فيه جاهدة كي يكون لها "موطئ قدم أو أكثر" على الساحل الأطلسي، تعمل جاهدة ولو على حساب حقوق المغرب التاريخية والجغرافية، يضيف بنعمر، "في خلق دويلة صحراوية تكون تحت نفوذها، وبالتالي تمكنها من تحقيق هدفها المنشود، هدف الوصول البري إلى المحيط الأطلسي عبر الصحراء الجنوبية." كما اعتبر أن استمرار الجزائر في غلق حدودها مع المغرب أنه يدخل كذلك في إطار سياسة إضعاف المغرب "والحيلولة دون تمتين الروابط التاريخية والثقافية بين الشعبين الجزائري والمغربي، الإضعاف سيجيء، حسب تصور الجزائر، عبر قطع تدفق السياح الجزائريين على المغرب وإضعاف الروابط بين الشعبين سينتج، حسب رأي الحكام الجزائريين، عن طريق استمرار إغلاق الحدود بين البلدين الشقيقين." يؤكد مضيفا. أما بخصوص حالة الانسداد التي يعيشها ملف المفاوضات غير المباشرة بين أطراف النزاع في الصحراء فإنه أرجعها إلى كون "منطلقات كل طرف تختلف عن منطلق الطرف الآخر"، قبل أن يوضح: "المنطلق المغربي يرتكز(...) إلى المنطلق الحقوقي المنصوص عليه في بعض المواثيق الدولية التي لها ارتباط بحقوق الإنسان، وهو مبدأ حق الشعوب في المحافظة واستكمال وحدتها الترابية. بينما جبهة "البوليساريو" في مطالبها وحواراتها، تنطلق من مبدأ "الحق في تقرير المصير" وتطبيق هذا المبدأ مقيد تطبيقه بنطاق تصفية الاستعمار، والمغرب لا يمكن اعتباره محتلا لصحرائه الجنوبية وإنما مسترجعا لها ومحررا لها من الاستعمار الإسباني في نطاق استكمال وحدته الترابية التي لن تكتمل إلا بتحريره لمدينتي سبتة ومليلية وسائر جزره التي لا زالت محتلة من طرف الاستعمار الإسباني." 1- هناك ما يشبه حالة انسداد بخصوص التقدم في مسلسل المفاوضات حول النزاع في الصحراء، ما تعليقكم على هذا الوضع؟ قبل الجواب عن هذا السؤال وغيره، يجب التذكير بأن وجهة نظر الحزب من مسألة الصحراء، وهي الوجهة النابعة، في نطاق التحالف مع حلفائه في تحالف اليسار الديمقراطي المشكل من الحزب الاشتراكي الموحد والمؤتمر الوطني الاتحادي بالإضافة إلى حزبنا، على كون الصحراء مغربية تاريخيا وجغرافيا وأنتروبولوجيا وثقافيا وبمقتضى قرارات دولية، فصلها الاستعمار عن الوطن الأم، ولم يفعل المغرب سوى على استرجاع أجزاء من ترابه الوطني التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار الإسباني، كما أن التغييرات التي طالت النظام العالمي في إطار العولمة التي لا تسمح إلا بتأهيل الكيانات الكبرى ولا مستقبل فيها للكيانات الصغيرة، وهذا كله يقتضي أن يتم الحل السياسي في إطار السيادة المغربية كمدخل لاستقرار المنطقة المغاربية وتحقيق الاندماج بين كياناتها، كجسر نحو تحقيق التنمية الشاملة والتجاوب مع تطلعات شعوبها للتقدم والازدهار وتوفير العيش الكريم. وتبعا للمعطيات المذكورة، فإن أي تفاوض حول إيجاد حل لمسألة الصحراء، سواء عن طريق التفاوض المباشر بين المعنيين، أو في إطار دولي، يجب أن يقوم على الأسس والمعطيات المشار إليها. وإذا كان مسلسل المفاوضات مع ما يسمى ب "جبهة البوليزاريو" لم تصل حتى الآن إلى حل مقبول بين الطرفين، فلأن منطلقات كل طرف تختلف عن منطلق الطرف الآخر. فالمنطلق المغربي يرتكز إلى ما سبق وأن أشرنا إليه، بالإضافة إلى المنطلق الحقوقي المنصوص عليه في بعض المواثيق الدولية التي لها ارتباط بحقوق الإنسان، وهو مبدأ حق الشعوب