عنوان المقالة، من وحي إحدى روائع عالم اللسانيات والمحلل السياسي الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي، والحديث عن كتابه "سنة 501: الغزو مستمر" (صدرت ترجمته إلى العربية عن دار المدى)، ويتطرق فيه إلى واقع القارة الأمريكية، الجنوبية واللاتينية تحديداً، بعد مرور 500 سنة عن أولى محطات الغزو الأوربي، وأخذاً بعين العدة المعرفية والمطرقة النقدية للرجل، فلنا أن نتخيل الخطوط العريضة لهذا الكتاب الذي ننصح به القراء، على الأقل، سوف تساهم هذه القراءة في محو أمية الكتاب والباحثين، فالأحرى أمية الرأي العام. مناسبة الكلام، مرتبطة بأجواء الرداءة التي تحاصرنا من كل جانب في الساحة المغربية، والتي أصبحت تطال مجموعة من القطاعات الحيوية، في السياسة والثقافة والإعلام ووالدين والاقتصاد وغيرها من القطاعات، مع بعض استثناءات، حتى نكون منصفين قليلاً أو كثيراً، من قبيل ما نعاينه في الحقل الكروي على عهد رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، أو ما نعاينه في الحقل الأمني، على عهد المدير العام للأمن الوطني، وبشهادة الأجانب قبل المغاربة، حتى لا يُؤاخذ علينا أن نُمرر خطاب المجاملة. ولكن هذه الاستثناءات، لا تغطي غابة الواقع الذي لا يرتفع، وعنوانه الرداءة شبه المُعممة، إلى درجة أصبحنا نستفسر فيها عن أسباب غياب وجود الأسماء الإصلاحية سالفة الذكر (في الرياضة والأمن) في باقي القطاعات؟ كيف نفسر، في الحقل الديني مثلاً، هذا الانتقال الغريب من زمن القاضي عياض والمختار السوسي والعباس السبتي وكثير من العلماء والفقهاء والصلحاء، نحو لائحة عريضة من الجهالات الدينية التي تزايد على إسلام المغاربة، كما لو كنا في مجتمع جاهلي يحتاج إلى من يُعلمه دينه، أو إصرار بعض الأسماء الإسلاموية، على ادعاء الطهرانية الدينية والسياسية، مقابل نزع هذه الطهرانية على المجتمع والدولة. لنتأمل كم المغالطات وادعاء الطهرانية في تصريحات بعض أعضاء حزب إسلامي حركي يقود العمل الحكومي، إلى درجة يتوهم معها المتلقي أن المجتمع المغربي غارق في الرذيلة، ووحدهم أعضاء هذا المشروع وغيره، مُنزه عن السقوط في الرذيلة. [من باب الشيء بالشيء يُذكر، يجب التنبيه إلى أن ما يُصطلح عليه ب"النموذج المغربي في التديّن"، أصبح مهدداً بشكل غير مسبوق، وسوف نتطرق إلى هذه الجزئية الدقيقة والمؤرقة في مقالة قادمة بحول الله]. هذا عن الحقل الديني، أما الحقل الثقافي والفكري، فالأمر سيان، ويكفي تأمل استحضار ثقافة "الشلة الثقافية" أو "الكانتونات الثقافية"، دون التقزيم من أمراض موازية، من قبيل تواضع ثقافة الاعتراف، وحضور ثقافة تصفية الحسابات وما جاور هذه الأمراض النفسية والروحية. ما لا ننتبه إليه في سياق التفاعل مع هذه العاهات الحضارية، أنها تصرفنا عن مواكبة الانشغال النظري والعملي، الكوني مع تحديات تطال المعمور، من قبيل التحدي البيئي أو التحدي الثورة الرقمية (مشروع "الذكاء الاصطناعي" نموذجاً)، أو الضرائب المباشرة وغير المباشرة للعقل الرأسمالي، وغيرها من التحديات، وعِوَض إثبات الحضور والمشاركة مع أقلام العالم في مواجهة هذه التحديات، نحن محاصرون بالرداءة، والنتيجة التي تهم أغلب دول المنطقة العربية وليس المغرب وحسب، أننا نعيش اليوم ما يُشبه ردة إنسانية جماعية، جعلتنا تقريباً عالة على الحضارة المعاصرة، على الأقل في الشق المادي، لأنه لدينا ما نساهم به في الشق الروحي والأخلاقي، شرط تطهير الأجواء الذاتية وتنقيحها من الرداءة. نحن بالكاد منخرطون في قضايا خلافية تتجدد بشكل سنوي، وتثير الرعب لأنها تكشف عن هول الهوة المعرفية بيننا وبين الغير. يكفي تأمل هذه القضايا الخلافية التي تتجدد كل سنة، من قبيل موقفنا من الاحتفال بذكرى النبوي الشريف (بسبب تعرض المنطقة لمشاريع "الأسلمة")، أو الخلاف حول الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، بل حتى ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، طالتها الرداءة في التفاعل، هذا دون الحديث عن انتشار مشاريع "الاتجار بالدين، موازاة مع مشاريع "الاستثمار في الجهل"، وقس على ذلك لائحة من الأعطاب التي نعاني منها جميعاً. وما يُثير الفزع أن العديد من النخب المعنية بالحضور والتفاعل، إما خارج التغطية، أي أن هذا المأزق لا مفكر فيه، وإما تعمل بقاعدة "اذهب أنت وربك فقاتِلا إنا هاهنا قاعدون" (الآية). الرداءة مستمرة.