كأن صفعة رفض تجمع بريكس عضوية الجزائر لم تكن كافية لإهانة الكابرانات وتسفيه أحلامهم. كان لا بد أن يكون تبرير القرار أيضاً مهيناً وصادماً لقيادة العسكر التي تركت أولويات البلاد الحقيقية وحاولت جعل مؤتمر بريكس-إفريقيا مناسبة للإساءة للمغرب ومكانته في القارة السمراء ووحدته الترابية، لكن السحر انقلب على الساحر وتحول هذا اللقاء إلى مسرح لأكبر هزيمة دبلوماسية يتلقاها هذا النظام منذ فترة. والهزيمة التي حصدها لم تتوقف عند صدمة رفض طلب العضوية بل امتدت إلى المبررات التي أدلى بها أقرب حلفاء الكابرانات ممثلا في وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. لم يراعي الرجل المعروف بخبرته وحنكته الدبلوماسية الدولية مشاعر الكابرانات وحالة الصدمة التي يعيشونها عندما فسر لوسائل الإعلام التي حضرت المؤتمر المعايير التي تم على أساسها اختيار 6 دول لقبول عضويتها في التجمع وهي: السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا وإيران والأرجنتين. هذه المعايير التي تحدث عنها سيرغي لافروف تمثل وحدها إهانة مباشرة موجهة إلى نظام الكابرانات الذي وعد شعبه على لسان الرئيس عبد المجيد تبون بالانضمام إلى هذا التجمع خلال سنة 2023. هل تعلمون ما المعايير التي اعتمدتها الدول الخمس المؤسِّسة لتجمع بريكس؟ إليكم التفاصيل. لقد صرح لافروف أن معايير اختيار الأعضاء الجدد ركزت على "هيبة الدولة ووزنها ومواقفها في الساحة الدولية". كما شملت هذه المعايير وفقاً لتصريح لافروف ضرورة ضمّ أعضاء من ذوي الأفكار المشتركة مع الدول المؤسسة. هذا المعيار وحده يمثل صدمة حقيقية ما دام نظام الكابرانات يعتقد واهما منذ زمن أنه قريب من روسيا ويعتبرها حليفا استراتيجيا منذ استقلال الجزائر في بداية الستينيات. والإهانة الأكبر المفهومة من كلام وزير الخارجية الروسي هي أن الجزائر لا تدخل ضمن نطاق الدول ذات الهيبة التي تمتلك وزنا ومواقف مؤثرة في الساحة الدولية. لعلّ لافروف لم يسبق له أن سمع الرئيس الجزائري يصف بلاده بالقوة الضاربة. بل ربما كان حديثه عن الهيبة والوزن مندرجا في خانة الجهل بالإنجازات التي يحققها نظام الكابرانات على مستوى المناورات والتمارين العسكرية الشهرية التي يشرف عليها الفريق الأسير السابق السعيد شنقريحة. لماذا لاذ الكابرانات إذاً بالصمت على الرغم من الإهانة الواضحة والصريحة التي يمثلها تصريح لافروف؟ من الواضح أن الأوهام التي لطالما روجها نظام الكابرانات عن العلاقة الوثيقة مع الحليف الروسي بدأت تتلاشى على الملأ. لم تعد موسكو تكلف نفسها حتّى عناء نهج الأساليب الدبلوماسية في توضيح حقيقة تموقعها لا سيّما فيما يخص العلاقة مع الجزائر. لقد سبق للرئيس تبون أن اعتبر في تصريحات رسمية أن موسكو من بين الدول التي تدعم عضوية الجزائر. وكانت جلّ القراءات الجزائرية لسيرورة هذا الانضمام ترجح أن الاعتراض الوحيد سيكون من الهند. والواقع يثبت اليوم أن جل أعضاء التجمع لم تُعر ملف الجزائر، إن كان هناك ملف أصلا، أيّ قيمة على الرغم من عملية النصب والاحتيال المتقنة التي قام بها نظام جنوب إفريقيا وانتزع من خلالها بعض المكاسب التجارية والمالية من نظام الكابرانات مقابل بيع أوهام العضوية. والصادم في هذا التبرير الذي قدمه لافروف وفقا للمعايير التي ذكرها هو أن الجزائر لا يمكنها بتاتا الالتحاق بهذا التجمع على المدى القريب أو المتوسط، ما دامت مواقفها وحضورها الدبلوماسي الدولي شبه منعدم ويعتمد على مرتكزات واعتبارات متجاوزة تعود إلى مرحلة الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي. لقد كان الجزائريون يعتقدون مثلا أن وجود رئيس اشتراكي على رأس هرم السلطة في البرازيل يمثل عامل دعم لملفّهم. والحال أن المعايير الإيديولوجية قد انقرضت منذ زمن طويل، ولم يعد لها أيّ اعتبار فيما يتعلق بتدبير العلاقات الدولية التي تركز اليوم على المكانة الاقتصادية وعوامل النفوذ السياسي القائمة على مدى قدرة الدول على تقديم الإضافة النوعية في مجالات المنافسة الجديدة. مجالات الصناعات الحيوية والنطاق الأمني الحساس والمعابر الاستراتيجية والفكر التطوّري الصاعد.