الجزء الأول- لا يخفي أنور مالك موقفه الرافض لوجود منظمة مسلحة على التراب الجزائري من قبيل البوليساريو التي يعتبرها من "صنع الجزائر"،وتصرف لقيادييها رواتبهم من أموال الشعب الجزائري.و يعتبر صاحب كتاب،"طوفان الفساد وزحف بن لادن في الجزائر"،"قياديي الانفصاليين" مجرد "موظفين لدى النظام الجزائري،يقبضون رواتبهم على المهام المنوطة بهم".ويقسم في هذا السياق "أن هؤلاء لا يملكون سلطة حتى على زوجاتهم ومطابخهم".وعن الحدود المغربية الجزائرية التي يصر النظام الجزائري على أن تظل مغلقة قال مالك "غلق الحدود هو جريمة في حق الأخوة والجوار و اغتيال للتاريخ المشترك. أهلا بك السيد أنور مالك،كيف تريد تقديم نفسك للقراء:ضابط سابق،معارض أم ماذا؟ في البداية أشكركم جزيل الشكر على إتاحة هذه الفرصة لي، وأعلمكم أنني كنت ضابط في الجيش الجزائري، وهذا الأمر ازنتهى بالنسبة لي منذ سنوات وهي تجربة لها منحنياتها التي هي في ذمة الماضي، وإن إستفدنا منها كثيرا في تقدير الأشياء والإحاطة ببعض الخبايا والخفايا، بالنسبة لتسمية معارض فهي وإن كنت أوصف بها من قبل وسائل الإعلام،لكنني أرفضها، فلا توجد معارضة من الخارج قد تفلح في التغيير وإسقاط أنظمة الحكم، سوى تلك العميلة التي تنسب للعراق وهو ما ندينه ونكفر به، أنا كاتب أبحث عن الحقيقة في أي بلد،وأرغب أن أكون صوت المظلومين في كل أنحاء الدنيا وليس الجزائر فقط. متى كانت أول مرة فكرت فيها للدخول إلى خندق المعارضة، ولماذا؟ والله أنا منذ بداية حياتي ورفض النظام القائم يسكنني، بالرغم من أن والدي مجاهد ومن أشد المخلصين لجبهة التحرير حتى يومنا هذا، فقد نشرت مقالات بمنبر استحدث عام 1989 بصحيفة النصر شرق البلاد، وكانت كلها ناقدة للوضع، وبعدها واصلت الكتابة في صحف أخرى، وحتى خلال تواجدي في الجيش كنت أكتب تحت أسماء مستعارة مختلفة، ومنذ بداية الحرب الأهلية كنت أول من رفض الخروج لمواجهة المتظاهرين من عناصر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وكنت حينها لا زلت طالبا في المدرسة العليا العسكرية، فتعرضت للسجن مرات لا تحصى ولا تعد في الثكنات، وحوكمت من طرف القضاء العسكري 3 مرات واحدة غيابيا ومرتين حضوريا، الأولى كانت في 1993 ثم 1994 والثانية عام 1997، وسجنت بالسجن العسكري بالبليدة نصف سنة، والسبب دائما هو رفضي للقرارات الفوقية الجائرة وتمردي وحتى فراري من الخدمة أحيانا... باختصار شديد أن الواقع الذي رأيته والزيف الذي اكتشفته والظلم الذي يتعرض له الناس يجعل كل من فيه مثقال ذرة من المروءة، ان يرفض البقاء تحت سلطة هؤلاء القتلة والمفسدين واللصوص، ولو مات جوعا في الشوارع. قلت كنت ترفض الخروج مع الجيش لمواجهة جبهة الإنقاذ.هل كان تعاطف منك مع تنظيم عباس المدني؟ ليس تعاطفا مني ولا كنت مناضلا في جبهة الإنقاذ ولا احمل قناعاتهم، بل الموقف هو أنني رأيت ما يقوم به الجيش من قتل عشوائي عن طريق إطلاق النار على المتظاهرين، وهو الذي رفضته بصفة مطلقة، فضلا عن أن الإنقلاب الذي أقدم عليه العسكر لست من مؤيديه، لأنه إنقلاب على الشرعية والديمقراطية وإرادة الشعب. هل بامكانك أن تحدد لنا الأسباب الحقيقية التي كانت وراء سجنك في كل من سنة 93،94 ثم 1997؟ كما قلت لكم سابقا أنني كنت أرفض الخروج مع كتائب أعدت خصيصا لقمع المتظاهرين من أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهو ما يعاقب عليه قانون الخدمة في الجيش، لأنه عصيان للآوامر، ففي عام 1993 شكلت كتيبة خاصة بمكافحة الجماعات المسلحة، ومرة رفضت الخروج معهم ليلا بحجة أنني طالب ضابط ولست مقاتل، وفي لحظة نرفزة قلت للعقيد عوار محند إيدير قل لخالد نزار يخرج مع أولاده لمكافحتهم فهو من يتحمل المسؤولية في إشعال فتيل الحرب، ولما عدت إلى غرفتي بلغني أن العقيد إتخذ إجراء معاقبتي بالسجن، فغادرت غاضبا الثكنة إلى مسقط رأسي لمدة ولما رجعت تم سجني لمدة شهر وقدم ملفي لمحكمة البليدة العسكرية بتهمة الفرار وإهانة القيادة، ولما أنكرت ما نسب إلي وضعني قاضي التحقيق تحت الرقابة القضائية، وبعد مدة حوكمت غيابيا لمدة 6 اشهر حبسا غير نافذ، ولما عارضت الحكم قضت المحكمة ب 3 أشهر مع وقف التنفيذ... أما في عام 1997 فقد رفضت أن يتعرض أحد المعتقلين للتعذيب، وكنت حينها محافظا سياسيا، وشب شجار بيني وبين العقيد بن علال حسين الذي كان قائد وحدتنا، وبعدها تآمر علي واتهمني بالتحريض على النظام من خلال محاضرات ألقيها أو مقالات أنشرها في الصحف، وحوكمت بالتهم نفسها وقضيت نصف سنة. البعض يتهمك أنك تهاجم الجزائر لأسباب شخصية بعد وقوعك في مشكل مع سلك من أسلاك الدولة؟ الإتهامات كثيرة ولا يمكن حصرها، فقد أتهمت بأنني تزوجت من إسرائيل ويرعاني اللوبي اليهودي في فرنسا، واتهمت بأنني عميل للمغرب والمخزن لما كشفت الظلم الذي يمارس على أبرياء في مخيمات تندوف، وأتهمت أنني هربت بأموال من الجزائر مثلي مثل الخليفة... الخ، يجب أن نؤكد على أن كل من يعارض خيارات السلطة ويكشف خفاياها وفسادها سيتهم بكل شيء، فإن كان امرأة سيزعمون أنها أخرجت آدم من الجنة، وإن كان رجلا فسيقال أن عمه مسيلمة الكذاب أو خاله ابن سلول... لو نظرنا الى واقع كل المعارضين الموجودين في الخارج أو الكتاب الذي يعرون السلطة، لوجدنا لكل واحد تهمة تقاس على حسب رقم حذاءه ولون ربطة عنقه، فجعل ما نكتبه ينبع من أسباب شخصية هو إفتراء، فأتحداهم أن يثبتوا شيئا كذبت فيه على الناس، وهل من المعقول وأنا قد تعرضت للتعذيب على يد الوزير سلطاني بوقرة الى حد الإعاقة، أن اسكت عنها وأجعلها في ذمة الماضي؟ مستحيل أن أفعل ذلك، والسبب هو أنني أناضل من أجل الإقتصاص ليس لنفسي، فإعاقتي قد أثبت الطب في فرنسا أنه لا علاج لها وقد إنتهى أمرها، ولكن أفعل ذلك من أجل أن لا يتكرر مع غيري، وأن يعرف الشعب الجزائري حقيقة هؤلاء القتلة، خاصة الذين يلبسون ثياب التدين والتقوى والوقار... أنا عذبت وآلاف حدث لهم ما حدث لي ولا يزال الكثيرون في غياهب الزنازين يعذبون، فأنا أنطلق من شيء عايشته شخصيا وذقت مرارته لأرفع الظلم عن غيري ممن لم يسعفهم حظ الفرار من أدغال الوحوش... ولا أهتم أصلا بما يقال أو سوف يأتي لاحقا. تحدث عن تعذيبك من طرف زعيم حزب "حمس" الإسلامي،حركة مجتمع السلم،المتواجد ضمن التحالف الرئاسي،إلا أنك لم تذكر السبب؟ نعم تعرضت لأبشع أنواع التعذيب بمركز للدرك الوطني ببني مسوس وكذلك ثكنة تابعة للأمن بالشاطوناف، من طرف الوزير سلطاني بوقرة والذي هو ابن المدينة التي ولدت فيها وتربط عائلاتنا علاقات مصاهرة، هذا على خلفية اتهامي بالتواطؤ في مؤامرة ضده، مع قيادات في حزبه "حمس" والذين انشقوا الآن وأسسوا حركة الدعوة والتغيير، وجاءت خلفية ما حدث لما زعموا أنه عثر على كمية من المخدرات في سيارته الشخصية المصفحة، وكان على متنها ابنه أسامة وشقيقه مولود، وأراد من خلالها تدبير مكيدة لخصومه على أساس أنهم أرادو فضحه إعلاميا من خلال إبنه، وهو كله كذب وبهتان وله أسباب سياسية أخرى، المقام لا يسمح بالتفصيل فيها وموجود بعضها في تقرير عن التعذيب في سجون الجزائر، أصدرته اللجنة العربية لحقوق الإنسان بباريس نهاية 2008. يمكن أن تكشف لنا عن نوعية العاهة التي تسبب لك فيها التعذيب الذي تعرضت له؟ أنا الآن لا استطيع التحكم في رجلي اليسرى ولا تحريك أصابع قدمي لأنها ميتة تماما، والطب الفرنسي أكد عجزي من خلال شهادات طبية، بل أن المختص الذي يتابع علاجي منذ وصلت لفرنسا أكد لي مؤخرا أنه لا دواء لعاهتي، والأمر إنتهى بسبب الإهمال الذي تعرضت له في بداية الحادثة، وبعدما تحصلت على كل الوثائق الطبية اللازمة سأبدأ بتحريك دعوى قضائية ضد الوزير والجلادين الذي كانوا معه إن شاء الله، ولكن حاليا أنتظر الفصل في ملفي لدى جهات مختصة في الأمر، سنكشف التفاصيل في حينها. كيف تمكنت من مغادرة الجزائر و الوصول إلى التراب الفرنسي؟ لأول مرة في حياتي أفتح قصة فراري للخارج وقد كنت في الجزائر تحت المراقبة الأمنية، ولا أستطيع أن أغادر مسقط رأسي إلا بتصريح من طرف مصالح الأمن، وأكثر من ذلك أنه ممنوع علي مغادرة التراب الوطني وفق مذكرة توقيف وطنية موزعة عبر المطارات والموانئ وكل نقاط العبور الحدودية، كما أنه لا يمكنني الحصول على جواز سفر، وأخبركم أنه لم يسبق في حياتي وأنا على مشارف الأربعين أن امتلكت يوما جواز سفر جزائري، وقد لا أمتلكه مادمت على قيد الحياة. خلال تواجدي في السجن تعرفت على أحد أشهر المزورين، كان قد قبض عليه بتهم تزوير وثائق السيارات وأوراق رسمية، وحكيت له قصتي مع السجن الذي تعرضت له عام 2001، على خلفية محاولة فراري لتونس عبر الحدود بوثائق مزورة