للخصوصية التي تميز بها فيلم " أشلاء" لمخرجه حكيم بلعباس، ولصعوبة تصنيفه نكون أمام حالة فيلمية صعبة التناول، طبعا هنا نتحدث من منطلقات ألفنا الانطلاق منها كآليات لتحليل ومعالجة ما نشاهده كمتفرجين وكمتلقين بالانطباع أو بالنقد البناء، ونحن نشاهد فيلم " أشلاء" كنا أمام مخرج مهووس إلى حد النخاع بآلة اسمها " الكاميرا"، وبمخرج يعتبر كل شيء أهل للتصوير حتى الخصوصيات وطبعا في حدود ما يضمن الكرامة للكائن موضوع التصوير، بحثت على مجموعة من المصطلحات المركبة كي أصنف بها فيلم " أشلاء" وحقيقة وجدت نفسي أمام تركيبات إيتمولوجيا صعبة التفسير ، فوجدتني تارة أصنف فيلمه ضمن سينما يمكن أن نسميها ب " سينما المواقف" وتارة ب " سينما الفوضى" ومرة ب" سينما الأمر الواقع" ومرة أخرى ب" السينما العائلية"، في وقت أتضح لي أنه يمكن أن أصنفها ضمن ما يسمى ب " السينما المشاغبة" على اعتبار الشغب الذي أحدثه هذا المخرج داخل وسطه العائلي ومحيطه المجتمعي بل وحتى داخل قاعة الفرجة، وبصرف النظر عن ثورة هذا المخرج - الدارس للنظريات والتقنيات السينمائية- على كل القواعد السينمائية المألوفة، فإن فيلمه خلق فرجة عائلية قلما تشدنا لها بعض الأفلام الجادة. وحقيقة أن الفرجة الجماعية التي جمعتنا لمشاهدة هذا الشريط بمناسبة الدورة 12 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، جعلت كل منا يلتفت لصاحبه الجالس بالقرب منه ، يتحدث إليه ويقول له أنظر ياصديقي كم هو جميل هذا المشهد، إذ ما قيمة الأشياء الجميلة إذا لم تجد بجانبك إنسان تحبه وتقول له أنظر كم هو جميل هذا الشيء بحلاوتها أو مرارتها، ذلك ما لمسناه في فيلم "أشلاء" الذي يعتبر تجربة فريدة جعلت المخرج يفوض الأمر للكاميرا كي تنتقم له من واقع شكل خصوصيته وافتقده لسنوات ، وربما كانت ذاكرته قوية في التقاط تلك الخصوصية وكل ما يمت بصلة لهويته كلما زار فضاءه الذي خلق فيه وترعرع فيه ردح من الزمن، هو انتقام من واقع لفائدة حنين مفتقد، ثنائية الموت والحياة، الفقر والغنى، القبيح والجميل، الفرح والقرح، الأمل والألم...... كل هاته المتناقضات كانت حاضرة جعلت المتفرج أمام تأرجح عاطفي بل الأكثر من ذلك جعلت كل واحد منا يرى في مشهد من مشاهد الفيلم صورة من صور حياته بل هناك من رأى جزءا من سيرته ومحيطه، الفيلم نبض لزمن ماض محزن من أجل زمن آت مفرح. لكن بالمقابل هناك من عاب على مخرج فيلم "أشلاء" عدم معالجة بطريقة تضمن كرامة الإنسان، حيث أن كان همه هو الانفراد والسبق التصويري لمشاهد لأناس يعيشون الأمرين، وحيث أن من مهام مثل هاته الأفلام ضمان المعالجة الخلاقة لتلك المشاهد بالشكل الذي يضمن أنفة وكرامة الذات الإنسانية، فإن البعض وصف صانع هذا الفيلم بالمتلذذ بتعذيب الآخر، وهناك من وصفه بحامل الكاميرا في ميدان حرب وهو يضبط جنديا يلقي الرصاص على أخر ، ويلتمس من الجندي القاتل بأن يمثل بالجندي المقتول من أجل الظفر والإنفراد بتصوير همجي من أجل تسويقه واعتباره سبقا تلفزيا ليس إلا. لكن بالنظر إلى ما جادت به قريحة هذا المخرج ولاعتبارات أخرى، يستشف أنه مخرج حامل لهم اسمه "السينما في خدمة المجتمع"، وأنه قلق على وضعيات هذا المجتمع الذي يحن لثقافته وخصوصيته، بل ويعيش حرقة " العين بصيرة واليد قصيرة"، لكن مؤمن في قرارة نفسه أنه بإمكان السينما أن تغير المجتمع بالرغم من استعمالها للغة الحلم كما يقول أحد جهابذة السينما، تعاطفنا كمتفرجين مع شخوص هذا الفيلم ربما قد تسهام في تغيير مواقفنا نحن، فكل منا تمنى لو يتبنى ويحتضن معاناة شخصية " الشرقي" بالرعاية المادية والمعنوية، وكل منا تمنى لو تفهمت والدته ما يطمح له هذا المخرج من تصويره لتلك المشاهد التي هي من صميم وخصوصية المجتمع المغربي، وكل منا تمنى لو عاد ابن تلك العائلة الأمازيغية المغربية التي تحترق بفراق عزيزها، وكل منا تمنى أخيرا لو يذهب إلى سوق أسبوعي ليشتري مجموعة من الملابس ولوازم التغذية لأولئك المنكوبين من الناس علها تذهب عنهم الغم والحزن، هي متمنيات تبقى قابلة للتنفيذ. حسن مجتهد/ طنجة ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة