الإفراج عن مجموعة من الجنود الجزائريين والسماح لهم بالعودة إلى بلدهم بعد أن تاهوا داخل التراب الوطني المغربي، إشارة قوية تعكس مستوى التعامل الإنساني والودي الذي ما تزال السلطات المغربية، تحرص عليه تّجاه البلد الجار. توغّل جنود مسلحين داخل أراضي بلد مجاور قد يمثل في بعض الحالات مصدر توتر أو إشارة عدائية ينبغي التعامل معها بكل حزم وصرامة، لكن كما يقول المثل "إذا عُرف السبب بطُل العجب". لقد اتضح أن الجنود المذكورين كانوا قد خرجوا في جولة تنقيب عن فقطر الترفاس أو الكمأ التي ينمو بشكل طبيعي في مناطق الحدود الشرقية، وجرت العادة بجنيه في هذه الفترة من السنة. نحن نتحدث إذا عن فرقة عسكرية من المفروض أن دور عناصرها هو تأمين حدود الجزائر، والحفاظ على مواقعهم، والتجاوب مع التعليمات الصادرة عن القيادة، وفقا للاحتياجات الأمنية والاستراتيجية. لكن من الظاهر أن الجيش الجزائري الذي يعيش حالة اهتراء معنوي ومادي منذ سنوات، يمر بحالة فراغ وانفصال تام عن الدعاية الرسمية لنظام الكابرانات الذي يحاول باستمرار إيهام الجزائريين بوجود حالة طوارئ أمنية وعسكرية، وإشاعة أجواء الخوف والترقب بدعوى التهديد الذي يمثله المغرب لاستقرار الجزائر وأمنها وحدودها. خروج الجنود الجزائريين وراء جني الترفاس هو أكبر ردّ على اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة، وخطابه العدائي الموجّه، واستعراضاته الكاريكاتورية التي يظهر فيها جنود جزائريون بعضلات مفتولة وهم يليّنون الحديد ببطونهم. ولسخرية القدر يتزامن شرود الجنود الهائمين وراء الترفاس مع حادثة توغل فرقة عسكرية جزائرية الأسبوع الماضي داخل الأراضي الموريتانية، وفي منطقة تيرس زمور على وجه التحديد. لقد حاول نظام الكابرانات في هذه العملية استعراض قوة مزعومة، ولا سيما بعد التقارب المغربي الموريتاني من خلال زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب. لكن سرعان ما اتضحت الصورة الحقيقية لجيش منخور، لا يعدو أن يكون مجرد نمر من ورق. جيش يضطر عناصره إلى البحث عن رزقهم تحت التراب بدلا من تصديق ترّهات الإيديولوجيا الكابرانية التي تجاوزها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب. والقرار الذي اتخذته السلطات المغربية بالإفراج عن هؤلاء الجنود وإعادتهم من حيث جاؤوا كان في الصميم. إنه يكشف للجزائريين المغرّر بهم أو الواقعين تحت الدعاية الرسمية أن المغرب ليس بلدا معاديا للشعب الجزائري، وأنه عبّر باستمرار عن ضبط للنفس وميل إلى السلم وتهدئة الأجواء، بينما يحاول قادة الكابرانات باستمرار خلق مناخ التوتر والصدام، وإيهام المواطنين الجزائريين بوجود أولويات أمنية زائفة. لقد تم الإفراج عن الجنود المعنيين بهذه الحادثة في ظرف وجيز لا يتجاوز الساعة والنصف، بينما ظل جثمان اللاعب الراحل عبد اللطيف أخريف محتجزا لدى السلطات الجزائرية لشهور طويلة، على الرغم من مناشدة أسرته في مدينة طنجة. وهذا هو الفرق الهائل الذي يظهر دائما بين سلوك الدولة التي تحترم التزاماتها الخارجية والدولية، وبين النظام الذي يستغل كل حادثة لتحقيق انتصارات وهمية. من الواضح أن ما حدث سواء خلال الاستعراض العسكري الأخير الذي تم تنظيمه قبل أسابيع، أو خلال حادثة جنود الترفاس يؤكد أن هذا النظام المنخور من الداخل، حوّل المؤسسات التي يحتمي بها إلى مجرد هياكل شكلية لا تهتم أبدا بمهامها الحقيقية والأصلية، التي تتعلق أساسا بضمان أمن المواطن الجزائري، وحمايته من التنظيمات الإرهابية المزروعة بعناية وسط البلاد. لقد تحول هذا الجيش للأسف إلى مجرد أداة استعراضية لتخويف المواطنين الجزائريين، وردع أيّ محاولة داخلية للاحتجاج أو التمرد أو رفع صوت المعارضة أو المطالبة ببعض الحقوق الأساسية. وهذا الأمر غير مستغرب في نظام يرتعش خوفا من هاشتاغ يعبر فيه المواطنون البسطاء عن عدم رضاهم عن الحالة العامة للبلاد.