مغاربة وجزائريون، عددهم يقدر بالآلاف إن لم نقل الملايين، تربط بينهم أواصر القرابة والمصاهرة، ولا تفرق بين اللهجة أثناء الحديث إليهم، حيث توحدهم اللغة، والدين، والثقافة، والعادات، والتقاليد، لا يلقون للسياسة بالا، بل يلعنون القرارات الرسمية التي جعلتهم يعيشون في معاناة متواصلة مع استمرار إغلاق الحدود البرية ما بين المغرب والجزائر. كسروا كل الحدود واخترقوها من أجل عيادة مريض، أوحضور حفل زفاف، أوتقديم عزاء، أو صلة رحم خلال الأعياد والمناسبات، وسيلتهم في ذلك اللجوء إلى الخطافة، وهم أشخاص متخصصون في تهريب البشر، لكن بالرغم من توفر وسيلة اللقاء فيما بينهم، يئسوا من مغامراتهم تلك، وما زالوا يعيشون على أمل أن تبادر الحكومة الجزائرية بفتح هذه الحدود التي ستحد حتما من مأساة اتفق بعض من لاقتهم التجديد على أن الرئيس الجزائري يعرفها جيدا. مغامرة من أجل ابني جلست فاطمة (45 سنة) بالقرب من الحدود المغربية، والجزائرية، تنتظر أحد المهربين الذي سينقلها إلى مدينة مغنية، ورغم نظراتها الحزينة إلا أنها تحمل في قلبها الأمل والتفاؤل في أن يأتي يوم يتم الإعلان فيه عن فتح الحدود بين المغرب والجزائر رسميا، إعلان لا شك أنه سيدخل الفرحة على قلوب الملايين من الجزائريين والمغاربة على حد سواء، وعبره ستذلل أمامها كل الصعاب، وستعبر بكل حرية إلى الوجهة الأخرى من أجل عيادة ابنها المريض، الذي تكابد ألم فراقه بعد طلاقها من أحد المسؤولين المحليين الجزائريين بمدينة مغنية، تسعى لزيارة وحيدها دوما ولو مرة خلال ثلاثة أشهر، ومثل العديد من المغاربة والجزائريين، تجتاز الحدود بصعوبة بالغة متحدية كل العوائق التي تقف أمامها. تنفجر فاطمة باكية بعدما توجهنا إليها بسؤال عن أثر إغلاق الحدود عليها، بحكم أن ابنها يتابع دراسته هناك ويعاني من مرض خبيث، قائلة أمضيت جل حياتي بالجزائر بعد زواجي في سن الثامنة عشرة لكن بعد طلاقي عدت إلى مدينة وجدة لأسهر على رعاية أمي التي تعيش لوحدها، وتركت ابني رفقة والده كي يكمل تعليمه، وهو يشتغل الآن موظفا بإحدى المصالح بالجزائر، وأضطر إلى المغامرة بحياتي لأزوره الآن بعد أن أصابه المرض . وتستمر فاطمة في حكي تفاصيل رحلتها المتعبة من مدينة وجدة إلى الجهة الأخرى قائلة: لست إلا واحدة من بين الآلاف من الحالات التي تضطر إلى السفر من وجدة إلى الجزائر عبر الحدود الوهمية، عوض السفر بالطرق القانونية عبر المطار الذي سيكلف الكثير، إلى جانب الوقت الذي نستغرقه من أجل الذهاب إلى مطار الدارالبيضاء والذي يضاعف بكثير الوقت الذي نصل فيه إلى مدينة مغنية. حضور زفاف محمد، شاب جزائري، من أم مغربية، وصل من الجزائر، وهو منهك القوى، وعلامات التعب بادية على محياه، بدأ يحكي لخالته عن تفاصيل رحلته الشاقة عبر الحدود، والتي عانى فيها كثيرا بسبب تشديد المراقبة. كان قدوم محمد (الذي يتابع دراسته بالطب) لوجدة من أجل عيادة جده لأمه الذي كان مريضا، ولم يتمكن من زيارته منذ سنتين بسبب عراقيل الحدود، تساءل بلكنة جزائرية أقرب إلى اللهجة المغربية لـالتجديد، نحن نعرض أنفسنا للخطر من أجل عبور الحدود، ما ذنبنا نحن في المشاكل السياسية بين المغرب والجزائر؟