الصفعة التي تلقّاها نظام الكابرانات بعد انتهاء قمة بريكس-إفريقيا التي انعقدت بجوهانسبورغ مزعزعة وستأتي على البقية الباقية من الثقة المصطنعة لنظام "القوة الضاربة". لقد كان هذا النظام يعوّل كثيراً على الموافقة على طلب انضمامه أو أن يتلقّى على الأقل وعداً بذلك من أجل حفظ ماء الوجه على الصعيد الإقليمي والقاري. وما زاد إحراج الكابرانات بعد قرار مؤتمر بريكس الموافقة على طلبات دول أخرى على رأسها السعودية والإمارات ومصر هو أنهم بذلوا جهودا دبلوماسية جبارة وقدّموا رشاوى هائلة لنظام جنوب إفريقيا من أجل انتزاع مكتسبات دبلوماسية من هذه القمة كان أهمها ظهور زعيم الجمهورية الوهمية بن بطوش إلى جانب قادة وزعماء القارة الإفريقية ودول تجمع بريكس. والحال أن نظام الكابرانات خرج بخفّي حنين مرة أخرى من هذه المسرحية. فلا هو استطاع أن يجسّر العلاقة بين المنظمة الانفصالية والقوى الدولية المؤسِّسة لمنظمة بريكس وعلى رأسها روسيا والهند والصين، ولا هو استطاع أن يحصل على وعد بالموافقة على طلب الانضمام. إنهما صفعتان في الحقيقة، وهزيمة مزدوجة كان من الضروري أن يُمنى بها الكابرانات بسبب فقدان البوصلة وغياب الرؤية الاستراتيجية الواقعية التي يجب أن تنكبّ أولا على حلّ مشكلات المواطن الجزائري وضمان استقراره وأمنه. ففي الوقت الذي تعيش فيه البلاد أزمات لا تنتهي على مستوى التموين وتعرف معضلات تنتمي إلى تلك التي تغرق فيها دول من العالم الثالث، يحوّل جنرالات المرادية موارد الشعب وإمكاناته نحو معارك خارجية غالباً ما تنتهي بصدمات كهذه الصدمة الجديدة. كيف كان شعور تبون وشنقريحة عندما أعلن حليفهما رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، اليوم أن مجموعة بريكس، التي تضم البرازيلوروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- قررت رسمياً دعوة كلّ من الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، لتصبح دولًا كاملة العضوية في المجموعة؟ ربّما تذكروا الوعود الكاذبة لجوهانسبورغ التي أغدقت على الجزائريين بالكلام المعسول الذي يسيح عندما تشرق الشمس. ومن المؤكد أن الكابرانات سيدركون مرة أخرى أن فوائض البترودولار التي أنفقوها من أجل الظهور في مشهد القوى الدولية والالتحاق بركب بعيد عنهم ذهبت سُدى. لم تُعر دول بريكس أيّ اعتبار لدولارات الرئيس الجزائري الذي كان قد أعلن في وقت سابق استعداد بلاده المساهمة بمليار ونصف المليار دولار في بنك مجموعة بريكس للتنمية. والرّجل كان يعتقد أن هذه الحفنة من الدولارات كافية لكي تُسيل لعاب دول التجمع التي تنتج وحدها 23 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي. ما حدث لنظام الكابرانات في قمة بريكس-إفريقيا يؤكد مرة أخرى السذاجة السياسية البالغة لنخبة هذا النظام، وعجزها التام عن فهم ما يجري حولها من تغييرات وتحوّلات جوهرية وعميقة في خارطة النظام العالمي الجديد. لا يريد هؤلاء أن يدركوا أن عصر الحقائب والرشاوى التي كانت تشتري لهم ولاء بعض الأنظمة والاعترافات المزيفة بالجمهورية الوهمية قد ولّى. هل من المعقول أن يسعى نظام محترم وذكي إلى محاولة رشوة علنية على الملأ من أجل شراء مقعد في تجمّع يؤمن بالقدرة الإنتاجية والقوة التأثيرية في مجريات الأحداث العالمية؟ هل يريد الكابرانات مقارنة أنفسهم بدول تمتلك نفوذا دوليا هائلا مثل السعودية أو الإمارات؟ أيّ غباء سياسي هذا يحكم عقلية الجنرالات في الجزائر ويحجب عنهم شمس الحقيقة؟ الجزائر التي يعتقد تبون أنها قوة ضاربة مجرد نظام متهالك وعاجز حتى عن حلّ مشكلاته اليومية البسيطة التي من العار أن تستمر في دولة تصدّر مليارات الدولارات من النفط والغاز. عندما سيرى الرئيس الصيني أو الهندي طوابير الغاز والسميد والحليب اليومية في شوارع الجزائر فمن المستحيل أن يراهن على ضمّ بلد مثل الجزائر إلى هذه المنظمة التي تحتاج إلى قوى قادرة على التأثير والتغيير في النظام العالمي. لو اهتم الكابرانات بتأهيل اقتصاد الجزائر وتطويره وتنويعه، وتعزيز البنيات التحتية ووضع خطط التنمية البديلة عن اقتصاد المحروقات لكان أفضل لهم ولربّما تمكّنوا عبر ذلك من إقناع الدول المؤسسة لمنظمة بريكس بالانضمام أو على الأقل الحصول على وعد صادق بذلك.