وجود الجنرال خواكين كينتاس سولا، نائب وزير القوات المسلحة الثورية الكوبية في الجزائر تزامنا مع ذكرى اندلاع ثورة التحرير، تحوّلَ من حضور بروتكولي ودبلوماسي تخليدا لهذه المناسبة إلى حملة علاقات عامة لإحياء بعض الصلات الخطرة التي تجمع بين كوبا والجمهورية الوهمية. وفي هذا السياق نسّق قادة نظام الكابرانات لقاء بين هذا المسؤول الكوبي وزعيم الميليشيا الانفصالية بن بطوش. واستحضار تاريخ العلاقات بين هذا البلد اللاتيني والجبهة الانفصالية والجزائر، يؤكد مرة أخرى أن النظام الجزائري مصرّ على ألعابه الخطِرة ومؤامراته الخبيثة، وربّما يخطط إلى مواصلة التجييش وتهيئة الجماعة المسلحة للأعمال العدائية التي تهدد بها استقرار المنطقة. لقد كانت كوبا في الماضي معقلا للفكر الثوري، وقد دفعها تاريخها هذا إلى لعب أدوار تخريبية من خلال الإسهام في إسقاط العديد من الأنظمة في أميركا اللاتينية وإفريقيا، عبر تدريب المقاتلين وتسليحهم، وتكوينهم على عقائد قتالية ماركسية متشددة. تغيّرت الأوضاع في كوبا كثيرا منذ وفاة الزعيم فيديل كاسترو، وحدث انفراج كبير في العلاقات مع المغرب، وبدأت ملامح تعزيز التعاون بين البلدين تلوح في الأفق، لكن إصرار النظام الجزائري على إقحام كوبا في هذا الصراع يمثل مرة أخرى رد فعل سلبي تّجاه الدعوات التي أطلقها مجلس الأمن الدولي مؤخراً، للدفع بعجلة السلام والتسوية النهائية للنزاع المفتعل، والقضاء على أيّ احتمال لاندلاع الحرب. بدلا من أن تتفاعل الجزائر إيجابيا مع مضامين القرار الأممي رقم 2756 الذي يدعوها إلى الإسهام البنّاء بدلا من الإصرار على الموقف العدائي، فإنها تحاول الإبقاء على آمال فارغة لدعم الانفصال، والدويلة الوهمية التي لا وجود لها إلا في تندوف وفي عقل شنقريحة وتبون. وعندما يتعلق الأمر بوزير مسؤول عن القوات المسلحة الكوبية، فهذا يعني بعث رسالة عدائية صريحة، نظرا إلى ماضي كوبا المعروف في تدريب المقاتلين المنتمين إلى الجبهة الانفصالية، ولا سيّما من الأطفال الذين يتم نفيهم في سنّ مبكرة إلى هذا البلد، حيث يخضعون لغسيل الدماغ الأيديولوجي والشحن الفكري ثم التدريب على استخدام الأسلحة، على الرغم من رفض أسرهم وعائلاتهم المحتجزة في تندوف. لقد كشف الاستعراض العسكري الأخير الذي نظمه الكابرانات خلال الاحتفال بذكرى الثورة الحالة المهترئة للعدّة والعتاد الذي يمتلكه الجيش الجزائري. وظهر بوضوح أن هذا الجيش لم يعد سوى فزاعة غير قادرة على حماية نفسها، فما بالك بإثارة الفزع أو الخوف هنا أو هناك. وبما أن هذا النظام أصبح يجد صعوبة بالغة في الحصول على الأسلحة والمعدات العسكرية، حتّى من أقرب الحلفاء مثل روسيا، فإن اللجوء إلى دعم بعض الأنظمة العسكرية التي تحتفظ برصيد تاريخي في المجال العسكري مثل كوبا يبقى هو المتسع الوحيد المتاح له، والفسحة المحدودة التي يمكن أن يراهن عليها. لكن ما لم تكشفه وسائل الإعلام الجزائرية حول زيارة المسؤول الكوبي هو أنه جاء أيضاً للمطالبة بمستحقات قديمة وصلت إلى ما يقرب من نصف مليار دولار، تتعلق بتدريب عناصر البوليساريو على مدار سنوات. ولعلّ السخاء الذي أعلنته الجزائر في مشروع قانون المالية الجديد فيما يتعلق بتمويل قطاع الدفاع بأزيد من 22 مليار دولار، هو الذي شجّع الوزير الكوبي على الحضور بحماس شديد إلى الجزائر، والمشاركة في الاحتفالات طمعا في تحصيل هذه الديون الكبيرة التي تطالب بها بلاده. ومن المؤكد أن توقف النظام الكوبي عن تقديم الدعم العسكري للانفصاليين سيكون له تأثير بالغ في قدرات الجبهة الانفصالية، وهذا ما اتّضح بقوة خلال السنوات القليلة الماضية، مع تردّي المعدات ونفور الشباب في المخيمات من عمليات التجنيد، وانتشار السخط ضد القيادة الحالية. لكن على ما يبدو، فإن الاستعراض العسكري الفاشل الذي نظمته الجزائر يؤكد أن الذي يحتاج حقا إلى الدعم العسكري ليس هو الجبهة الانفصالية بل هو الجيش الجزائري نفسه، ودباباته وطائراته الخرِبة وصواريخه الوهمية.