سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أحمد الحليمي: إشكالية المساواة بين الجنسين تندرج في صلب إشكالية مرتبطة بالنمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي في بلد يعيش انتقالا اقتصاديا وديموغرافيا واجتماعيا ومجتمعيا
انطلقت، اليوم الخميس بالرباط، أشغال لقاء دراسي تنظمه المندوبية السامية للتخطيط حول موضوع "المساواة بين الجنسين.. شرط للتنمية المستدامة"، وذلك بمناسبة اليوم العالمي للمرأة. وتميزت الجلسة الافتتاحية لهذا اللقاء، المنظم بشراكة مع هيئة الأممالمتحدة للمرأة وبدعم من الاتحاد الأوروبي، بحضور السيد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط، وممثلة هيئة الأممالمتحدة للمرأة- المغرب، السيدة ليلى الرحيوي، وكذا نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي بالمغرب، السيد أليسيو كابيلاني. وسيشكل هذا اللقاء، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، مناسبة لتقديم عروض وحوارات على ضوء الأشغال الإحصائية والدراسات التي أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط حول وضعية النوع الاجتماعي في مختلف المجالات بالمغرب. وسيتم تقديم هذه الأشغال على شكل منصات رقمية ومقاطع فيديو تبرز، بطريقة ديداكتيكية وتفاعلية، مكتسبات وتحديات المساواة بين الجنسين، وذلك باعتماد تحليل اقتصادي لمعطيات غير مسبوقة مستمدة من الحسابات الوطنية. وفي ما يلي مداخلة أحمد الحليمي علمي خلال اللقاء المنعقد بمناسبة اليوم العالمي للمرأة تحت شعار"المساواة بين الجنسين، شرط التنمية للمستدامة": السيدات والسادة، اسمحوا لي بداية أن أعبر، باسم المندوبية السامية للتخطيط وباسمكم، عن عميق امتناننا لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، على العناية التي تفضل جلالته بأن يحيط بها أشغال هذا اليوم الدراسي الذي ننظمه بتعاون مع شركائنا، هيئة الأممالمتحدة للمرأة والاتحاد الأوروبي، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وذلك من خلال إضفاء رعايته السامية على أشغال هذا اللقاء، مما يدل على الاهتمام الكريم لصاحب الجلالة بالمرأة المغربية والتزامه الشخصي الراسخ الذي كرسه، منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين للنهوض بوضعها الاجتماعي واندماجها التنافسي في مسلسل التحديث والتنمية لبلادنا. ويجب أن أشيد أيضًا بجودة المساهمة التي قدمتها لأشغالنا هيئة الأممالمتحدة للمرأة، شريكنا التقليدي في دراسات هذه الإشكالية المعقدة للنوع الاجتماعي، وكذا الاتحاد الأوروبي الذي نأمل أن نوطد معه علاقات التعاون التي بدأناها بمجال الإحصاء ونسعى إلى تطويرها لتشمل الدراسات الاجتماعية والاقتصادية وتقييم السياسات العمومية، من أجل أن نقوم جميعا بتنوير أفضل للآفاق المستقبلية لعلاقات بلادنا مع محيطها الجهوي. السيدات والسادة، إن اختيارنا تخليد هذا اليوم العالمي للمرأة تحت شعار"المساواة بين الجنسين، شرط للتنمية المستدامة"، ليس نابعا من رغبة في النزوع نحو منظور تبسيطي يحول واقعا معقدا إلى أمر بديهي، بل يهدف أولاً إلى إدراج إشكالية المساواة بين الجنسين في بلدنا في سياق التزاماته الدولية والجهوية والميثاق الوطني المعتمد في نموذجه التنموي الجديد. إن إشكالية المساواة بين الجنسين تندرج، في الواقع،في صلب إشكالية أخرى أكثر تعقيدًا تتعلق بالنمو الاقتصادي والرقي الاجتماعي في بلد يعيش انتقالا اقتصاديا وديموغرافيا واجتماعيا ومجتمعيا. وفي هذا الإطار، اسمحوا لي ، السيدات والسادة ، أن