، فعلى بوتفليقة أن ينصت إلى نبض شعبه، ويخفف من موقفه المتشدد، ويفتح الحدود استجابة لمطلب شعبه الذي يعاني يوميا من هذا الإغلاق. وأضاف وهو شارد الذهن، لقد صرح بوتفليقة يوما لإحدى وسائل الإعلام، أن الحدود ليست مغلقة، والدليل أن أخته في وجدة تمر عبرها، لكن ما نستغرب له أن رئيسنا هو أعلم من غيره بطبيعة العلاقة التي تجمع بين الشعبين المغربي والجزائري، ومع ذلك لم يضع حلا لذلك. كان لسلوى نفس حظ محمد في التعب والمغامرة، فهي طالبة مغربية من أم جزائرية، تتحدى هذه الفتاة الحدود من أجل زيارة والدتها بمدينة سيدي بلعباس، حيث تتابع دراستها بمدينة وجدة، بينما والدتها عادت إلى الجزائر بعد وفاة زوجها. لا تكف هذه الشابة عن الدعاء من أجل أن تفتح الحدود، وتنظم عملية العبور حتى تعبر بأمان وسلام، تقول بحسرة بالغة معاناتنا مع هذه الحدود اللعينة، لا يمكن تصويرها وينبغي أن تجربيها، حين تنتابني الرغبة لرؤية والدتي لا أبالي بما سيعترضني من مخاطر من أجل السفر إليها، سيما إذا كانت مريضة، ونفس الشيء يتكرر لحضور حفل زفاف إحدى قريباتي، لكن هذا الواقع أصبح لا يطاق، ونناشد دوما المسؤولين أن يصلوا إلى حل عاجل في الموضوع. تهديد بالرصاص منعني رجال الأمن الجزائريين من اجتياز الحدود مهددين بإطلاق الرصاص، أصبت حينها بغضب شديد وأغمي علي، ولم أجد من يهتم بي سوى بعض الجزائريين الذين كان لهم نفس هدفي وهو العبور، كان منبع غضبي عدم مراعاة ظروفي الإنسانية، فوالدتي توفيت بمدينة وجدة، ومن الضروري أن أصل بشكل سريع لأراها قبل دفنها، هكذا بدأت بشرى تسرد قصتها مع العبور عبر هذه الحدود، لأنها تعيش بمدينة تلمسان، ومتزوجة من جزائري. اعتادت بشرى أن تزور أسرتها بمدينة وجدة عبر الحدود التي تؤكد أن لا قيمة لها بين ساكنة المنطقة، التي لا تفرق بين جزائري ومغربي، فهؤلاء تجمعهم أواصر قوية ومتينة، غير أن يوم وفاة والدتها صادف تشديد المراقبة، مما جعلها تلجأ إلى لعبة القط والفأر مع الجنود الجزائريين، فنجحت في العبور رفقة الكثيرين الذين كان لديهم نفس الهدف.مازال الحزن يخيم على منزل أسرة بشرى بعد فقدان والدتها، وحزنها على والدتها لم ينسها أطفالها الصغار الذين تركتهم بالجزائر، ولم تستطع استقدامهم معها، تقول بحزن عميق لو كانت الحدود مفتوحة لرافقني زوجي وأبنائي في سيارتنا الخاصة، ولما عانيت كامرأة في المجيء إلى هنا. هذه بعض من النماذج الكثيرة لمغاربة وجزائريين تضطرهم أواصر القرابة للسفر بشكل مستمر عبر الحدود بطريقة سرية، لا يكترثون للسياسة، ولا للمشاكل المستمرة بين المغرب والجزائر، فهمهم الوحيد هو صلة الرحم التي أوصى بها الدين الذي يجمعهم والاطمئنان على أحوال بعضهم البعض. روابط تاريخية يرى الأستاذ الهاشمي بنطاهر، رئيس جمعية التضامن والتنمية المغرب بوجدة، أن الحدود الجزائرية المغربية مصطنعة فالتاريخ يثبت أن مدينة تلمسان التي تبعد بحوالي 80 كيلموترا عن وجدة، وقبائل القنادسة كلها مناطق مغربية لكن مع مجيء الاستعمار وقع ما وقع، غير أن الارتباطات الأسرية بقيت لا تخضع للقوانين ولا للحواجز. وأشار بنطاهر أن المغرب العربي له أسس اجتماعية وتاريخية سواء في البعد التاريخي واللغوي والاجتماعي والديني، فالعائلات الموجودة على طول الشريط الحدودي بين المغرب والجزائر لها اتصالات بشكل مستمر، رغم الحواجز المفتعلة. ورغم أن الخطر يحدق بالعائلات التي تعبر عبر الحدود البرية، فهي لا تبالي بذلك، لأن العلاقات الاجتماعية أقوى بكثير من الحواجز القانونية والعسكرية، وهي أقوى من المخاطر، يقول الدكتور بنطاهر.وسيلة العبور في رأي المتحدث نفسه جاري به العمل منذ سنوات بالمغرب، وفي كل دول العالم التي لها نفس المعاناة. اللجوء إلى سويسرا الشعب لا دخل له في السياسة، ومطلبه الوحيد هو فتح الحدود بين شعبين تجمع بينهما قرابة دموية، فمن ليس له أب أو أم في الجهة الأخرى، له أخوات، وإخوان، وأقارب كثر، بهذه الكلمات افتتحت فتيحة الداودي حديثها لـالتجديد . جمعيتها التي تحمل اسم رياج كوم، وتتخذ لها رمزا يدل على القرابة والتلاحم، قامت بالعديد من المبادرات كان آخرها توجيه رسالة إلى وزير الداخلية المغربي من أجل إيجاد حل للموضوع، بعد عرائض كثيرة وجهتها إلى العديد من المنظمات. وتؤكد الداودي أنه لا يعقل أن تضطر العائلات من البلدين التي تفصل بين سكناهم بضع أمتار او كيلومترات إلى السفر دائما، انطلاقًا من الدارالبيضاء البعيدة عن مدينة وجدة بأكثر من 500 كيلو متر، للوصول إلى العاصمة الجزائر، التي تبعد بالمسافة نفسها عن الحدود المغربية الجزائرية، بالإضافة إلى تكاليف السفر الباهظة. وفي غياب هذه الوسيلة، تضيف المتحدثة نفسها، تلجأ بعض العائلات المغربية والجزائرية إلى المنفذ الوحيد الذي هو السفر عن طريق الوحدة غير أنهم بهذه الطريقة يعرضون أنفسهم للخطر. وتختم رئيسة جمعية رياج كوم بالقول: نحن نطالب بحل إنساني عاجل لملايين من الأفراد وإلا سنضطر كحقوقيين أن نرفع هذه المأساة إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان بسويسرا لأن الوضع هو حالةً صارخةً من حالات انتهاك حقوق الإنسان. الحل الأمثل اقترحت فتيحة الداودي الحل المطبق بين المغرب وسبتة وامليلية المحتلتين، والذي يتمثل في حق تنقل القاطنين بالمناطق الحدودية إلى البلدين بكل حرية، أواعتماد الإذن بالمرور ليسي باسي عبر الحدود البرية حتى يوضع حد لهذه المعاناة. وفي انتظار ذلك يرى الأستاذ الهاشمي بنطاهر أن كل هيئات المجتمع المدني من البلدين مطالبة بتوحيد جهودها من أجل التواصل فيما بينها، من أجل تشكيل قوة ضاغطة على الحكومات، والقيام بلقاءات مع الحكومات، وحثها على الانتباه إلى العديد من التدخلات الخارجية التي تريد أن يبقى الوضع كما هو عليه. وقال بنطاهر في نهاية كلامه، إن الحكومة الجزائرية ينبغي أن تمد يدها إلى المغرب من أجل إيجاد حل للموضوع، وإنهاء مشاكل تجاوزها الزمن.