زيارة بابا الفاتيكان للمغرب هذه الأيام ليست زيارة عادية بالنسبة لدول المنطقة، هذا إذا افترضنا أن الزيارات التي يقوم بها بابا الفاتيكان إلى دول أوروبية أو أمريكية تبقى زيارات عادية، وفي الحالتين معاً، نحتاج إلى قليل أو كثير تدقيق لقراءة هذه الأحداث التي تأتي في سياقات زمنية حافلة بالتطورات. لنترك تفاعل أبناء الفضاء الأوروبي والأمريكي وباقي الفضاءات الغربية مع هذه الزيارة، وهي تفاعلات تؤكد أن مكانة الدين في المخيال الغربي لا زالت حاضرة بقوة رغم مطارق المدارس الفلسفية، منذ قرون مضت، بما في ذلك مدرسة النقد العلماني الذي أفرز لنا مجموعة من النماذج الغربية في التعامل مع المسألة الدينية، وأهل الغرب أدرى بشعاب وتفرعات هذه المدارس. لنترك هذه التفاعلات والقراءات، حتى نتوقف عند التفاعل المحلي مع الزيارة المرتقبة في غضون نهاية الأسبوع الحالي. يجب التذكير بداية بأن المغرب كان أول بلد مسلم في حقبة ما بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، يستقبل أعلى سلطة دينية مسيحية، كان ذاك على عهد الملك الحسن الثاني، عندما استقبل بابا الفاتيكانفي عام 1985. من المهم استحضار هذه الإحالة على واقعة جرت قبل منعطف اعتداءات نيويورك وواشنطن المؤرخة في 11 شتنبر 2001، حتى نأخذ أهمية الاعتبار دلالة هذه الزيارات، القديمة والجديدة، وبيان ذلك أنه مباشرة بعد تلك الاعتداءات، سوف تجد الدول العربية والإسلامية نفسها في مرحلة ضعف سياسي وإصلاحي، أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية، باعتبارها قوة عظمى، ولكن أصبحت في ظرف بضع سنين أشبه بما اصطلحنا عليه حينها ب"الأسد الأمريكي الجريح"، والذي لم يكن يتقبل أي نقد صادر عن صناع القرار في المنطقة، وبالكاد عاينا انتقادات صادرة عن أقلام فكرية أوربية وأمريكية، بينما التزمنا الصمت في المنطقة العربية، وانخرطت الدول العربية في تمرير ما اصطلحنا عليه حينهاأيضاً، برسائل الطمأنة وحسن السيرة، كما اتضح ذلك في العديد من المشاريع والإشارات، نذكر منها إشارة واحدة على الأقل، ذات دلالة، وهي إطلاق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في دولة سلطنة عمان، مجلة فكرية بعنوان "التسامح" (كذا)، بإشراف المفكر اللبناني رضوان السيد شخصياً، قبل أن يتحول إسم المجلة لاحقاً، بعد هدوء العاصفة الأمريكية سالفة الذكر، نحو إسم "التفاهم". الشاهد هنا أن المغرب حينها، لم يكن في حاجة لأن يتحدث عن إيمانه بالتسامح، لأنه كان أول دول مسلمة تستقبل بابا الفاتيكان، هذا دون الحديث عن تميز المجال الثقافي/ الديني المغربي باحتضان اليهود منذ قرون، كما تشهد على ذلك أحياء "الملاح" والزخم الثقافي المغربي اليهودي في الفكر والدين والفن والأدب..إلخ، ومعطيات أخرى يصعب حصرها في هذه المقالة. عندما تغيب عنا هذه المعطيات التاريخية، وغيرها بالطبع، نُعرض أنفسنا للسقوط في قراءات اختزالية أو أحادية في معرض التفاعل مع هذه الزيارة، ولا نتحدث عن التوجس الذي نستشفه في تفاعل العقل الإسلامي الحركي، لأنه من جهة، هذا عقل حرٌ في الاعتقاد فالأحرى التفكير، وبالتالي هذه مسألة شخصية، كما أنه عقل لا يمثل إلا نفسه وبالتالي لا يُمثل المغاربة، شعباً ومؤسسات، وثالثاً، لأنه لا أحد من المغاربة، خوّل لهذا العقل أن يكون ناطقاً باسمهم، وبالتالي ما يصدر عن الأقلام الإسلاموية، سواء كانت تعلن الانتماء إلى هذه المرجعية أو تمارس التقية، أمر لا يهم المغاربة، طولاً وعرضاً. نحن نتحدث هنا عن أقلام مغربية وطنية، بحثية وإعلامية، ولكنها لا تفقه على ما يبدو أهمية هذه الزيارة ودلالاتها في زمن حضاري حرج تمر منه المنطقة العربية التي تعيش على إيقاع "الفوضى الخلاقة"، أو "الربيع العربي" بتعبير مجلة "شؤون خارجية" الأمريكية. لقاء بابا الفاتيكان مع أمير المؤمنين، ليس لقاءً عابراً، لأننا نتحدث عن مؤسسات ولا نتحدث عن أشخاص، ويكفي في الحالة المغربية، حتى نأخذ فكرة مُبسطة عن مكانة وثقل مؤسسة إمارة المؤمنين، أنه كان علينا تأمل تفاعل المغاربة مع اعتداءات الدارالبيضاء (2003)، مشروع "مدونة الأسرة" (2004)، أحداث "الفوضى الخلاقة" (2011)، وأحداث أخرى، حتى يستوعب المغاربة، عامة وخاصة أهمية هذه المؤسسة، وقس على ذلك مكانتها على الصعيد الخارجي (الإفريقي مثلاً)، ولو أن ترويج هذا النموذج يحتاج إلى كثير عمل نظري وميداني للفاعلين الدينيين، وهذا موضوع آخر، تطرقنا إليه في بعض الإشارات، ضمن خلاصات تقرير "حالة الدين والتديّن في المغرب (2015-2017)، الصادر عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث منذ شهور مضت. والمأمول أن تكون هذه الأقلام في مستوى الحدث، وألا تتورط في مراهقات فكرية أو سياسية، لأن سياق اللحظة لا يحتمل ذلك.