أتقاسم معكم بعض الملاحظات والأفكار المنبثقة عن الأشغال التي أنجزتها المندوبيةالسامية للتخطيط. لقد أتيحت لنا في كثير من الأحيان الفرصة للتأكيد على تأثير البنيات الاقتصادية عليه شاشة الإدماج التنافسي للموارد البشرية ولا سيما المكون النسائي في مسلسل التحول الاقتصادي والاجتماعي ببلادنا. ويواجه، في الواقع، هذا التحول الضروري إكراها مزدوجا يثقل كاهل اقتصاد بلادنا. ذلك أن الاتجاه نحو الانخفاض للنمو الكامن لاقتصادنا والطابع الدوري الذي يميز معدل هذا النمو بارتباط مع التساقطات المطرية. إن تطبيق هذه الوضعية على الأنشطة الاقتصادية واجتماعية يحيلنا على صورة مشهد بشري ينقسم إلى اقتصاد منزلي يحاصر 58%من النساء، وسوق شغل ذو خاصيتين:عرض قليل التنوع وطلب على يد عاملة ضعيفة التأهيل وقليلة الإنتاجية. وعلاوة على ذلك، تظل العلاقات بين العرض الاقتصادي والطلب الاجتماعي متأثرة بتغيرات الظروف المناخية. فخلال المواسم الفلاحية الجيدة، تحسن النمو الكامن بنسبة تناهز 4٪ مع انعكاساتها الإيجابية على الدخل والتماسك الاجتماعي،في حين تراجع هذا النمو إلى مستويات متواضعة تبلغ حوالي 2٪،في فترات الجفافً. ففي الوسط القروي،يدفع توالي فترات الجفاف الحاد النساء المشتغلات إلى عدم النشاط، في الوقت الذي يتجه فيه الرجال، بالمدن، نحو الشغل الهش لتجاوز آثار الجفاف. وكلما أصبحت الظروف المناخية ممطرة، تعود النساء من جديد إلى النشاط. في هذا السياق، يبقى الطلب على اليد العاملة غير متنوع مع هيمنة قطاع الفلاحة (31٪ من النشيطين المشتغلين) وتواجد ضعيف في الصناعة (12٪) والعرض متسم بساكنة نشيطة غير مؤهلة وضعيفة الإنتاجية (53٪ من النشيطين المشتغلين لا يتوفرون على أي دبلوم و31٪ لديهم دبلوم متوسط و16٪ دبلوم عالي). وفي هذا الإطار،يظل الطلب الاجتماعي غير ملائم سواء بالنسبة للرجال أو النساء، مما يجعل البطالة تسجل نسبة 11٪ لدى الرجال و17٪ لدى النساء. وإذا كانت نسبة البطالة، حسب المستوى الدراسي، ترتفع بالنسبة للجنسين، فيجب الاعتراف بأن وضعية المرأة أكثر إشكالية، وخاصة بالنسبة لخريجات التعليم العالي اللاتي يواجهن صعوبات كبيرة في الحصول على شغل (33 ٪ مقابل 22٪ لدى الرجال). بالإضافة إلى ضعف تثمين الإمكانيات النسوية في سوق الشغل، تظل جودة الشغل المحدث للمرأة ضعيفة. فحين تتمكن المرأة من الحصول على شغل، فإن هذا الشغل يبقى متسما بشغل غير مؤدى عنه وبفوارق كبيرة في الأجور، حيث أن 64٪ من النساء المشتغلات يتوفرن على شغل مؤدى عنه مقابل 91٪ بالنسبة للرجال. كما أن جميع فروع النشاط تقريبًا تتميز بفارق كبير في الأجور يقدر بحوالي 30٪ على حساب النساء، وتعتبر هذه الفوارق أقوى في قطاع الصناعة. ويظل هذا الفارق قويا جدا في قطاع الصناعة حيث يصل مؤشر المناصفة 2.45. وبصفة عامة تشتغل النساء في قطاعات ذات إنتاجية ضعيفة. وكما يتضح من الحساب التابع الخاص بالشغل، أن إنتاجية النساء سواء في قطاع الفلاحة أوالصناعة أقل من متوسط الإنتاجية لهذه الفروع بنسبة 75٪ و45٪ على التوالي. وتظل المرأة، في الواقع، حبيسة الوزن التاريخي للعلاقات الاجتماعية وتواجهه بجهد أكبر مقارنة بالرجل. إلا أنها تعيش نفس الوضعية إلى جانب الرجل، التي يتيحها سوق الشغل الذي يتسم بقلة إحداث فرص الشغل بصفة عامة وبوثيرة أقل للشغل اللائق بصفة خاصة. وهكذا، فإن التراجع المتواصل لنسبة النشاط لدى النساء هي، في الواقع، إحدى الخصائص الهيكلية لوضعية المرأة بالمغرب، حيث لا تتجاوز هذه النسبة 21٪ حاليا، بعدما بلغت 30٪ في بداية العقد