توظيف الزليج المغربي في مراسيم حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية العسكرية بشرشال بالجزائر يمثل آخر حلقات الجنون الذي أضحى مسيطرا على عقول الكابرانات، والهوس الذي أصابهم تجاه المغرب وتجاه رموز ثقافته وتاريخه وحضارته. لم تعد هناك حدود لهذا الجنون بعد أن كسر الكابرانات كل القواعد والضوابط التي تنظم عادة مثل هذه الأحداث. ما الذي تعنيه إثارة مسألة الزليج في حفل عسكري ونسبته إلى الجزائر على الرغم من أنه تراث مغربي مسجل منذ الأزل في تفاصيل المعمار المغربي ويعرفه القاصي والداني ممن اطلع على تاريخ الحضارة المغربية وسبق له أن زار بلادنا وتمتع بجمالها وغناها المعماري. إثارة قضية الزليج في حفل عسكري بخطاب تحريضي واضح دليل على درجة التوتر العالية التي أضحى نظام الكابرانات يشعر بها عند المقارنة بين ما يمتلكه وما تمتلكه بلادنا على كافة المستويات والأصعدة الثقافية والحضارية والتاريخية. لقد كان من الممكن أن نتفهم مثلا حرص الإعلام الجزائري على نسبة هذا الزليج إلى الجزائر، أو حرص المثقفين أو الفنانين أو المؤسسات التعليمية أو الجامعية على ذلك. لكن أن يتولى الجيش الجزائري رسميا إعلان جزائرية الزليج فهذا منتهى الجنون الذي يمكن أن يصيب نظاما يبدو أن أعراض الانهيار والأفول قد تجمعت فيه كلها. ما معنى أن يرفع خريجو أكاديمية عسكرية شعار الدفاع عن الزليج حتى وإن كان فعلا جزائريا وتعرض للسرقة؟ لسنا هنا بصدد مناقشة مغربية الزليج التي حسمها التاريخ والثقافة كما قلنا منذ زمن. لكننا نريد أن نحاول فهم هذه العقلية العدائية التي تتفاقم يوما بعد يوم في نظام الكابرانات وتفرض سيطرتها وهيمنتها على كل مواقع الخطاب السياسي والرسمي، وتتشبث بالاستفزاز والابتزاز والرغبة في إثارة الفتن والقلاقل ضد المغرب. هل سبق لحفل تخريج الدفعات العسكرية في المغرب أن تضمن يوما ما إشارة واحدة بل مجرد رمز أو تلميح إلى الجزائر أو إلى معاداتها لبلادنا وتعديها على وحدتنا الترابية؟ لا يمكن أبدا أن تجد في هذه الحفلات التي تنظم سنويا ما يمت إلى ذلك بأي صلة، لأننا ببساطة نعيش في ظل نظام سياسي ناضج وعاقل، ويدرك عواقب الرسائل التي يمكن أن تُبعث هكذا جزافا دون أيّ تفكير أو تريث. لكن ما الذي يمكن أصلا أن نفعله في مواجهة نظام فاشل لم يعد لديه ما يقدمه لا لشعبه ولا لجيرانه ولا حتى لأعدائه. لا شيء، يمكن أن يقابل هذا الهراء الذي يظهر في الحفلات والمناورات العسكرية. لا رد يصلح لمواجهة خطاب جيش ما يزال يقدم مقاتليه وجنوده بعناوين الصاعقة واللبؤات ويضع على وجوههم سواد الفحم ويدفعهم في زمن الطائرات المسيرة إلى استعراض عضلاتهم تحت أشعة الشمس اللافحة، في عروض أقل ما يقال عنها أنها صبيانية ومتخلفة. من الممكن أن ترد على نظام تقوده نخبة متزنة وعاقلة لكن عندما يتعلق الأمر بمجانين ومهووسين قدّر الله وحشرنا معهم في هذا الركن من شمال إفريقيا، فلا مجال للعقل في عالم اللامعقول. وماذا بعد الزليج؟ كيف سيخرج اللواء الأسير السابق السعيد شنقريحة حفل تخرج الدفعة المقبلة في الموسم المقبل؟ نعم إن الأمر أشبه على ما يبدو بمسلسل تلفزيوني كوميدي ننتظر أن يظهر له جزء ثانٍ بعد أن شاهدنا جزأه الأول المضحك والهزلي. إن النصيحة الوحيدة التي يمكن أن نقدمها لهؤلاء الحمقى بعد أن استنفدنا كل تدابير التفكير والعقل والمنطق هي أن يبحثوا في العام المقبل عن إخراج أكثر عقلانية للأحداث الكبرى، وتخليصها قليلا من هذا الارتهان والهوس بكل ما هو مغربي.