الخرجة الإعلامية الأخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كانت كالعادة كارثية بكلّ المقاييس. كذب ومشاريع وهمية وأحلام وردية، وحملة انتخابية قبل الأوان. يطلق الرئيس تبون الأرقام على عواهنها دون أيّ اعتبار إلى أن ما يتلفّظ به سيحظى بمتابعة الخبراء والمختصّين الذين سيحلّلون تصريحاته الشبيهة بأحاديث أساطير الخرافات والكذب في المقاهي والشوارع. لن نتوقف كثيرا عند الأرقام الخرافية التي تحدّث عنها الرجل ومنها رقم الناتج الإجمالي الذي يريد أن يوصله في ظرف وجيز إلى 400 مليار دولار، أو العملة الجزائرية التي يريد أن يحسّن أداءها في مقابل الدولار. هذه مجرد وعود فارغة تستبق الانتخابات الرئاسية المبكرة التي أُعلن عن تنظيمها في شتنبر المقبل. هناك جانب آخر لا يقلّ خطورة وجدّية في تصريحات تبون. إنها تلك الاتهامات التي أطلقها ضد دولة الإمارات العربية المتحدة دون أن يصرّح باسمها، متحدثا بلغة أقلّ ما يقال عنها أنّها مستفزّة وغير دبلوماسية ولا تليق برئيس ورجل دولة يُفترض أنه يتحمّل مسؤولية كلّ ما يصدر عنه من تصريحات ومواقف. المشكلة في هذه التصريحات أن كلام الرئيس الجزائري كان مجرد عموميات لم يقدّم عليها أيّ دليل واكتفى بتلميحات غامضة لكنّها أثارت غضب العديد من المسؤولين الإماراتيين الذين استغرب بعضهم في تعليقات وتدوينات لهذا الاستفزاز غير المبرّر. إذا كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يعتبر الإمارات كما ذكر في كلامه دولة شقيقة فلماذا لم يلجأ إلى القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها لتناول هذه الاتهامات إذا كانت لدى مؤسساته أيّ أدلة؟ من المتوقّع أن يكون لهذه الاتهامات التي صدرت عن الرئيس الجزائري ما بعدها. لأنها تشكل إعلانا رسميا عن بداية أزمة دبلوماسية أو قطيعة أو مواجهة بين البلدين، علما أن كلّ ما لمّح إليه تبون يبقى مجرد محاولات فارغة للهروب من تحمّل مسؤولية إدارة علاقات البلاد الخارجية في منطقة شمال إفريقيا والشرق والأوسط. ما دخل الإمارات العربية المتحدة في انتكاسات الجزائر وانهيار علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول؟ هل الإمارات العربية المتحدة هي المسؤولة عن توتّر العلاقات مع المغرب، الذي تعاديه الجزائر منذ منتصف السبعينيات؟ يجب أن يراجع النظام الجزائري هذه المواقف لأنه لا يحتاج إلى تدخّل أيّ قوى خارجية عربية أو أجنبية فهو يقوم بما يلزم من خلال آلية التدمير الذاتي التي يتقنها. النظام الجزائري دخل في مسار انتحاري منذ زمن طويل، وعداءه للعديد من دول المنطقة ليس جديدا. والتهجّم على الإمارات العربية المتحدة في الوقت الحالي ليس سوى دليل جديد على فشل هذا النظام في بناء علاقات طبيعية ومتوازنة مبنية على الاحترام المتبادل مع كلّ الدول العربية تقريبا. ماذا عن علاقة الجزائر بتونس وليبيا ومالي والنيجر وغيرها؟ هل هي علاقات جيدة؟ ماذا عن علاقات الجزائر بالكونغو والسودان؟ من الواضح أن الهجوم على الإمارات العربية المتحدة على لسان رئيس الدولة ليس سوى محاولة جديدة للهروب من الواقع والحقيقة الساطعة التي مفادها أن نظام الكابرانات تعتريه منذ زمن نوبة نسف كلّ العلاقات الدبلوماسية الطبيعية التي تربطه بمختلف الدول. والأخطر في تصريحات تبون الرعناء أنه ذكّر دولة الإمارات في سياق حديثه بشهداء الجزائر الذين وصلوا وفقاً لتصريحه إلى أكثر من 5 ملايين و600 ألف شهيدا. لا داعي للتوقّف كثيرا عند هذا الرقم الذي يعدّ في حد ذاته نكتة جديدة أطلقها تبون. لكن من الضروري أن نتوقف على ما ينطوي عليه هذا الكلام من تهديد وترهيب. كلّنا نفهم من هذه الخطاب أن رئيس الدولة الجزائرية يطلق تهديدا مبطّنا ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو أمر لا يحدث بهذه السهولة إلا في عرف الكابرانات. إطلاق التهديدات هو آخر ما يمكن أن يصدر عن رئيس دولة محترم لأنه يدرك جيدا أن ذلك يمثل إعلان حرب أو مواجهة وبداية القطيعة بين بلدين. لكن ما الذي تتوقعونه من رئيس اعتاد إسهال التصريحات الشهرية المليئة بالمواقف الانفعالية البعيدة عن أيّ رزانة أو تبصّر؟!