في المحافظة واستكمال وحدتها الترابية. بينما جبهة "البوليساريو" في مطالبها وحواراتها، تنطلق من مبدأ "الحق في تقرير المصير" وتطبيق هذا المبدأ مقيد تطبيقه بنطاق تصفية الاستعمار، والمغرب لا يمكن اعتباره محتلا لصحرائه الجنوبية وإنما مسترجعا لها ومحررا لها من الاستعمار الإسباني في نطاق استكمال وحدته الترابية التي لن تكتمل إلا بتحريره لمدينتي سبتة ومليلية وسائر جزره التي لا زالت محتلة من طرف الاستعمار الإسباني. وتبعا لما ذكر، فإن أي انفصال لجزء من أراضي المغرب أو الإقرار بانفصاله، لا يمكن أن يتقرر عن طريق اتفاقيات ثنائية أو أكثر، أو عن طريق استفتاء جزئي محلي يشار فيه السكان المحليون، وإنما على الشعب المغربي من طنجة إلى الكويرة. ونرى، نتيجة لما ذكر، بان الانسداد بخصوص التقدم في مسلسل المفاوضات حول النزاع في الصحراء، هو انسداد تتحمل المسؤولية فيه جبهة البوليساريو ومن يحركها ويدعمها ويوجهها وهي الجزائر، وهو انسداد تنعكس آثاره السلبية على الصحراويين المغاربة المحجوزين بالقوة في تندوف من طرف الجزائر، وليس على الشعب المغربي الموجود في صحرائه المحررة. 2- بالموازاة مع حالة الانسداد هاته، تأتي تهديدات بين الفينة والأخرى من طرف البوليساريو بالعودة إلى الحرب، ما هي القراءة التي تعطونها لردة الفعل هاته؟ هناك التهديدات التي لا ترمي سوى إلى التخويف والابتزاز والدعاية، ونوع آخر من قد يكون جديا ويتلوه التنفيذ، بغض النظر عما إذا كان هذا التنفيذ سيكون ناجحا أم فاشلا... والبوليساريو عودتنا مرارا وتكرارا وفي مناسبات عدة على التهديد بالعودة إلى العمل المسلح ضد المغرب بدون أن يلي تهديدها التنفيذ، الأمر الذي يعني أن تهديداتها لا تدخل سوى في إطار النوع الأول من التهديدات، وهو النوع الذي أشرنا إلى مراميه سابقا. ونرى أن تنفيذ التهديد من قبل البوليساريو يخضع لعدة اعتبارات منها ما هو سياسي، دولي وجهوي، ومنها ما هو اجتماعي مالي. فعلى المستوى السياسي، فإن التوجهات الدولية التي نرى معالمها من خلال قرارات وتوصيات مجلس الأمن والعديد من الدول، إنما الكبرى الأعضاء في هيأة الأممالمتحدة تدعو، بصفة عامة، إلى إيجاد حل سياسي متفاوض عليه ومقبول من قبل الطرفين، وبالتالي لا ترحب، بل تعارض العودة، بأي حال من الأحوال إلى العمل المسلح في المنطقة. أما جهويا، فإن دول المنطقة المجاورة مباشرة للصحراء المغربية، وهي الجزائر وموريتانيا، فإنها تعيش عدة أزمات سياسية لن تزيدها العودة إلى العمل المسلح إلا تعقيدا. ومن الناحية الاجتماعية، فإن نفس دول المنطقة المجاورة مباشرة للصحراء المغربية فإنها تعيش أزمات اجتماعية متنوعة لن تزيدها العودة إلى العمل المسلح إلا حدة من التأثير السلبي على استقرارها السياسي. ويبقى العنصر المهم في الاعتبارات، وهو الجانب المالي، فالحرب لا تحتاج إلى البشر المدرب عسكريا فقط، وإنما بالإضافة إلى ذلك، إلى المال العريض الذي لا ينضب، والبوليساريو لم تكن في يوم من الأيام متوفرة على التمويل الذاتي، ليس فقط لخوض الحرب، وإنما أيضا لتأمين حاجيات عيش لاجئيها بمنطقة تندوف ولصرف أجور ومرتبات موظفيها وعملائها، فكانت ولا تزال تعتمد في ذلك على مساعدات دولية لا تسمن ولا تغني من جوع، وإلى دعم بعض دول الجوار، وهي ليبيا والجزائر، وبعد أن توقفت ليبيا عن الدعم منذ زمن طويل. أصبح الدعم الأساسي في التسليح والتسلح مصدره الجزائر، والعودة إلى الحرب ينتج عنه الرفع أضعافا مضاعفة، من حجم الدعم، فهل الوضعية المالية الحالية للجزائر، بالرغم من مداخيل البترول المتراجعة، تسمح في حالة العودة إلى الحرب بالرفع من دعمها المالي للبوليساريو؟ ! لا نرى ذلك، لأنها وضعية متردية، ولأن العودة إلى الحرب قد تؤدي إلى حرب ضروس بين الجزائر والمغرب قد لا تبقي ولا تذر... 3- تتم التحاقات كبيرة، غير مسبوقة، من مخيمات تندوف نحو المغرب، ألا تعتقدون أن المغرب سيواجه الكثير من المتاعب جراء هاته الالتحاقات، أولا لعدم استعداده الكافي، وثانيا كونها التحاقات تتم بشكل غير عادي قد تهدف من ورائها البوليساريو والجزائر استهداف استقرار الوضع بالصحراء؟ مهما تكن خلفيات الالتحاقات من مخيمات تندوف نحو الصحراء المغربية، فلن تكون إلا التحاقات إيجابية مادامت هذه الالتحاقات تتم في نطاق منطقة يحكمها قانون مغربي وإدارة مغربية وقضاء مغربي ومواطنين ينتمون إلى منابع مختلفة من جهات المغرب. على أن المعطيات المذكورة غير كافية، بطبيعة الحال، لضمان أي استقرار سياسي واجتماعي في جهة الصحراء المغربية، كما أنها غير كافية لضمان نفس الاستقرار في أي جهة أخرى من جهات المغرب، إن الاستقرار، بما يرتبط به من تنمية وتقدم، لا يتحقق إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وبسيادة القانون وباستقلال القضاء استقلالا حقيقيا، وبنزاهته، وبصورة عامة بسيادة الشعب المغربي، من طنجة إلى الكويرة، على مصيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي... 4- كمسؤول حزبي، أليست لديكم مؤاخذات على أداء الدبلوماسية الرسمية المغربية بخصوص ملف الصحراء؟ إن حزبنا ليست له فقط على إدارة الدبلوماسية المغربية لملف الصحراء، بل على كيفية معالجة النظام السياسي المغربي لمسألة تحرير الصحراء المغربية، وهي المعالجة التي انطوت على العديد من الأخطاء القاتلة التي من بينها: تصفية جيش التحرير عقب الاستقلال بدل مده بالمساندة السياسية والمادية، هذا مع العلم أن هذا الجيش كان مصمما على تحرير الصحراء المغربية التي كانت محتلة من قبل الاستعمار الإسباني وقطع أشواطا كبيرة في هذا الخصوص. ولم يتوقف إلا بعد هزيمته أمام تحالف القوتين العسكريتين: فرنسا وإسبانيا، فيما سمي بمعركة أكيفون، في الوقت الذي وقف الحكم المغربي من التحالف المذكور موقف المتفرج إن لم نقل المتواطئ. عدم إشراك الشعب المغربي، عبر قواه الوطنية والتقدمية في تصفية الاستعمار الإسباني من الصحراء المغربية، وذلك في مختلف المحطات التي قطعتها هذه القضية، وسواء في ذلك على المستوى السياسي أو على المستوى العسكري، بحيث ظل النظام السياسي يتفرد وحده في التخطيط والتوجيه والبرمجة لحل المشاكل والإشكالات الناتجة عن استرجاع الصحراء، مستعينا في التشاور بالتقنوقراط، وفي التنفيذ بالاستخبارات وقوات الجيش والدرك... وإذا استثنينا المسير الخضراء، التي كانت ظرفية وأملتها أسباب تدخل في إطار المناورات السياسية، فإن الحكم السياسي في المغرب لم يعمل، وبكيفية مستمرة، على تعبئة الجماهير الشعبية من أجل تحرير الصحراء، بل أكثر من ذلك، فإنه لم يعمل على احتواء واستقطاب حركة الشباب الصحراوي عند انطلاقها الأول في محاربة الاستعمار الإسباني، في الوقت الذي تلقت، في مراحلها الأولية