بقلم الدكتور عبد النبي عيدودي/باحث في الشؤون السياسية و الدينية لا ينكر إلا جاحد أن المملكة المغربية أرض التسامح و التعايش بين الأديان، فمنذ نشأتها لأزيد من 1000 سنة و المملكة المغربية تدافع بلا هوادة على مبدأ التعايش بين الأديان السماوية، حيث تكفل إمارة المؤمنين حق اليهودي في ممارسة طقوسه و حق المسيحي في ممارسة شعائره و حق المسلم في أداء مناسكه و أركانه و القيام بها عبادة و معاملة دون منع أو وقف أو قهر في ذلك. هذا ما تمثل في المملكة المغربية عير العصور، في العصر الحديث سنة 1988 استقبل الراحل الحسن الثاني قداسة البابا بولس الثاني، و تجسد في هذا الاستقبال الروح السمحة التي حملها أمير المؤمنين الحسن الثاني أنذاك ودافع عنها و تجسدت في قوله و فعله و في قراراته أيضا. واليوم بعد 30 سنة يعود الكرسي الرسولي المسيحي إلى المملكة الشريفة ليجدد أوصل المحبة و الإخاء بين المسحية و الإسلام، بإعتبارهما دين خرج من مشكاة واحدة، فإن قالت المسيحية أن عيسى ابن الله فنحن نقول أن عيسى كلمة الله ألقاها إلى مريم البتول. و رغم الاختلاف في المعتقد بين الديانتين إلا أن المملكة المغربية تحت قيادة أمير المؤمنين حامي حمى الوطن و الدين ظلت تمد يدها إلى الأديان الأخرى السماوية و الأرضية فلا تكره أحدا على اعتناق الإسلام و لا تكره أحدا على اتباع أي معتقد أخر بل تدافع عن حرية التدين و المعتقد. زيارة بابا الفاتيكان أيام 30 و 31 مارس 2019 هي محطة مهمة في تاريخ المملكة المعاصر و يمكن قراءة هذه الزيارة من زوايا متعددة، أولا من الزاوية الدينية، هذه الزيارة تؤكد أن الإسلام الدين السمح الذي امتازت له المملكة المغربية يتأكد اليوم قوته في التفاعل الإيجابي مع باقي المعتقدات و باقي الأديان. و من خلال هذه الزيارة التي يقوم بها قداسة البابا الفاتيكان بالمملكة المغربية يسجل المغرب السبق في المنتظم الدولي بأنه دولة إسلامية متسامحة تدافع عن السلام و الأمن العالمين و تضمن و تكفل حرية المعتقد لجميع مواطنيها و رعاياها. و يمكن قراءة هذه الزيارة من الناحية الدبلوماسية الدينية التي تلعبها إمارة المؤمنين، فباعتبار أن المسيحية هي ديانة عريقة يعتنقها أزيد من 3 مليون معتقد في العالم في القارات الإفريقية و الأسيوية و الأوروبية و الأمريكية، و هؤلاء المعتنقون لهم حب خاص لقداسة البابا و قداسة البابا لهم منزلة خاصة في قلوبهم و في عقولهم باعتباره يمثل الكرسي الرسولي أو النيابة للمسيح عن الله عز و جل. فجميع القنوات الإعلامية و جميع المعتنقين سيتابعون هذه الزيارة لقداسة البابا إلى المغرب و سيتم تقلها عبرة مجموعة كبيرة من القنوات الفضائية بمختلف توجهاتها و لغاتها و أجناسها و سيعمق التعريف بالمغرب على مستوى جميع القارات و عند جميع الدول بمناسبة هذه الزيارة الميمونة المباركة التي تعد احتفالية كبيرة للسلم و الأمن و التعايش بين الأديان و الحضارات و التأكيد للتسامح الممكن بين الإسلام والديانة المسيحية . ثم يمكن قراءة هذه الزيارة من الناحية السياسية و خاصة في العلاقات الدولية، في الوقت الذي ننظر إلى الوطن العربي و بالأخص إلى المغرب العربي الكبير، نشهد ما تعيشه لبيا و الجزائر و تونس و موريطانيا من صراع حول السلطة و تثبيت النسق السياسي الذي سيحكم البلاد، نجد المملكة الغربية تحافظ على نسقها السياسي و توازنها الإجتماعي و الرأي العام الدولي سينتبه إلى هذه المفارقة. المغرب يستقبل قداسة البابا ليثبت وحدة نظامه السياسي و استقراره الإقتصادي و الأمني، في حين أن الجزائر و لبيا ما تعرفانه من حراك شعبي جماهري يهدد السلم و الأمن الداخلي من جهة و يفقد اعتبارية الدولة دولة الجزائر في المنتظم الدولي. ثم من زاوية الإستثمار و الإقتصاد، يمكن اعتبار هذه الزيارة رسالة من المملكة المغربية و من إمارة المؤمنين إلى جميع المستثمرين و الفاعلين في المجال الإقتصادي و التجاري، تؤكد أن المغرب يعرف استقرار ا و أمنا يشجع على الاستثمار و التجارة، عكس ما يحدث في البلدان المجاورة مثل الجزائر أو ليبيا، و بالتالي تبقى المملكة المغربية هي نقطة مهمة للفاعل الإقتصادي و التجاري من أجل الدخول إلى أفريقيا و الاستثمار فيها بشكل آمن و وفق معادلة رابح رابح. من خلال هذه القراءات المتواضعة يمكن أن نخلص إلا أن زيارة البابا فاتيكان إلى المغرب هي زيارة ذات طابع مهم و ستحمل معها طبعا تعريف أكثر شمولية و تفصيلية و توضيح للملكة المغربية لدى باقي الدول و باقي الفاعلين و المستثمرين و زيارة ستكون أيضا تأكيد لوحدة النسق السياسي في المغرب من جهة و استقرار المملكة في وضعها الداخلي و الأمنيي و الإقتصادي و الإجتماعي ثم قدرتها على أن تكون قبلة للمستثمرين و محطة للإقتصادين الدوليين للاستثمار بشكل ناجح و آمن.