مرّة أخرى يتلقّى سفيرٌ جزائري من سفراء نظام الكابرانات استدعاءً للاحتجاج من إحدى الدول على سلوكيات وممارسات بلاده. يتعلّق الأمر هذه المرّة بسفير الجزائر في النيجر، الذي استدعته الخارجية النيجرية للإعراب عن تنديدها بالممارسات القمعية التي يتعرّض لها المهاجرون النيجريون في التراب الجزائري ولا سيّما في منطقة تامنراست. يأتي هذا الاستدعاء بُعيد أسابيع قليلة من استدعاء سفيري الجزائري في كل من مالي والكونغو الديمقراطية للاحتجاج على تدخّل نظام الكابرانات في الشؤون الداخلية لهذه البلدان وتأجيج نيران الصراع والفتنة. لم يسبق أن تعرّض سفراء دولة ما إلى هذا السيل من الاستدعاءات على خلفية قرارات أو مؤامرات أو انتهاكات تورّطت فيها السلطات الجزائرية. تحتجّ سلطات نيامي ضد ما أسمته "الحملة المنظمة" التي تستهدف المهاجرين المنحدرين من النيجر أو من دول أخرى، وترحيلهم إلى البلاد في ظروف لا إنسانية. تحدث هذه الحملات فوق التراب الجزائري، حيث كثيرا ما تعمد السلطات الجزائرية إلى توقيف هؤلاء المهاجرين قبل تجميعهم ونقلهم إلى الحدود النيجرية دون مراعاة الأوضاع القانونية أو الهشّة التي يعانونها. وقد أثارت هذه الممارسات التي يرتكبها نظام الكابرانات منذ سنوات طويلة غضب السلطات النيجرية التي أضحت ترى أن الكيل قد طفح، وهذا ما دفعها إلى اتخاذ قرار استدعاء السفير الجزائري وإبلاغه تنديدها واحتجاجها. وبالموازاة مع قرار الاستدعاء أذاع التلفزيون الوطني للنيجر مقابلات مع عدد من المهاجرين من جنوب الصحراء، قالوا إن السلطات الجزائرية داهمت مناطق يعيش فيها المهاجرون، أو اعتقلتهم في الشوارع أو في مواقع البناء، وتم طردهم جماعيا عبر الحدود مع النيجر، في ظروف غير إنسانية دون طعام أو ماء. وتواجه النيجر معضلة حقيقية بسبب هذا السلوك الجزائري بالنظر إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بمواطنين ينتمون إلى هذا البلد فقط ويمكن التحقّق من هوياتهم، بل بمواطنين ينحدرون من بلدان إفريقية أخرى، يصبح عليها تحمّل مسؤولية التكفل بهم ونقلهم إلى بلدانهم الأصلية بموجب ما تنص عليه القوانين الدولية والاتفاقيات التي تحمي حقوق المهاجرين. في المقابل يجد النظام الجزائري نفسه متحرّرا تماما من هذه المسؤولية بالنظر إلى أنه اعتاد على انتهاج هذا الأسلوب اللاإنساني دون أيّ اعتبار لهذه المقتضيات الحقوقية الكونية. هل يُدرك قادة هذا النظام ما معنى ترك مهاجر وسط الصحراء القاحلة دون ماء أو غداء؟ إنها عملية إعدام غير معلنة. وهناك فعلاً مئات من المهاجرين الذين يموتون بسبب هذه الرحلة الطويلة والمرهقة التي يقطعونها تحت درجة حرارة قياسية، بينما تواصل السلطات الجزائرية تجاهل التحذيرات والنداءات الدولية الداعية إلى توفير ظروف الترحيل الإنسانية. من الطبيعي أن يصدر هذا السلوك عن النظام الجزائري الذي لم يستطع إقرار منظومة حقوقية وقانونية محلية توفّر الشروط الإنسانية لإقامة المهاجرين أو ترحيلهم، علاوة على استمرار هيمنة النظرة العنصرية ضد المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. ومن المؤكد أن السلطات الجزائرية تمارس هذا النهج الذي يهدف إلى التخلّص من عبء الهجرة السرية التي تعانيها القارة السمراء منذ أعوام طويلة بعيدا عن أيّ عقاب أو رقابة، مع ما يعنيه ذلك من انتهاكات وخروقات تشمل الاعتقال التعسفي والاختطاف والمتاجرة بالبشر وتعريض حياتهم إلى الخطر وارتكاب جرائم قد ترقى إلى تلك التي يعتبرها القانون الدولي ضد الإنسانية. لماذا يعجز هذا النظام إذاً عن استيعاب هؤلاء المهاجرين وتوفير شروط الإقامة الكريمة لهم؟ هذا سؤال مهم للغاية بصرف النظر عن سؤال ظروف الترحيل. فإذا كان الاقتصاد الجزائري مزدهرا بالصورة التي يصوّرها النظام وإذا كانت المشاريع والأوراش المفتوحة بالحجم الذي تتحدّث عنه وسائل الإعلام الجزائرية، فهذا يعني أن الحاجة إلى هؤلاء المهاجرين قائمة، بما في ذلك أولئك الذين يدخلون إلى البلاد بطرق غير شرعية. فلماذا لا يتم استيعابهم في المنظومة الاقتصادية على غرار ما يحدث في بلادنا التي تمكّنت من إدماج عشرات الآلاف من المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء وفق شروط إنسانية وحقوقية تحترم كرامتهم؟