الفضائح التي تسربت من الاستعراض العسكري الذي نظمه نظام الكابرانات بمناسبة الاحتفالات بذكرى الثورة الجزائرية، لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد. آخرها هو انتباه الكثير من المراقبين الجزائريين والمهتمين بالشأن العسكري إلى أن هذا العرض كان أشبه باستعراض أسلحة كرتونية ومضللة، ولا سيّما فيما يتعلق بالترسانة الصاروخية التي يمتلكها الجيش الجزائري. على سبيل المثال ركّز المراقبون على غياب صواريخ إسكندر على الرغم من مرور الشاحنات التي تحملها عادة. هذا المشهد يدعو إلى الاستغراب والسخرية من جهة، لكنه مقلق بالنسبة للكثير من الجزائريين، الذين أضحوا يتساءلون: هل يمتلك الجيش الجزائري فعلاً القوة العسكرية التي يدّعيها؟ وأين تذهب الميزانية الضخمة التي يصرفها؟ على سبيل المثال ستخصص ميزانية السنة الجارية أكثر من 22 مليار دولار للدفاع بما في ذلك مصاريف التسلح وتدبير الموارد القائمة. لكن الذي يتابع أطوار هذا الاستعراض العسكري يشعر فعلا بأن الجبل قد تمخض وولد فأراً. لقد أغلقت السلطات الجزائرية كل الطرق السريعة والمنافذ الكبرى في العاصمة، وعطّلت العمل في بعض القطاعات وكلفت المدينة ميزانية هائلة للتنظيم والاستعداد، وفي النهاية عرضت على الجزائريين مجموعة من العربات والمركبات الفارغة التي تمثل أقدم أشكال الخردة السوفياتية في الجيوش المنتشرة عبر العالم. فأين ذهبت إذاً صواريخ إسكندر التي يتفاخر بها الجيش الجزائري؟ من هذا المنظور يبدو أن الاستعراض كان مجرد تظاهر بالقوة لا أقلّ ولا أكثر. والذي يثير قلق المراقبين الجزائريين أن يكون الجيش الجزائري مفتقرا أصلا إلى هذه الصواريخ. بعبارة أوضح يبدو ألّا وجود لصواريخ إسكندر في الجزائر، وأن الجيش يتظاهر بامتلاكها فقط، بين تخلو مستودعاته منها، وهذا يعني أنه يعاني فراغا هائلا على المستوى الهجومي. بالنظر إلى أنه كان يعوّل كثيرا على هذه الصواريخ لإظهار قوة الجيش وقدرته الهجومية والدفاعية. والمثير للريبة في موضوع هذه الصواريخ هو أن الجيش الجزائري حاول إظهارها أول مرة عام 2020 في تدريبات عسكرية جرت في 13 نونبر، لكن المراقبين لاحظوا حينها أيضا أن لقطات عمليات إطلاق النار كانت ملتقطة عن بعد ولم يتمكنوا من رصد تفاصيل هذا السلاح والمعدات المرافقة له. ويتكرر مرة أخرى نفس التضليل والتعتيم في الاستعراض العسكري الذي جرى يوم الجمعة. وجاء المشهد كالتالي: شاحنات ضخمة على متن كل شاحنة منها جندي يرفع التحية العسكرية، لكن الصاروخ لا أثر له. وصاروخ إسكندر روسي الصنع، ويبلغ مداه 500 كيلومتر. وهو مصمم لضرب أهداف مثل مراكز القيادة وأنظمة الدفاع الجوي والبنية التحتية الحيوية. لقد كان من المفروض أن تمنح هذه الترسانة الصاروخية للجيش الجزائري تنوعا على مستوى المعدات العسكرية، لكن الغموض الذي يلفّها أضحى اليوم يحير المراقبين والنشطاء الجزائريين، الذين يتساءلون حول مدى صحة حصول الجزائر على هذه الصواريخ من روسيا، أو مدى صلاحيتها وجاهزيتها للاستخدام. فهل حصلت الجزائر فعلا على هذا النظام الصاروخي؟ أليس من المحتمل أن يكون قد تحوّل إلى مجرد خردة غير صالحة للاستخدام أو حتّى العرض؟ هذه الأسئلة المحيرة لا يمكن أن يجيب عنها غير جنرالات الجزائر، الذين يفضلون سياسة التعتيم والغموض في مثل هذه القضايا الأمنية الحساسة، التي تكشف في كثير من الأحيان فشلا ذريعاً في إدارة البلاد، وتدبير مواردها المالية والتقنية والبشرية. فمن المؤكد أنه لو كان الجيش الجزائري يمتلك فعلا منظومة صاروخية صالحة من هذا النوع لما تردّد أبدا في استعراضها من منطلق المنطق العدائي ضد المغرب والرغبة في نشوة التهديد على الأقل. ومن المؤكد أنه كان سيحاول استغلالها للتطبيل للمؤسسة العسكرية التي تسيطر على البلاد بقبضة من حديد. لكنه على ما يبدو أضحى حديدا صدئا، بعد أن تحوّل الجيش إلى نمر من ورق.