رفض المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عقد القمة الثلاثية المزمع تنظيمها في طرابلس، والتي كان من المنتظر أن تجمع رئيس الجمهورية الجزائرية "عبد المجيد تبون" برئيس تونس "قيس سعيد" ورئيس المجلس الرئاسي الليبي "محمد المنفي"؛ ويأتي هذا الرفض الحازم في سياقات إقليمية ودولية دقيقة، جسدتها زيارة وزير الخارجية المغربي إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ولقائه بكبار المسؤولين، وعلى رأسهم وزير الخارجية "ماركو روبيو" الذي أعرب عن انخراط بلاده المباشر في تصفية تركة نصف قرن من العربدة الجزائرية في المنطقة، وكذا زيارة "بوريطة" إلى الجمهورية الفرنسية ولقائه بوزير خارجيتها تنزيلا لمضامين الاتفاقات والتفاهمات التي تمت بين جلالة الملك والرئيس "إيمانويل ماكرون" على إثر زيارته الأخيرة للملكة المغربية الشريفة، وتصريحه الواضح باعتراف الجمهورية الفرنسية، في قبة البرلمان، بسيادة المغرب على صحرائه. لقد أوضحت الإحاطة التي أدلى بها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة "دي ميستورا" حول انخراط عضوين دائمين في مجلس الأمن، ويقصد أمريكاوفرنسا، بشكل نشط وفعال في تسريع وتيرة القضية الصحراوية، وهو ما يؤشر على تذمر المجتمع الدولي من نزاع طال أمده بلا مسوغات قانونية أو سياسية أو واقعية، كما ينذر بأن ثلاثة أشهر القادمة ستكون حاسمة في طي هذا النزاع الإقليمي المفتعل. من الواضح أن اللعبة "الصحراوية"، التي جعل منها نظام الكابرانات ركيزة من ركائز الحكم، وشماعة يعلق عليها فشله الذريع في ساسة العباد وتسيير شؤون البلاد، بدأت أوراقها تنفرط من بين أصابعه الواحدة تلو الأخرى، وما أزماته الداخلية والخارجية مع فرنسا وإسبانيا ودول الساحل ودول الخليج سوى خير شاهد على الانحطاط الذي بلغته هذه الدولة المارقة؛ وحتى تلك الدول التي كانت، بالأمس القريب، تصطف بجانبه، طمعا في "كرمه" الذي ليس له حدود حينما يتعلق الأمر بمعاكسة المملكة المغربية الشريفة، أمثال ليبيا، بدأت تتجاهله مثلما يتجاهل الصحيحُ الأجذم. منذ أن تم تحرير معبر "الكركرات" بكل مهنية واحترافية، والجزائر تعيش أعتى كوابيسها؛ إلا أنها هذه الأيام تعيش أسوأ ما في هذه الكوابيس؛ وهو ما يفسر الجنون العظيم الذي ألمّ بها حتى عادت دولة "قراصنة" بشكل رسمي، وعادت وزارة خارجيتها تصدر بيانا تنديديا كل يومين، وفي بعض الأحيان كل يوم، وكأنها في حالة حرب، والحقيقة أنها كذلك، مادامت قد وضعت كل بيضها في سلة "الصحراء الغربية"؛ في الوقت الذي أصبحت فيه هذه القضية قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح أثرا بعد عين. حينما ترى تلك المِشية الراقية للسيد "ناصر بوريطة" بمعية كبار المسؤولين الأمريكيين، وترى ابتسامته العريضة في ندواته الصحفية معهم؛ ومع قادة أوروبا التي يجولها طولا وعرضا هذه الأيام؛ وترى بالمقابل، وفي نفس التوقيت، مِشية "تبون" الممسوخة، وضحكته الصفراء الفاقع لونها، وبجانبه الممسوخ "قيس"، واللذان ما خلا أحدهما بالآخر إلا كان الشيطان ثالثهما، تعلم يقينا بأن كل الجنون الذي يصيب هذا النظام هو جنون مُبرر، أو على الأقل جنون يستوعبه العاقل ويتفهمه.