التحالف الحدث بين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية في مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة يعكس الحساسية الكبيرة التي تميز هذه المنطقة، والأهداف السياسية العميقة المنشودة من وراء تجاوز الخصوم لخلافات الماضي وصراعات الأمس، وهو الحدث الذي قد يكون له نتائج وانعكاسات على مستقبل المشهد السياسي خصوصا في أفق انتخابات 2021. ففي خضم السباق الانتخابي المبكر الذي دشنته الأحزاب السياسية وهي تمني النفس وتعد القواعد بتصدر نتائج الانتخابات المقبلة، يمكن قراءة تحالف الجرار والمصباح قراءة سياسية خطية ممتدة وأخرى ظرفية مرتبطة بالوقائع الحالية. من جهة يبدو التسريع بعقد هذا التحالف ودعم منتخبي حزب العدالة والتنمية لمرشحة البام فاطمة الحساني محاولة مستعجلة لطي صفحة رئيس الجهة السابق إلياس العماري، وهو الشخصية السياسية التي كانت دائما مثار الجدل وأضحت بمرور الأيام تشكل عبئا على العديد من الجهات والفاعلين في المشهد. من المهم بالنسبة لهذه الأطراف إيجاد بديل مستعجل على رأس الجهة لتصفية تركة مرحلة التدبير السابقة، والانتقال إلى مرحلة جديدة تنتظرها الكثير من التحديات. وفي هذا الإطار لا يمكن للجرار والمصباح أن يشكلا عائقا أمام تجاوز هذه المشكلة التنظيمية بسبب خلافاتهما السياسية أو الإيديولوجية، فجهة طنجة اليوم أضحت تتمتع بجاذبية اقتصادية وسياحية ومالية كبيرة، ولن تقبل السلطات والدولة دخولها في حالة من البلوكاج الشبيهة بتلك التي عاشتها الحكومة الحالية في بداياتها، بشكل قد يعرقل بعض الأوراش الاستثمارية المفتوحة فيها. فطنجة على سبيل المثال هي قطب اقتصادي وصناعي كبير تروج فيه استثمارات بالمليارات لعمالقة تصنيع السيارات والبيئة الصناعية التي تم إنجازها فيها لا تتحمل عراقيل أو عوائق إدارية أو مالية قد تكلفها المليارات. يمكن للبلوكاج أن يحدث في أي من المجالس الجهوية الأخرى، كما حدث في مجلس جهة كلميم واد نون التي تعيش منذ تأسيسها على إيقاع أزمات متتالية في القيادة أو في التسيير، انتهت بعد شهور طويلة بانتخاب رئيسة جديدة. جهة طنجةتطوانالحسيمة لا تحتمل هذا النوع من البلوكاج، وهي تشرف على منطقة عرفت قبل سنتين اندلاع احتجاجات اجتماعية طالت لشهور وانتهت بتقارير عصفت بالكثير من رؤوس المسؤولين المحليين والمركزيين. لهذا يبدو التحالف السريع بين الحزبين محاولة واضحة للقضاء على أي أزمة قيادة محتملة في المهد وقبل تحولها إلى عقدة. لكن الاعتبارات الظرفية والأمنية لا تكفي وحدها لفهم التحالف المذكور، هناك أيضا اختبارات وتداريب سياسية من وراء هذا الحدث. فقد تم التوصل إليه في ظل حماس وسخونة انتخابية يعيشها المنافس الانتخابي الشرس المتمثل في حزب التجمع الوطني للأحرار. هذا الحزب يخوض منذ بضعة أشهر حملة تواصلية كاسحة في مختلف الأقاليم والجهات، وتخرج قياداته باستمرار للعلن وتشرف على مهرجانات خطابية وتطلق تصريحات تؤكد كلها أن الحزب جاهز للفوز في الانتخابات المقبلة. يبدو الأمين العام للحزب عزيز أخنوش في كامل عنفوان طموحه السياسي لتصدر المشهد، وربما تحمل مسؤوليات رئاسة الحكومة. بالنسبة لحزب العدالة والتنمية يعتبر هذا الاحتمال كابوسا بل هزيمة قاسية رغم التحالف الذي يربطه بحزب الحمامة في الحكومة. ومن هذا المنطلق فإن تجريب تحالف محلي كهذا الذي انعقد في طنجة من حزب يمثل المعارضة يعتبر ورقة ضغط وإشارة مشفرة لحزب التجمع الوطني للأحرار بأن الإسلاميين جاهزون للعب كل الأوراق في أفق معركة 2021 لمجرد التمكن من العودة إلى رئاسة الحكومة، أو على الأقل الحؤول دون حصول عزيز أخنوش عليها. بعبارة أخرى يبدو أن حزب العدالة والتنمية يريد من خلال تحالفه في طنجة أن يضرب الحلفاء بالمعارضين، ويخرج من بينهما سالما غانما لمكتسبات الاستمرار في القيادة. ولأجل تحقيق هذا الاستمرار يبدو أن الإسلاميين أضحوا مستعدين للتحالف مع أي طرف كان لأن خسارة رئاسة الحكومة قد يمثل نهاية المشوار.