واسم وهمي، فوعدني أن يساعدني وهو الذي تم بالفعل، وقد دفعت كل ما أملك من أجل الحصول على تلك الوثائق، وشاء الله أن يقبض علي في الحدود الجزائريةالتونسية من طرف أحد رجال الجمارك، وتعرضت للتفتيش ولكنهم لم ينتبهوا أن الخاتم الموجود على الجواز مزيفا من خلال الرقم المختلف الذي يحمله، ودفعت لقائد الشرطة مبلغا من المال فسمح لي بالمغادرة، وكان يظن أنني أحد المهربين الذين يسافرون نحو تونس ومن ثمة يهربون السيارات والسلع عبر الجبل. قضيت أياما في تونس، وعبر منعطف مهم وصلت إلى فرنسا، بعدما دفعت أموالا أخرى في المطار حتى يسمح لي بامتطاء الطائرة، لأن بوليس مطار قرطاج قد راودتهم الشكوك حول عدم سفري من الجزائر، ولكن أقنعتهم بأنني رجل أعمال وهي المهنة نفسها المشار إليها على الجواز والتأشيرة، وتواجدي بتونس من أجل صفقات تبين أن أصحابها سافروا للخارج، وأنا بصدد الإلتحاق بهم لأجل ضروريات... لما وصلت لباريس لم يبق في جيبي إلا 30 أورو، وبقيت أتسكع في الشوارع لا أعرف إلى أين أذهب، وكما يقال أن التاجر لما يفلس يدور في دفاتره القديمة، وحينها استطعت أن أتصل بصديقة فرنسية في الحدود الإسبانية أعرفها منذ زمن، والتي قدمت لي مساعدة، وتتمثل في صديقها الفرنسي الذي وقف معي حتى وصلت إلى أحد الطيبين ممن يهتمون بشؤون اللاجئين وهو دكتور تونسي، وساعدني على إجراءات اللجوء السياسي، عن طريق جمعية فرنسا أرض اللجوء، والتي بدورها وفرت لي بعد شهر قضيته ببيت أحد التونسيين أيضا، غرفة في فندق وبعدها غرفة بنادي، وللآسف ما يسمى بمعارضة الخارج من الجزائريين فلا تجدهم إلا في الفضائيات واليوتوب... كانت رحلة ومغامرة لن أنساها ما حييت. هل فعلا هناك معارضة جزائرية بالخارج اليوم؟ لو كانت المعارضة في الخارج موجودة لتمت محاكمة النظام الجزائري على جرائم الحرب التي جرت خلال التسعينيات من القرن الماضي، ولا زالت تحدث إلى اليوم وإن قلت حدتها بعض الشيء، ولكن في الوقت نفسه لا نستطيع أن ننكر دور بعض المعارضين الذين يؤدون ما عليهم ووفق إمكانياتهم المحدودة للغاية، وهذا دليل على أن ما تروجه السلطة حولهم من إشاعات مغرضة هو بهتان فقط، يراد منه تفتيت شعبيتهم في الداخل. ألا تزعج تحركاتك السلطات الفرنسية في علاقتها مع نظيرتها الجزائرية؟ أولا أنا أتمتع باللجوء السياسي في فرنسا، وعندما تمكنت من هذا الحق كانت لي كتابات ومشاركات مختلفة، ولحد اللحظة لم أشعر بما يمكنه أن يؤكد وجود إنزعاج، ويوجد غيري على التراب الفرنسي سبب متاعبا للسلطات الجزائرية أكبر بكثير مما أقوم به أنا، ولم يحدث لهم أي شيء. لو كان النظام الجزائري يدرك أنه بإمكانه تسلم كل الوجوه المعارضة لسياسته ما تأخر لحظة، ولضغط بكل الوسائل على السلطات الفرنسية، ولكن هو على يقين أن القضية هنا تحكمها قوانين وقضاء وصعب جدا أن يتحقق لهم ما يريدون بسهولة، وقد لا يجدون من طريق سوى ما حدث للمحامي مسيلي منذ سنوات، أو عن طريق التشويه والدعايات عبر أبواقه المختلفة. على ذكر العلاقات الجزائرية الفرنسية، يلاحظ أنها دخلت من جديدة منطقة باردة. كيف تنظر لهذا التذبذب في العلاقات بين البلدين؟ العلاقات الجزائرية الفرنسية تخضع للمد والجزر حسب الظروف والمصالح سواء كانت معلنة أو سرية، ومرات عديدة خيل للناس أنها دخلت أنفاقا مظلمة، ولكن الحقيقة القائمة أنه لا يمكن للنظام الجزائري أن يستغني لحظة عن دعم الإليزيه، ويكفي أنه لما تعطس في وجه الجزائر جمعية مختصة في نظافة حي من أحياء باريس، نجد أركان النظام تهتز وتتزعزع، في حين لو تحدثت جمعية عربية حقوقية عن تجاوزات فهي لا حدث. من يزعم يوما أن الجزائر تحررت بالفعل من فرنسا فهو واهم، والذي حدث عام 1962 هو جلاء عسكري خطط له بدءا من 1958 لما سمح لضباط الجيش الفرنسي المنتسبين للجزائر أن يفروا ويخترقوا الثورة المقدسة، فالذين يحكمون الجزائر اليوم لهم ملفات سوداء في الأرشيف الفرنسي المتعلق بالثورة، ولو أفرج عنه أو فتح للمؤرخين أو سرب للإعلام لرأينا الكثير من الرؤوس التي تزعم أنها ناضلت وجاهدت وأنها تاريخية تتهاوى، وعلى رأسها الرئيس بوتفليقة الذي كان غلاما لهواري بومدين ويزعم أنه التحق بالمجاهدين وعمره 16 عاما، بل قلد ووشح بإسم "سي عبدالقادر المالي" للأسف الشديد. يعني؟ الذي أعنيه صراحة أن بوتفليقة لم يكن بالصورة التي يسوق لها اليوم، ويكفي أنهم يزعمون إلتحاقه بالثورة وعمره 16 سنة وهو من مواليد 1937 وبطريقة حسابية يعني أنه بدأ الثورة في 1953 وهذا خطأ، إلا إن كان قد أشعل فتيل الحرب ضد المستعمر لوحده فقط، أو أن تاريخ 01/11/1954 خاطئ وربما سيتم تعديله من أجل سواد عيون "سي عبدالقادر" كما يزعمون. وسمعت من الكثيرين في مجالسهم الخاصة أن الرجل لم يكن سوى غلاما لدى بومدين وبلفظ آخر خادما له، وتحول بقدرة قادر الآن إلى زعيم من زعماء الثورة للأسف الشديد. من تقصد بالرؤوس التي "تزعم أنها ناضلت وجاهدت ولو فتحت ملفات في الأرشيف الفرنسي لتهاوت"؟ وما الذي يمكن أن يكشف عنه هذا الأرشيف بالنسبة لك؟ أولا نعرف أسرار ضباط الجيش الفرنسي الذين تسللوا إلى جيش التحرير، ولا تزال قصتهم غامضة وحتى في الداخل يرفض الحديث عنهم لأنهم يتحكمون في دواليب الدولة، كالجنرال تواتي والجنرال العماري والجنرال خالد نزار... الخ، وثانيا توجد ملفات سرية عن تعاون بعض القيادات مع المحتل، مثل عبان رمضان وعلي كافي وغيرهما. تظل العلاقات بين باريس و الرباط متينة ونشيطة. صحافي فرنسي كتب يوما أن هناك نوع من الغيرة من قبل الجارة الشقيقة الجزائر بهذا الخصوص.ما تعليقك؟ بالتأكيد توجد هذه الغيرة والتي صارت كغيرة الضرة على البعل الزير المعروف بحركاته المشبوهة، وستبقى هذه الغيرة متأصلة كثيرا مادام مشكل الصحراء قائما، فضلا عن كل ذلك أن الجزائر تراهن على علاقتها ورضوخها لباريس من أجل غلق ملفات كثيرة، وأخطرها قضية الحدود مع المغرب التي خلفها الإستعمار، وتوجد وثائق مهمة لو أفرجت عنها باريس لاتضحت الكثير من الأمور التي لا تكون في صالح جنرالات الجزائر أبدا كما ذكرنا من قبل. يمكن أن توضح أكثر؟ أخطر هذه الوثائق تلك التي تتعلق بالحدود الجزائرية سواء مع المغرب أو مع تونس، فالسلطات الفرنسية تملك كل المستندات التي تثبت عدم شرعية الحدود الموجودة الآن، ولكن لا تريد أن تثيرها إلا في الوقت الذي يناسبها، ولدي كتاب قريبا أفرغ منه يتحدث بالتفاصيل عن كل هذه القضايا ومن دون تحيز لأي طرف مهما كان، لأن وطني هو الحقيقة فقط، وأعدكم أن أول نسخة منه ستصل صحيفتكم إن شاء الله. أظهرت معارضتك لمطالبة الجزائرلفرنسا بالاعتذار عن جرائم الاستعمار.هل يمكن اعتبار هذا ورقة أخرى يلعبها النظام في الجزائر للضغط على باريس لأجل التأثير على الدعم الذي تقدمه للرباط في قضية الصحراء؟ مطالبة فرنسا بالإعتذار هي لعبة يريدها النظام ليعتاش على حساب الشرعية الثورية، ويكسب ود الشعب الجزائري الذي لا يزال يرى فرنسا سبب المآسي التي مرت عليه ولا تزال تظهر من حين لآخر، وبلا شك أنها أيضا ورقة إبتزاز يستخرجها العسكر كلما إقتضت الضرورة سواء تعلق الأمر بالصحراء أو بجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في الجزائر، وأنا والدي مبروك –حفظه الله - من المجاهدين والمعتقلين السابقين، وجدي أحمد – رحمه الله - أستشهد تحت التعذيب في السجون الفرنسية عام 1958، وعمي بلخير – رحمه الله – اختفى من جامعة الزيتونة في ظروف غامضة ولم يظهر له أي أثر منذ 1957، وكل عائلتي ثورية لها تاريخها، وبالرغم من كل ذلك أرفض هذا الإعتذار الذي يراد منه تسليم أوسمة أمجاد لنظام إقترف في حق الجزائريين جرائم يندى لها الجبين، والأولى أن نحاكم الجنرالات على نصف مليون قتيل في الحرب الأهلية، وعلى آلاف الجرحى والمفقودين، ولما يستعيد الشعب حريته الحقيقية وكرامته وعزته، نستطيع أن نجبر فرنسا على أشياء أكبر من الإعتذار وقصص الذاكرة التاريخية ومعاهدات الصداقة. هل تعتقد،من موقعك كضابط سابق في الجيش،أن الخلاف الجوهري بين المغرب و الجزائر يبقى هو موضوع الصحراء؟ ليس مشكل الصحراء الغربية فقط هو القائم بين الجزائر والمغرب، ولا حتى الصحراء الشرقية التي هي كالبركان النائم، هناك مشكلة الحدود التي لم ترسم وهي من ألغام فرنسا في المنطقة، ولكن في الظرف الحالي يبقى مشكل البوليساريو هو لب الخلاف والصراع القائم، وسيتفاقم أكثر وأكثر وقد يصل إلى تفتيت المنطقة المغاربية إن ظل طرفي النزاع وأقصد الجزائر والمغرب في مواجهة دائمة، وطبعا البوليساريو صنعتها ونفختها وضخمتها الجزائر، وهي واجهة فقط للحرب الباردة القائمة بين النظامين. ماهي نقاط الخلاف الأخرى إذن التي تعمق الهوة بين البلدين في رأيك، بعيدا عن قضية الصحراء؟ أنا دائما أجزم أن كل الخلافات الأخرى بين النظامين، هي تداعيات جاءت على خلفية مشكلة الحدود التي لم ترسم بعد، ثم يليها مشكل الصحراء والبوليساريو، أما غلق الحدود البرية وقضايا الأمن والتهريب والمخدرات وسباق التسلح وزعامة المنطقة، فكلها جاءت كتداعيات أملتها المشاكل الجغرافية القائمة. ما تقييمك للطرح المغربي الذي جاء بمقترح الحكم الذاتي لحل قضية الصحراء؟ في البداية أنا من مؤيدي الحكم الفيدرالي في الدول المغاربية، وطبعا بشروط ووفق رؤية ليس وقت التفصيل فيها، أما بالنسبة لما يسمى بمقترح الحكم الذاتي، فليست المشكلة في لب هذا المقترح من كل النواحي، وأراه أفضل ما قدم حاليا لأجل تجاوز عنق الزجاجة وحلحلة التوتر القائم في المنطقة، لكن المشاكل الكبيرة في تطبيق هذا المقترح أو في مخاطر المطلب الآخر الذي تلح عليه الجزائر، فأقول مادام النظام الجزائري هو الطرف الفاعل في لعبة الصراع الذي يدمر المنطقة ويبلقنها، فلن ينجح لا مقترح الحكم الذاتي ولا تقرير المصير، فإن فرضت المجموعة الدولية مقترح المغرب ستلغمه الجزائر بقضايا أخرى ربما أخطر من الإرهاب وتنظيم القاعدة، وإن فرضت مقترح الجزائر الآتي على ألسنة البوليساريو فسترفضه المغرب ولو أدى بها الأمر للحرب الدموية، ويبقى في خضم ذلك أبرياء من البدو الرحل الذين لا ناقة لهم ولا جمل في آلاعيب السياسة وتناحرات الأنظمة، يعانون من الفقر والحرمان والإضطهاد سواء في داخل الصحراء أو في مخيمات تندوف القذرة، ويوجد أيضا ضحايا بالملايين من الشعبين الشقيقين يدفعان فاتورة غالية... يبقى السؤال المهم الذي يحتاج لرؤية واعية ومتأصلة: هل يمكن إسترجاع روح ذلك الإنسان الذي عانى الأمرين تحت الإحتلال الإسباني ثم بعدها في ظل صراع جزائري مغربي؟ وجود دويلة من صنع النظام الجزائري تبين مؤخرا أنها لا تخدم المصالح الأمنية المشتركة لدول المنطقة.فلماذا في اعتقادك هذا السخاء الحاتمي من قبل النخبة الحاكمة في الجزائر على هذا الكيان الوهمي؟ أقولها بصراحة أن النظام الجزائري قد يستغني عن صحراءه لمالي أو النيجر ولن يفرط في شبر من الصحراء الغربية للمغرب، والسخاء هذا له أسبابه منها التاريخية ومنها الجغرافية ومنها الإستراتيجية، وأخرى تتعلق بالثروات الضخمة المتواجدة في باطن تلك الأرض والتي لو يستفيد منها المغرب سيكون قوة حقيقية تكسر أحادية السيطرة على المنطقة التي يراهن عليها العسكر كثيرا، مستعملين سلاح وثروة النفط طبعا... العداء التاريخي الموجود بين الجزائر والمغرب سيجعل النظام يدعم حتى إسبانيا في إحتلال شمال المغرب على غرار الجزر، ولا يمكن أن نتجاهل ما كان يردده بومدين في مجالسه الخاصة: سأجعل الملك من غير ملك، وأتمنى أن يتجرأ احدهم من رفاق هذا الرئيس ويبينوا لنا دوافعه لمثل هذا المبدأ والهدف الخطير للغاية. (يتبع)