"صون استقلالنا يأتي بمساعدة قوية من روسيا الفيدرالية الصديقة في تسليحنا والدفاع عن حريتنا في ظروف إقليمية، صعبة وصعبة جدا". بهذه الجملة البكائية الاستعطافية ناشد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نظيره الروسي فلاديمير بوتين، بنبرة مرتبكة ومرتعشة من أجل مساعدة بلاده على تجاوز ما تعيشه من تهديدات حسب ادعائه. وبدى تبون وهو يتلعثم ويبلع ريقه في موقف لا يحسد عليه وهو يعرّي واقع الكابرانات ومدى الهشاشة الداخلية العميقة التي يشعرون بها في الظرفية الحالية. كان خطاب الاستعطاف الصريح هذا دليلا على أن الصدمة التي تلقاها تبون عند وصوله إلى روسيا كانت كبيرة بعد استبعاد ملف التعاون العسكري تماما من أجندة الزيارة. واستبعاد هذا الملف يعني أن روسيا أعلنت رسميا عدم استعدادها لمناقشة أي طلبات تسليح يمكن أن تقدمها الجزائر من أجل الحصول على طائرات أو صواريخ أو أي نوع من الذخيرة. لقد كان الرد غير المباشر على طلب تبون الذي وضع بلاده في موقف حرج هو أنه لا جدوى من استنجاد غريق بغريق. ويبدو أن التلعثم الذي ظهر على تبون وهو يتحدث عن ذلك كان محاولة لإحراج الرئيس بوتين والحكومة الروسية التي قررت مسبقا ألا مجال لمناقشة التعاون العسكري في الوقت الراهن. كان الرئيس الجزائري متخوفا من مخالفة التعليمات الروسية القاضية بتجنب الحديث عن هذه القضايا في الزيارة الحالية. لكن ما الذي يدفع تبون إلى المغامرة والتطرق إلى التسليح على الرغم من التحذير الروسي؟ السبب الأول سبب داخلي يتعلق بالأوضاع المتردية التي يعيشها الجيش الجزائري في الوقت الراهن ونظام الكابرانات بشكل عام. قبيل سفر تبون إلى روسيا بأيام قليلة فقط، تلقى هذا الجيش ضربة قاصمة في الجنوبالجزائري، في منطقة أزواد حيث أعلنت حركة تحرير جنوبالجزائر عن عملية استهدفت الجيش الجزائري وأدت إلى مقتل 16 عنصرا من عناصره. وعلى الرغم من التكتم الكبير الذي مارسته السلطات الجزائرية على هذا الحدث، إلا أنه يعكس هشاشة الاستقرار الذي يدعيه الكابرانات الذين يعجزون منذ سنوات عن التصدي للتهديدات الإرهابية والأمنية المحدقة بالبلاد. طبعا لا يقصد تبون في حديثه عن الظروف الإقليمية الصعبة التي تعيشها بلاده هذه الأحداث، وإنما يقصد بالضبط العلاقة المتوترة مع المغرب. السبب الثاني الذي يدفع تبون إلى إحراج بوتين الذي يعاني بدوره أزمة ذخيرة وعتاد كبيرة في حربه ضد أوكرانيا، هو شعور الكابرانات المتنامي منذ سنوات بالفجوة الهائلة التي أضحت قائمة بين قدرات الجيش الجزائري المتهالكة، وقدرات القوات المسلحة الملكية التي تستفيد من مصادر تسليح متنوعة ودورات تكوين وخبرات مناورات دولية من المستوى الرفيع، على غرار مناورات الأسد الإفريقي. هذه الفجوة أضحت اليوم واضحة لكل المتابعين في شتى المجالات سواء تعلق الأمر بالعتاد أو خبرة الجنود أو التخطيط أو اللوجستيك والتنظيم. ولا يمكن تفسير الرعب الذي ظهر على تبون وهو يطالب بالحماية الروسية إلا بالإدراك العميق للكابرانات لواقع انقلاب موازين القوى تماما في المنطقة. لكن كلام تبون ينطوي في الوقت نفسه على مغالطة جزائرية قديمة يحاول الكابرانات باستمرار الترويج لها وتثبيتها. هذه المغالطة هي التلميح إلى أن التهديد الإقليمي الذي يتحدثون عنه قادم من المغرب. يريد تبون من خلال هذا التباكي على الرئيس تبون إثبات نظرية العداء المغربي التي يروج لها هذا النظام، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع حاليا وتاريخيا أن المغرب لم يكن يوما ولن يكون سببا في تهديد استقرار الجزائر وأمنها، على الرغم من أن الجزائر تمثل مصدر تهديد لوحدة المغرب الترابية واستقراره. صحيح أن بلادنا وعلى رأسها قواتنا المسلحة الملكية لن تسمح أبدا بأي مغامرة جزائرية داخل حدود الوطن وأن الرد سيكون قاسيا وسريعا، لكن هذا التدخل سيظل دائما في نطاق حوزة الوطن ولن يذهب بعيدا عنه. وإذا كانت قواتنا المسلحة الملكية قد حققت تقدما كبيرا في عتادها وعديدها وخبراتها فإن ذلك كله يكون لأغراض دفاعية بالأساس. على الكابرانات إذاً أن يبحثوا عن الأسباب الحقيقية التي تهدد أمن الجزائر، واستقرار "القوة الضاربة" التي كان يتحدث عنها تبون منذ سنوات. لا توجد قوة ضاربة تطلب علنا الحماية من بلد آخر، وتكاد تتوسل لأجل ذلك خوفا من جيرانها أو من خصومها الداخليين. القوة الضاربة الحقيقية هي القادرة على تأمين حدودها دون تدخل القوى الأجنبية، وعلى نسج علاقات سليمة مع الجيران تقوم على ضمان المصالح المشتركة والأمن الداخلي.