لم يتوقف المغرب يوما عن تأكيد التزامه الإنساني بالتخلص من آفة الألغام في الصحراء بإزالتها للحد من المآسي التي تتسبب فيها. ومنذ 1975 تاريخ بداية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية تسبب الألغام التي زرعتها جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر في إصابة 388 شخصا قتل منهم 50 بين مدنيين وعسكريين. واليوم تواصل السلطات إزالة هذه القنابل الموقوتة التي خلّفها حقد الانفصاليين المدعومين من الجزائر، في عمليات تطهير لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد. ففي الفترة الممتدة من فاتح شتنبر 2021 إلى غاية 31 يوليوز 2022 وحدها استطاعت القوات المسلحة الملكية تدمير 52 لغما أرضيا مضادا للأفراد والدبابات، فضلا عن تدمير 770 قطعة من المتفجرات. هذا الجهد الذي تبذله القوات المسلحة الملكية حظي بإشادة رسمية من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقريره السنوي الصادر في أكتوبر الماضي، خصوصا أنه عمل شبه مستحيل بالنظر إلى غياب الخرائط الخاصة بتوزيع هذه الألغام التي نشرتها جبهة البوليساريو بشكل عشوائي في مناطق مختلفة من الصحراء المغربية. وترفض الجبهة الانفصالية إلى اليوم التعاون مع الأممالمتحدة بتقديم هذه الخرائط من أجل تسهيل عملية إزالة الألغام بعيدا عن المخاطر المحدقة بخبراء تفكيك الألغام علما أنها زرعتها بمحاذاة التجمعات السكنية ومناطق الرعي ونقط المياه في مخالفة صريحة للقوانين الدولية التي تقضي بتحمّل الجهة التي وضعت الألغام مسؤولياتها في التعرّف على أماكنها بعد نهاية النزاعات. الطريقة التي زُرعت بها هذه الألغام والإصرار على عدم تسليم الخرائط يظهر إلى أي حد كانت العصابة الانفصالية المدعومة من الكابرانات تتعامل مع هذا الموضوع بقدر كبير من الحقد والكراهية، التي لم تكن تهدف فقط إلى الاعتداء على الجنود المغاربة، بل كانت تسعى أيضا إلى ترهيب المدنيين ودفعهم نحو النزوح ومغادرة هذه المناطق المترامية الأطراف، لإعطاء الانطباع بأنها مناطق غير مأهولة ولا تتبع لأي جهة ذات سيادة. ووراء الانفصاليين تثبت مسؤولية النظام الجزائري الذي كان له دور كبير في انتشار هذه القنابل المدمرة على الأراضي المغربية. لقد كانت الجزائر تلعب دور الممول السخي من أجل تزويد الانفصاليين بأفتك أنواع الألغام المصنعة في الاتحاد السوفياتي ودول أوربا الشرقية. لقد أنفق نظام الكابرانات خلال السبعينيات والثمانينيات ملايين الدولارات لتزويد البوليساريو بهذه القنابل القاتلة من أجل فرض أمر واقع على أراضي الصحراء، والحد من حرية الجيش المغربي في مطاردة فلول الانفصاليين الذين كانوا يتحصنون في منطقة تندوف، ويخوضون انطلاقا منها هجماتهم الإرهابية التي لا تميز بين مدني أو عسكري. وبعد أكثر من عقدين من توقف هذه الحرب الطاحنة ما تزال علامات هذا الإرهاب دفينة في مناطق مختلفة من أراضي الصحراء المغربية، شاهدة على هذا الحقد الجزائري الذي طال المغرب. لم يتجرأ الجيش المغربي يوما على زراعة ألغام داخل التراب الجزائري وتهديد سلامة المواطنين والعسكريين الجزائريين على الرغم من الحرب القصيرة التي اندلعت بين المغرب والجزائر سنة 1963. كما أن الألغام التي زرعتها القوات المسلحة الملكية كانت كلها في مناطق مضبوطة بخرائط واضحة تسلمتها الأممالمتحدة وباشرت بتعاون مع الجيش المغربي عمليات تفكيكها. وما تزال عمليات إزالة هذه الألغام بمجهودات وخبرة عناصر القوات المسلحة الملكية متواصلة من أجل تطهير مختلف المناطق من أخطارها المحدقة، في الوقت الذي لا تبذل فيه الجزائر ولا ربيبتها البوليساريو أي مجهود ولو من خلال تقديم المعلومات الكافية من أجل الحد من مخاطر هذه الآفة. ومنذ 2007 إلى غاية متم أبريل الماضي، بلغت حصيلة إزالة الألغام تفكيك 5117 لغما مضادا للأشخاص، و16 ألفاً و907 ألغام مضادة للآليات، و21 ألفا و708 ذخائر غير مفرقعة من مختلف العيارات. إنه الجهد المغربي الخالص الذي ينسجم مع مقتضيات القانون الدولي ومع دواعي الحفاظ على سلامة الأفراد والمركبات في الأقاليم الجنوبية، وهو جهد ما يزال يقابله للأسف تعنت جزائري وانفصالي غير مفهوم يبخل بمعلومات كفيلة بإنقاذ الكثير من الأرواح وتجنّب العديد من الإصابات والعاهات المستديمة التي تتسبب فيها هذه الألغام. وهذا يعني أن إزالة الألغام المفرقعة لا بد أن تسبقه عملية لإزالة الألغام السياسية والنفسية المترسبة في عقلية الكابرانات وتدفعهم إلى تعطيل كل أشكال التعامل مع المغرب حتّى ولو كان ذلك لأسباب إنسانية خالصة.