الروائي والقاص محمود الغيطاني للوسط الكويتية: ليس مطلوباً من المبدع أن يزين الواقع الروائي والقاص والناقد السينمائي محمود الغيطاني يثير جدلا كبيرا بكتاباته الروائية والقصصية، لأنه دائم الخروج على الأعراف الاجتماعية السائدة، فضلا عن خروجه الدائم على التابوهات، وقد صدرت له رواية «كائن العزلة»، ومجموعة قصصية جديدة بعنوان «لحظات صالحة للقتل»، التي اتهمها البعض بأنها لا أخلاقية. «الوسط» حاورت الغيطاني، فأكد أنه سيعتزل الإبداع إذا لم يشعر معه بالمتعة، وأنه لا يهوى رسم الصور الوردية للواقع في كتاباته، لذلك يجب ألا يلومه أحد إن كان فوضويا أو سوداويا أو عدميا، مؤكدا ان من يقول عن مجموعته القصصية الأخيرة غير أخلاقية لا مرجعية ثقافية له، فإلى التفاصيل: بدأت روائيا في رواية «كائن العزلة»، ثم أصدرت مجموعة «لحظات صالحة للقتل»، فهل هذا يعد ارتدادا أو سيرا عكس المعتاد؟ - قد يكون من المألوف أن يبدأ الكاتب بالقصة القصيرة ثم يتحول إلى كتابة الرواية، ولكنني لم أقصد أن أكون مغايرا للآخرين، فأنا أكتب القصة القصيرة منذ فترة مبكرة، وانتقلت عام 2000، إلى كتابة النقد السينمائي، وبدأت كتابة الرواية في 2003، ولكن الأمور لم تكن تسير كيفما أشاء، فلم أكن مهتما بنشر ما أكتبه من قصص قصيرة، وركزت على نشر ما أكتبه في السينما، ولذلك حينما صدرت «كائن العزلة»، اندهش البعض، وأذكر أن الشاعر عيد عبد الحليم سألني قائلا: أنت ناقد سينمائي فلماذا انتقلت إلى كتابة الإبداع؟ هذا المسار الذي يضعه النقاد وهو أن المبدع لا بد أن يكتب القصة القصيرة ثم ينتقل إلى الرواية ليس صحيحا على إطلاقه؛ لأن القصة القصيرة والرواية إبداع واحد لا ينفصلان، وقد رأيت أن إصدار مجموعة قصصية بعد الرواية أفضل لي لتكون المجموعة فاصلا بين روايتين، ولاسيما أنني قد انتهيت تقريبا من روايتي الثانية «كادرات بصرية»، ولكي أدلل أيضا على أن الروائي يستطيع أن يصدر مجموعة قصصية. هل نفهم من هذا أن المجموعة مجرد فاصل بين راويتين أو فرصة لالتقاط الأنفاس؟ - بعدما صدرت «كائن العزلة»، قيل إن محمود الغيطاني لن يكتب رواية مرة أخرى وإنه كتب كل ما عنده، ولأني أردت أن أعمق هذا الكلام في نفس من قاله أصدرت مجموعتي القصصية الأولى كي يصدقوا أني لن أكتب رواية ثانية. ولكن هذا التعامل غير فني ومجرد استخدام نفعي للنص؟ - الأمور ليست هكذا إطلاقا، لأنه بالفعل عندي مجموعة قصصية أخرى لم تنشر، وسوف تكون تالية للرواية المقبلة، وهذا لا يعني أنني أكتب بخطط مسبقة ولكنني أنشر بخطط معينة. أنت مغرم بأن تضع في أعمالك أسماء لمثقفين وأدباء حقيقيين، فلماذا هذا الإقحام؟ - لا أرى في ذلك إقحاما على العمل الروائي، ولكن المبدع لا يمكن له أن ينفصل عن حياته الخاصة، فالمبدع دائما يأخذ من نفسه ومن عالمه المحيط به، وأنا شخصيا أحاول دائما الجمع بين الواقعي والتجربة الذاتية وأنسج الخيال مع هذه التجربة الواقعية، وأنا لم أجدد في هذا ولم آت بما هو غير مألوف، فالروائي الراحل فتحي غانم كان يفعل ذلك، وأرى أنني إذا مزجت بين الخيال والواقع تكون التجربة أكثر صدقا. العدمية لماذا يظهر في أعمالك قدر كبير من العدمية؟ - كل ما يدور من حولنا شديد العدمية، فانتازي بدرجة تجعلك تشعر معها أنك لا تعيش واقعا حقيقيا. هل دور الكاتب أن يضع قارئه في حالة سوداوية، أم يأخذه إلى مناطق النور؟ - الكاتب ليس معنيا على الإطلاق بأن يجعل الحياة وردية وجميلة في نظر الآخر، لأنه شخص يؤثر ويتأثر مثل الآخرين، وبالتالي لا يمكن أن تلومني إذا كنت فوضويا أو سوداويا أو عدميا كما سبق أن قلت، كما أنني لا أرى أن الإبداع رسالة في الفضائل وليس مطلوبا مني أن أجمل العالم وأقول لك ما يجب أن يكون. البعض أدان مجموعتك الأخيرة من منظور أخلاقي ووصفها بأنها لا أخلاقية، فما رأيك؟ - من يدعي ذلك ليس له مرجعية ثقافية أو إبداعية، ولكني اندهشت وقلقت في الوقت ذاته، لأنه إذا كانت مثل هذه النظرة الأخلاقية للإبداع تصدر من إحدى الكاتبات المثقفات فما بالك بالقارئ العادي، وما يفعله فينا الشيخ يوسف البدري كل يوم؟ على أي حال أنا كتبت ما أرضى عنه وما أنا مقتنع به، وللناقد والمتلقي أن يقولا ما يريانه في ما أكتب. التابوهات والأعراف لماذا تصر على تحطيم التابوهات والأعراف الاجتماعية؟ - لا أحطم أي تابوهات ولست متعمدا في كتابتي أن أكون مختلفا «من وجهة نظر أخلاقية»، كل ما هنالك أنني حين أمسك القلم وأكتب لا أضع لنفسي رقيبا ذاتيا، ولا يعنيني القارئ أو المجتمع الذي سيحاول تقييم ما أكتبه تقييما أخلاقيا، وجميعنا بلا استثناء يرغب في الكتابة الصادقة بلا أي رقيب، ولكننا نخشى سطوة المجتمع، وأنا شخصيا تحررت من هذه السطوة، ولا يعنيني ما يمكن أن يقال. في مجموعتك الأخيرة يبدو أبطالك في حالة اكتفاء بالذات ويكنون قدرا هائلا من عدم الاحترام للعالم، لماذا؟ - لأن العالم بكل فوضاه، خاصة السائدة في المجتمع المصري، لا يمكن أن تدعوك إلا لإعطاء ظهرك للعالم، وبالتالي ترى أن جميع الشخصيات - وهذا أيضا نلاحظه في كائن العزلة - مجرد شخصيات «منكفئة» على ذاتها، ترفض العالم وكل ما يدور حولها لتحاول الحياة في عالم آخر مصطنع داخل عقلها الباطن وليس أمامها سوى الهروب إليه. تدور مجموعتك في أجواء سريالية مفعمة بالهلاوس الذهنية دون أن تشتبك مع مشكلات الواقع، فما رأيك؟ - أعتقد أن المجموعة تشتبك مع الواقع بالفعل، ولكن من خلال منطقها الخاص، كما أنني لست معنيا بالدرجة الأولى بمعالجة ما يحدث من حولنا من خراب، فتلك ليست مهمة المبدع بل مهمة علماء الدين أو السياسيين. والإبداع من وجهة نظري ليس رسالة اجتماعية بقدر ما هو متعة فنية أمارسها، وإذا لم يمنحني الإبداع تلك المتعة الخاصة فأنا لن أقبل على ممارسته مرة أخرى. في إحدى قصصك يشتبك البطل «وهو مؤلف وقاص»، مع شخصيات قصة يكتبها، بل إنهم يهزمونه في النهاية فكيف تدير أنت صراعك مع شخصياتك؟ - المؤلف قد يخطط لشيء ما حينما يحاول الكتابة، ولكنه يجد أحيانا أن هناك بعض الشخصيات ذات سطوة عليه، وبالتالي فهي تفرض وجودها، وتبدأ هذه الشخصية في التشكل ذاتيا، ومن ثم يبدأ المؤلف في الانسياق وراءها دون رغبته أحيانا. علاقة وثيقة جدا أنت ناقد سينمائي وأديب.. هل يوجد علاقة بين المجالين؟ - العلاقة بين النقد السينمائي والأدب وثيقة جدا، دعك من الأقوال المحفوظة التي تقول إن الأدب يأخذ من تقنيات السينما، فهذه الأقوال أصبحت كلاسيكية، ولكنني أرى أن النقد السينمائي في حد ذاته إبداع مواز تماما للصورة المرئية على شاشة السينما، وقد يكون هذا الإبداع أكثر أهمية من الصورة المرئية، فإذا ما خيروني بين الإبداع الروائي والنقد السينمائي فلابد أن ترجح عندي كفة النقد السينمائي القاهرة - عمر شهريار الخميس, 12 - يونيو – 2008