يعتقد خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، أن الجزائر لم تستطع أن تقلع عن المنطق التقليدي للحدود، باعتبارها الدولة الوحيدة التي لم تنضج بنية الدولة الحيثة بها، و أرجع الأستاذ خالد الشيات، إغلاق الحدود إلى الربط السخيف للحدود بالسياسي. * الحدود إما أن تكون مجالا للتقارب والتعاون وإما أن تكون مجالا للاختلاف والتباعد، في سياق هذه الثنائية كيف تقرأ واقع العلاقات بين المغرب و الجزائر؟ ** لم يعد للحدود نفس المفهوم الذي أصبغ عليها مثلا في سنوات الحرب الباردة، أو مقارنة بما كان عليه الحال في فترات زمنية أخرى. ودون الانغماس في التفاصيل النظرية لهذا المفهوم يمكن القول أنه يخضع لتحولات عميقة، لذلك فدور الحدود في الحركية الجديدة للعلاقات الدولية يمتاز بمرونة كبيرة تتجاوز أحيانا المبدأ التقليدي لسيادة الدول. ويمكن القول إن هذا المنطق يفسر توجه الدول نحو التكامل والاندماج. في واقع العلاقات المغربية الجزائرية لم يتجاوز مفهوم الحدود المنطق التقليدي للحدود؛ أي مجال الدولة الذي يحدد سيادتها وفضاء لممارسة السلطة السياسية، ولاشك أن درجات الشرعية التي تكتسبها السلطة داخليا يؤثر على ثقتها في جعل الحدود فضاء للتواصل مع الجيران؛ وبهذا المنطق يمكن أن نفسر التوتر الذي يطبع تعامل الجزائر مع جيرانها وخاصة المغرب باعتبار أنها الدولة الوحيدة تقريبا التي لم تنضج بنية الدولة الحديثة بها مع شساعة المساحة الموروثة عن حقبة الاستعمار الفرنسي. إذن المشكل ليس في الحدود ولكن في مقاربة الدولة لدور الحدود مع تحول هذا الدور في العلاقات الدولية الراهنة، هذا إضافة أن التوظيف السياسي للحدود بين البلدين في فترة ما بعد الاستعمار، ومع تشرذم الدولتين إيديولوجيا أي نهج سياسة التقارب مع معسكرين متنافرين، قد ولت ولم تعبر عنها سوى حرب واحدة حدودية هي حرب الرمال في 1963. لا شك أن الذي يجعل الحدود البرية مغلقة هو وجود متغيرات جديدة في العلاقات بين الدولتين، وأعتقد أن أول عنصر في هذا الإطار هو الربط السخيف للحدود بالسياسي وليس بالاقتصادي كما هو الحال عليه في كل أصقاع العالم، فنحن نسمع بين الحين والآخر من الساسة الجزائريين أن فتح الحدود مرتهن بحل كافة القضايا السياسية بما فيها حل «مشكلة الصحراء الغربية»، وهو ربط أقل ما يقال عنه أنه غريب وهي إشارة إلى كونه يدخل في باب المنح التي يمكن أن تعطيها الجزائر للمغرب في حين أنه، إضافة إلى كونه الوضع الطبيعي، من المفترض أن يعطي مزايا متبادلة. العنصر الثاني الذي يجب الانتباه إليه هو أن الحدود البرية وحدها «مغلقة»، أي أن مسارات انتقال المنافع بين الدولتين يتم في مستويات أخرى، وهنا يمكن أن نقول إن المنتفعين من وضع إغلاق الحدود البرية يوجدون في الضفتين معا، وهو أمر يفسر مدى المقاومة التي يواجهها فتح الحدود البرية باعتبار أن الانفتاح والتجارة الحرة والقانونية لا تخدم النخبة الحاكمة في الجزائر على الأقل. * إذا كانت القاعدة هي الحدود المغلقة، فلماذا يصر المغرب على رفع أكثر من مطلب رسمي إلى الجزائر من أجل فتح الحدود؟ ** طبيعي أن يقول المغرب «اللهم إن هذا منكر»، لأنه منكر في حق كل المغاربة والجزائريين على الأقل من وجهة نظر إنسانية، هناك عائلات مشتتة وهناك مشقة كبيرة في التواصل بين منطقتين مترابطتين تاريخيا. نعم ستكون هناك حركية طبيعية للتجارة بدل تجارة التهريب التي تستفيد منها نخب وعائلات قليلة في الضفتين، وسيكون هناك تطبيع للعلاقات السياسية بصفة عامة بين البلدين، وهذا ما يفسر كما قلت ذلك المطلب «الغريب» لبعض الساسة الجزائريين بضرورة حل المشاكل السياسة لفتح الحدود البرية بين البلدين؛ أي أنهم يتخندقون بشكل جلي مع لوبي مناهض للتطبيع العادي للعلاقات السياسية بين البلدين. طبعا نداءات جلالة الملك للجارة الجزائر بفتح الحدود وبناء الفضاء المغاربي يأتي في إطار الأمانة التاريخية التي يتحملها قادة هذه الدول، وفي إطار المشاعر الصادقة للمغاربة كافة اتجاه أشقائهم الجزائريين، لكني أعتقد أن تغييرا في طريقة تعامل المغرب مع جارته الشرقية في اتجاه يدعم القوى الحية الجزائرية ويشدد الخناق على النخب المرتهنة بأجندة خارجية قد تكون له نتيجة أفضل. m لنفترض جدلا أن واقع الحدود المغلقة بين المغرب والجزائر سيستمر إلى أجل غير مسمى، فهل يعني ذلك بالنسبة للمغرب نهاية العالم. بمعنى هل سيؤثر ذلك على مستقبل المغرب والجهة الشرقية التي تعرف حاليا حراكا مفروضا؟ l لن يستمر إلى أجل غير مسمى، لأنه وضع شاذ ومتناقض مع طبيعة تطور العلاقات الدولية الراهنة ومع عقيدتها المتجددة المرتبة بفكرة التجارة الحرة وتجاوز الطابع الجامد للحدود، للأسف على الجزائر أن تنتظر العاصفة من قوى خارجية ستحدد طبيعة دور الدولة داخليا وخارجيا بدل السعي لبناء فضاء مندمج بشروطها وتصوراتها الذاتية في إطار الوحدة المغاربية. أما بخصوص طبيعة تأثير ذلك على مستقبل التنمية وطنيا ومحليا على مستوى الجهة الشرقية، فهو أمر لا شك صحيح، لكن المغرب يريد فقط أن تكون طبيعة الامتيازات المترتبة من الترابط الحدودي قانونية وعادلة، أي بدل أن يستفيد منها نخب تجد في الوضع الحالي مصالحها الذاتية يجب أن تعمم المزايا على الدولة من خلال نشاط اقتصادي حدودي يسمح بالتنمية محليا ووطنيا في الضفتين معا. المغرب وضع برنامجا للتنمية الاقتصادية على المستوى المحلي للمنطقة الشرقية، أكيد اعترضته بعض الإكراهات في التنزيل لكنه في حال تحقيقه سيغطي نسبا مهمة من العجز الاجتماعي والاقتصادي بالمنطقة، ولم لا يلغي الارتهان الاقتصادي بالحدود مع الجزائر، لكن ذلك لا يمكن أن ينفي عن المنطقة صبغة الحدودية لذلك وجب التفكير في مشاريع اقتصادية أو تجارية قانونية تراعي هذا الطابع، لم لا منطقة تجارية حرة بمواصفات اقتصادية خاصة. * فتح الحدود البرية من الجانب الجزائري يتم ربطه بملف الصحراء الذي تضغط به على المغرب، فلماذا لا يستعمل المغرب ورقة الطوارق و القبائل مثلا للضغط على الجزائر؟ ** لا، لا يمكن أن يلعب المغرب هذا الدور على الأقل لاعتبارات تاريخية، المغرب دولة لها ذاكرة وليس نكرة نبتت مع مقررات القانون الدولي الحديث ويعلم أن خلق مشكل لدولة أخرى جارة سيعود عليه بتبعات سياسية على اعتبار أنه يمتلك نفس المكونات الاجتماعية، نعم عليه أن يدعم التنوع الاجتماعي والعرقي وأن يحث الدول على خلق متنفس ديمقراطي للتعبير عن هذا التنوع ولو باحتضانها في بلده لكن ليس كعناصر انفصالية. أعتقد أن المغرب يخطو بشكل صحيح بتنزيل مشروع للجهوية داخليا والحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، وهي على كل حال، كما يقول بعض المنظرين، عملية معدية لا بد أن تصيب باقي الدول الأخرى علها تدخل في منطق التنمية المشتركة في إطار مغرب عربي مندمج ومتكامل. حاوره: عبد المجيد بن الطاهر الوطن الآن