لعب المخرجون السينمائيون المثقفون في العديد من البلدان دورا كبيرا وأساسيا في الترويج لثقافة بلدهم بطريقة تعكس حمولتهم تلك، وتدفعهم إلى السيطرة على مسارهم العملي بأسلوب عقلاني محسوب، فنجد العديد من هؤلاء ينفرون من الأعمال الاستهلاكية الرخيصة، ويتجهون بكل ثقلهم نحو الأعمال الجادة التي تعطي المتلقي حيزا مهما للتدبر في العمل والمشاركة في رؤيته. مسار المخرج المغربي مومن السميحي لم يشذ عن هؤلاء، فهو المخرج المثقف الذي آثر توظيف أداته لخدمة السينما المغربية عبر شحنها بدلالات موضوعية تصب لصالح الصورة كوسيلة للتثقيف أولا قبل أن تكون وسيلة للترفيه، فأعماله الإبداعية كشفت عن نضج رؤيته الفكرية، والفنية، والاجتماعية والتاريخية...أعمال اتخذ منها سلاحا لمحاربة الرداءة التي تتسم بها بعض المشاريع التي توصف تجاوزا بالإبداعية ، هذه الأخيرة التي أحدثت شرخا لدى جمهورها وتركته مغرقا في التفاهة والسطحية، عاجزا عن الركض إلى الأمام للالتحاق بالآخر الذي سبقه خطوات عدة يصعب الوصول إليها أو تجاوزها . أفلام مومن السميحي عبارة عن أسئلة مستفزة تستفز الواقع ذاته، تنبش في ذاكرته، وتتسلق الزمن محاولة استشراف الماضي والمستقبل معا، فكما يستخدم قلمه بإتقان يستخدم عدسته كذلك حتى يعطي جمهوره القدرة على التمعن والتدبر والقراءة المزدوجة في النص والصورة. الكل يعرف مومن السميحي بصفته مخرجا وكاتبا وناقدا...ويعتبر بذلك مبدعا سينمائيا جامعا وهي صفة أخشى أن أقول انه الوحيد الذي يتصف بها في الوسط السينمائي المغربي، فالجمع بين كل هذه الأدوات الإبداعية جعل منه كائنا سينمائيا متميزا بأفكاره ورؤاه التي تبعث في كل عمل من أعماله روح التجديد الفكري والفني المستمر حتى اعتبرت أفلامه من طرف بعض النقاد أفلاما تجريبية، ذلك التجريب الذي ميز مساره السينمائي وأعطاه القدرة على الاستمرارية والحياة، ومن واقع هذا الاختيار يبقى مومن السميحي ملتزما بمبادئ الثورة التي رسمها لنفسه منذ انطلاقته الأولى، فأحاط أعماله بشبكة صعبة الاختراق، تحمي نفسها وجمهورها من خطر المد الفني الهابط. لمومن السميحي الكاتب والناقد العديد من الدراسات والمقالات المتنوعة المواضيع والمنشورة في العديد من المجلات والجرائد العربية والفرنسية، كما صدر له أربع إصدارات هي«حديث السينما» 2005 الجزء الأول ( مقالات ) ، Ecrire sur le cinéma ( Idées clandestines 1 ) 2006 ،«حديث السينما» 2006 الجزء الثاني ( مقالات ) ،«في السينما العربية» 2009 . ولد مومن السميحي بطنجة سنة 1945 ، حاصل على الإجازة في الفلسفة، درس السينما بمعهد الدراسات السينمائية العليا بباريس، له أفلام سينمائية عدة متوزعة بين القصيرة والطويلة وهي بالترتيب: «سي موح، ليس هناك حظ» 1970 ، «ألوان في الجسد» 1972، «أماد» 1985، «السينما المصرية، تحديد وتشريف» 1991، «ماتيس في طنجة» 1993، «مدينة باريس» 1995، أما الأفلام الطويلة فهي بالترتيب أيضا: «الشركي أو الصمت العنيف» 1975،« 44 أو حكايات الليل» 1982، «قفطان الحب» 1987، «سيدة القاهرة» 1991، «وقائع مغربية» 1991، «العايل»2005، «طفولة متمردة» 2008. زويريق فؤاد ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب معا عند الاستفادة