الأول من القرن الحالي، وهو ما يدل على ضعف تثمين الإمكانيات الكامنة التي تشكلها، على الخصوص، النساء غير النشيطات. ويتضح من المقارنة بين فترتي 2000-2009 و2010-2019، أن مساهمة المرأة في النمو الاقتصادي قد انتقلت من 22٪ خلال الفترة الأولى إلى مساهمة سالبة قدرها 33٪ خلال الفترة الثانية. وتعزى هذه الخسارة في جزء كبير منها إلى تزايد عدم النشاط لدى المرأة الذي سجل مساهمة سالبة تقارب 16٪ في النمو الاقتصادي. السيدات والسادة، في ظل الظروف الحالية للبنيات الاقتصادية، ومع مراعاة الخصائص الفردية والاجتماعية والاقتصادية للمرأة، تبين تقديرات الإمكانات النسوية أن ما يقارب 1.7 مليون امرأة غير نشيطة يمكن أن تصبحن نشيطات مشتغلات مستأجرات. ومن شأن تعبئة هذه الإمكانات أن تؤدي إلى رفع معدل النشاط لدى النساء إلى 34.8٪ والزيادة في القيمة المضافة الإجمالية بنسبة 13٪. وعلى الرغم من وضعيتها في سوق الشغل، تتوفر المرأة على قدرات أكبر لتثمين المهارات التي اكتسبتها في مسارها التعليمي والتكويني. ففي الوقت الراهن، تشكل الإناث أكثر من نصف المسجلين بالمعاهد والمدارس العليا (57٪)، وتدير النساء 13٪ من المقاولات المنظمة و19٪ من المؤسسات غير الهادفة للربح. كما تمثل40٪ من الأطر العليا وأعضاء المهن الحرة والأطر المتوسطة وربع مناصب المسؤولية في الإدارة العمومية. ويعرف ولوج المرأة المغربية إلى مناصب القيادة تطورا تدريجياً ويحدث تغييرات أساسية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والمؤسساتي. فعوض تحمل أعباء البطالة، فإن كفاحها انتقل، اليوم، إلى مجال آخر يتجلى في تأنيث ظاهرة الهجرة، حيث تمثل النساء حوالي ثلث المهاجرين وحوالي نصف الجالية المغربية في بلدان أوروبا. ويسجل مستوى التعليم لدى النساء المهاجرات مستوى أكبر مما هو عليه لدى الرجال، حيث أن 44.7٪ من النساء المهاجرات بلغن مستوى التعليم العالي و20.1٪ مستوى التعليم الثانوي مقابل 28.4٪ و16.2٪ على التوالي لدى الرجال. السيدات والسادة، بالنظر إلى ضعف التحول في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، تظل 8 نساء من كل 10 خارج سوق الشغل، معظمهن ربات بيوت (73.7٪) أو تلميذات أو طالبات (15.1٪). تكرس النساء في هذه الحالة أنفسهن بشكل أساسي لرعاية الأطفال والأشغال المنزلية (54٪). وفي ظل هذه الظروف، تكون المرأة مسؤولة بنسبة 84٪ عن خلق القيمة المضافة للأنشطة المنزلية، وخاصة خدمات إعداد الوجبات وصيانة البيت. كما تساهم في تمدرس أطفالهن من خلال تخصيص 70٪ من خدمات الدعم المدرسي. وإجمالا، تخصص النساء ما معدله 5 ساعات يوميًا للأشغال المنزلية، أي ما يقرب 7 أضعاف من الوقت المخصص من طرف الرجال. إن دخول المرأة إلى الحياة العملية لم يعفيها من مسؤولياتها الأسرية، ذلك أنه رغم ممارستها لنشاط مهني، تستمر المرأة في تخصيص 4 ساعات و17 دقيقة للعمل المنزلي. إن النساء، سواء كن نشيطات مشتغلات أو ربات بيوت، يشاركن بفعالية في الرفاه الاجتماعي للأسرة، حيث يلعبن دورًا مهما في استقرار المجتمع من خلال المساهمة في إعادة الإنتاج الاجتماعي للقوى العاملة. إن حضور المرأة المتزايد في الفضاء العمومي وانخراطها القوي في المجتمع المدني وولوجها إلى المعرفة وإلى الملكية، وغدا إلى السلطة كلها عوامل تبشر بتعزيز دور القيادة للمرأة الذي ستكون نتائجه حاسمة في التحولات وقيم المجتمع. إن هذه التغيرات سوف لن تحدث تلقائيا وقد تعترضها السياسات العمومية لكن ليس بسهولة، وعلى العكس من ذلك، يمكن لهذه السياسات العمومية بل يجب