كل الدعم السياسي والمادي والإعلامي والسلاح من النظام السياسي الليبي. يضاف إلى ذلك أنه عاصر خوض الجيش المغربي معارك الصحراء ضد البوليساريو ومن يدعمها ويساندها ويوجهها، عاصره حربا أخرى للحكم ضد الأحزاب والتنظيمات السياسية التقدمية اليسارية، فيما عرف بعهد الرصاص الذي من بين معالمه الاعتقالات والاختطافات والتعذيب والمحاكمات الجائرة.. وتزوير الاستفتاءات والانتخابات... المواقف المتذبذبة والمتناقضة في معالجة قضية الصحراء: فمنذ رفض لأي استفتاء إلى قبول الاستفتاء التأكيدي، إلى الحل التفاوضي على أساس الحكم الذاتي الموسع في نطاق السيادة الوطنية. 5- الجزائر ترفض إعادة فتح حدودها مع المغرب، تتسلح أكثر، والمفاوضات بخصوص ملف الصحراء في طريق مسدود، باستحضار كل هاته المعطيات، فيم تفكر الجزائر حقيقة؟ وما هي السيناريوهات المحتملة لمستقبل العلاقات المغربية الجزائرية؟ الجزائر لا تريد أن يكون المغرب قويا بصحرائه المسترجعة والتي ستزيد من طول ساحله المطل على المحيط الأطلسي بالإضافة إلى ساحله المطل على البحر الأبيض المتوسط، في الوقت الذي لا تتوفر فيه الجزائر إلا على ساحل واحد هو الساحل المتفتح على البحر الأبيض المتوسط. ومن أجل الوصول إلى المحيط الأطلسي، لكي يكون لها فيه موطئ قدم أو أكثر، تعمل جاهدة، على حساب حقوق المغرب التاريخية والجغرافية، في خلق دويلة صحراوية تكون تحت نفوذها، وبالتالي تمكنها من تحقيق هدفها المنشود، هدف الوصول البري إلى المحيط الأطلسي عبر الصحراء الجنوبية. أما استمرار الجزائر في غلق حدودها مع المغرب، فإنه يدخل في إطار سياسة إضعاف المغرب والحيلولة دون تمتين الروابط التاريخية والثقافية بين الشعبين الجزائري والمغربي، الإضعاف سيجيء، حسب تصور الجزائر، عبر قطع تدفق السياح الجزائريين على المغرب وإضعاف الروابط بين الشعبين سينتج، حسب رأي الحكام الجزائريين، عن طريق استمرار إغلاق الحدود بين البلدين الشقيقين. أما مستقبل العلاقات المغربية الجزائرية، فهو، قبل كل شيء وبعد كل شيء، بيد الشعبين الجزائري والمغربي عن طريق تحقيق الديمقراطية الحقيقية في كل من البلدين، الديمقراطية التي لن تفتح الحدود فقط، وإنما ستتجاوز ذلك بكثير لتفتح القلوب وكافة سبل التعاون بسائر المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تعاونا سيؤدي بكل تأكيد، إلى وحدة اندماجية في نفس المجالات... 6- ألا تعتقدون بأن هناك تقصيرا على المستوى الحزبي في البلدين بخصوص المساهمة في لعب أدوار في تجاوز الوضعية الحالية؟ نعم، هناك تقصير حزبي في كلا البلدين بخصوص لعب أدوار من أجل تجاوز الوضعية الحالية، والمسؤول عن هذه الوضعية هو النظام السياسي في كلا البلدين، وتتجلى هذه المسؤولية في حرمان الشعبين في كلا البلدين من الديمقراطية الحقيقية بما ينتج عن هذه الديمقراطية من نتائج إيجابية بما فيها حل جميع المشاكل العالقة بين البلدين عن طريق الحوار الديمقراطي البعيد عن الحسابات الضيقة. ................ مسار الأستاذ عبد الرحمن بن عمرو المنسق الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي محام بهيأة الرباط نقيب سابق لهيأة المحامين بالمغرب رئيس سابق لجمعيات المحامين بالمغرب أحد مؤسسي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ورئيس سابق لها رئيس سابق لمجلة "أقلام" الثقافية