عادت العلاقات المغربية الإسبانية مجددا الى التوتر، بيد أن الأزمة الحالية في العلاقات بين البلدين، كما يقول المحلل السياسي المغربي علي أنوزلا في التعليق التالي: ليست سوى جزء ظاهر من جبل ثلج لا يجب أن نرتاب دائما من مخاضه كانت شرارة الأزمة تعرض شبان مغاربة إلى أعمال عنف على يد قوات الحرس المدني الإسباني في مدينة مليلية، ورغم أن مثل هذه الحوادث تتكرر بإستمرار في نقط العبور بين المغرب ومدينتي مليلة وسبتة، اللتين تقعان تحت السيطرة الإسبانية في أقصى شمال المغرب، حيث تشهد يوميا عبور نحو ثلاثين ألف مغربي يدخلون إلى الثغرين الإسبانيين بغرض العمل والتجارة. الا أن رد فعل السلطات المغربية كان مختلفا هذه المرة، فقد أصدرت الرباط بيانا شديد اللهجة يتهم شرطة المعابر الإسبانية ب"العنصرية وبعدم احترام حقوق الإنسان". وتوالت الأحداث ومعها تصاعدت لهجة البيانات المغربية الرسمية. فبعد نحو أسبوع على الحادث الأول، عادت الرباط إلى اتهام شرطة المعابر الإسبانية باستخدام العنف ضد طالب مغربى فى نقطة تفتيش، واحتجت بشدة على اعتراض الشرطة الإسبانية لقارب كان يقل مهاجرين أفارقة وألقت بهم في مياه البحر قبالة السواحل المغربية، غير أن مدريد نفت وقوع أى مخالفات من هذا القبيل من قبل الشرطة الإسبانية. وفي ظرف أقل من شهر صدرت عن وزارة الخارجية المغربية خمس بيانات تحتج على معاملات شرطة المعابر الإسبانية للمواطنين المغاربة.وصاحب تلك البيانات الرسمية حملة إعلامية في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي المغربي رفعت من وتيرة التصعيد الذي بلغ إلى حد سماح السلطات في الرباط لمواطنين للتظاهر أمام السفارة الإسبانية بالرباط وأمام القلنصلية الإسبانية بالشمال المغربي.وآخر تصعيد كان إعلان نشطاء مغاربة فرض حصار على مرور السلع إلى مدينة مليلية الخاضعة للسيطرة الإسبانية احتجاجا على ما وصفوه بوحشية الشرطة الإسبانية ضد المغاربة الذين يحاولون دخول المدينة. الشجرة التي تخفي الغابة لكن أحداث المعابر هذه ليست سوى الجزء الظاهر من جبل الثلج من هذه الأزمة، فالعلاقات بين الرباطومدريد ظلت تمر بأزمة صامتة منذ سنتين على إثر زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس للثغرين اللذين تعتبرهما الرباط محتلين وتقول مدريد إنهما جزء من الإمتداد الجغرافي لأراضيها فوق القارة السمراء.وقد أدت تلك الزيارة التي اعتبرها المغرب "استفزازية"الى سحب الرباط لسفيرها من مدريد لعدة شهور انقطعت فيها الإتصالات الرسمية بين الدولتين الجارتين. وقبل سنة أدى اعتصام ناشطة صحراوية بجزر الكناري الإسبانية في عرض المحيط الأطلسي قبالة السواحل المغربية،احتجاجا على منعها من العودة إلى المناطق الصحراوية إلى تأزيم العلاقات بين الرباطومدريد.فلم تستسغ الرباط أن تحظى قضية تلك الناشطة بمساندة الإعلام وجزء كبير من المجتمع الأهلي الإسباني. وعندما أرادت الرباط أن ترد الصاع إلى الإسبان اختارت منشقا عن جبهة البوليساريو التي تطالب بإستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، ليمثل مصالحها في مدريد كسفير مغربي معتمد لدى الحكومة الإسبانية.وهو ما أدى إلى تأخر الرد الإسباني على قبول السفير الجديد، وعندما جاء الرد متأخرا، رأت الرباط أن أحسن رد على "المؤاخذات"الإسبانية على السفير المغربي الجديد بإسبانيا هو تأخير إرساله إلى مقر عمله، مما أدى إلى أن يظل منصب السفير المغربي بمدريد شاغرا منذ بداية العام الحالي وحتى اليوم. إن قضايا مثل الصحراء وسبتة ومليلية هي بمثابة جسم الفلين الذي يكون أول ما يطفو على السطح عندما تدخل العلاقات المغربية الإسبانية إلى منطقة التوتر، وانضافت إليها اليوم قضايا مثل الهجرة والتهريب والأمن...ومع توالي الأزمات في العلاقات بين المغرب واسبانيا باتت هذه القضايا مثل علامات الإنذار المبكر الذي يسبق هبوب العاصفة. سقف الأزمة بين مدريدوالرباط ومع التجربة اكتسبت كل من الرباطومدريد الخبرة في استعمال هذه القضايا في الضغط ولي الذراع والإستفزاز وتعبئة الرأي العام عندما توجد هذه العلاقات في عين العاصفة.وعندما تعود الأمور إلى حالها الطبيعي تتحول نفس القضايا إلى حوافز لحشد الهمم وتوجيه الدبلوماسية للبحث عن أرضية مشتركة للتفاهم والتعاون.وبحكم تجارب الأزمات السابقة فقد تعلمت مدريدوالرباط طرق وتوقيت وحدود إستغلال هذه القضايا حسب ظروف الأزمات التي تعبرها علاقاتهما. لذلك كان يكفي، عندما اشتدت الأزمة الأخيرة بين الرباطومدريد، أن يتصل العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس بنظيره المغربي الملك محمد السادس، لإزالة فتيل الأزمة، وترسل مدريد وزير داخليتها إلى الرباط للتباحث مع نظيره المغربي حول نفس القضايا التي تحولت إلى قضايا تفاهم مشترك بعدما كانت وراء سحابة الصيف التي عبرتها هذه العلاقات. ومع احتواء أسباب الأزمة الحالية ستعود علاقات البلدين الجارين إلى حالة الهدوء النسبي والكمون المؤقت، فهذه هي الحالة التي أصبحت تتخلل فترات الهدوء الفاصلة بين فترات التوتر والأزمات مهما طالت وتعقدت. وسيظل الأمر كما هو عليه لأن مصادر الخلاف المغربي الإسباني متعددة ومتداخلة، يتقاطع فيها ما هو تاريخي بما هو استراتيجي وتتعارض داخلها المصالح الإقتصادية في نفس الوقت الذي تلتقي عندها التحديات الأمنية.أي أن كل ما يمكن أن يشكل أسباب الأزمة اليوم يمكن أن يتحول غدا إلى سبيل للتعاون والتفاهم الذي يحتمه التاريخ المشترك ويفرضه القرب الجغرافي وتمليه المصالح المتداخلة. الكاتب:علي أنوزلا، مدير صحيفة "الجريدة الأولى"المغربية المستقلة - المتوقفة عن الصدور.