عليها تسهيل هذه التغيرات وخاصة عبر سن سياسة للتمييز الإيجابي. السيدات والسادة، في هذا الإطار، فإن الأشغال الإحصائية المنجزة من طرف المندوبية السامية للتخطيط منذ بداية هذه الألفية، لم تتوقف عن مضاعفة المؤشرات المستجيبة للنوع الاجتماعي، من خلال تسليط الضوء بشكل منتظم على الفوارق بين الرجال والنساء داخل الأسرة وخارجها في الحياة النشيطة. فبخصوص كل برنامج من البرامج الكبرى للتنمية، سواء برنامج أهداف الألفية للتنمية أو أهداف التنمية المستدامة، لم تتوقف البحوث الإحصائية عن التنوع، من حيث التغطية الموضوعاتية والمنهجيات وأنماط العرض والنشر. وهكذا، توجد اليوم، على المنصة الرقمية للمندوبية السامية للتخطيط، العديد من قواعد المعطيات المتعلقة بالإحصائيات العامة المستجيبة للنوع الاجتماعي، وبشكل خاص تلك المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة والتي يتم الاطلاع عليها من طرف عدة ملايين من الرجال والنساء في المغرب عبر العالم. وبالموازاة مع هذه الإحصائيات، تساهم الدراسات الاجتماعية والاقتصادية وتقييم السياسات العمومية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، في تسليط الضوء على الفوارق بين الجنسين في الولوج للملكية والمعرفة والسلطة. إن المنصات الرقمية المعروضة في هذه القاعة تمكن من الاطلاع بشكل تفاعلي وديناميكي على جزء كبير من المعطيات الإحصائية على شكل مطويات وكتيبات وبيانات وصور ورسوم بيانية تسلط الضوء بشكل شامل على الفوارق بين الجنسين في مختلف الميادين. السيدات والسادة، اسمحوا لي أن أختتم بتقاسم معكم وجهة نظر يمكن اعتبارها نقدا ذاتيا من طرف مسؤول على المندوبية السامية للتخطيط مكلف، تحديدا، بالإحصاء. ذلك أنه لديّ شعور يشبه قناعة بأنه عندما يتعلق الأمر بمجتمعات في مرحلة انتقالية، حيث يُواصل ثقل العلاقات الاجتماعية التقليدية وضع النساء في فخ العمل المنزلي، يبدو لي أن المعطيات الإحصائية حول الفوارق بين الجنسين،انطلاقا من توزيع حسب الجنس (رجال-نساء) في جميع المجالات، على الرغم من فائدتها، تحمل في طياتها بعض اللبس، في تأويلها أو تصورها من طرف بعض الشرائح من الرأي العام. ويستمد هذا اللبس من هذه المقاربة التي تقدم باستمرار معطيات حول النساء مقارنة بالرجال. وبذلك، فإن هذه الإحصائيات تعيد، إلى حد ما،إنتاج ارث تبعية النساء في علاقاتهن بالرجال، مما سيكرس النظرة الدونية لوضعهن. فالنساء بمستوى تعليمي أقل، وتأهيل ضعيف، ويمارسن أنشطة أقل إنتاجية بأجر ضئيل سيتوجهن، بطبيعتهن، إلى الأشغال المنزلية ورعاية الرجال الذين يعانون هم أيضا من ظروف البطالة والعمل الهش. ومن أجل تبديد أي سوء فهم، ما أعنيه هو أن مقاربة النوع الاجتماعي من خلال توزيع الإحصائيات حسب الذكور والإناث لن تستجيب للأبعاد النظرية والوظيفية لهذا المفهوم إلا إذا تم إدراجها في تحليل شامل للأوضاع الخاصة التي تعرفها النساء في حياتهن اليومية، وتطلعاتهن وأحلامهن وذكائهن الاجتماعي لما هو أبعد من المجال الاقتصادي، ومن تم كل مقارنة وبشكل أقل منافسة مع الرجال. ولذلك فإن الآثار المترتبة على كل سياسة للنوع الاجتماعي تندرج بالضرورة في إطار مشروع للتحول العميق للبنيات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية. ولذلك، فإن الأمل كبير في أن تلقى الأعمال الإحصائية والدراسات الاجتماعية والاقتصادية وتقييم السياسات العمومية التي تقوم بها المندوبية السامية للتخطيط،صدى أوسع وتثمينًا أكبر من خلال القيم المضافة لتعدد التخصصات في الأوساط الجامعية.