في إطار التزامات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، الذي تم إطلاقه تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة 8 مارس 2020، ترأس الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة السيد مولاي الحسن الداكي، صباح اليوم 29 نونبر 2021 بمراكش، لقاء دراسيا لتقديم نتائج الدراسة التشخيصية التي حول موضوع زواج القاصر. يأتي ذلك في إطار مساعي رئاسة النيابة العامة للإسهام في الحد من زواج القاصر بتعاون مع منظمة الأممالمتحدة للطفولة اليونسيف، وتفعيلا لاستراتيجية رئاسة النيابة العامة لتعزيز حماية حقوق المرأة والطفل، وتزامنا مع الأيام الدولية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات والتي تلي اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء الموافق ليوم 25 نونبر. وقد استهدفت الدراسة المذكورة المساطر القضائية ذات الصلة ورصد العوامل الواقعية المحيطة بهذا الزواج، سواء منها الاقتصادية أو السوسيوثقافية وغيرها. ويشارك في افتتاح اللقاء إلى جانب السيد رئيس النيابة العامة السادة الوزراء المعنيون بالموضوع، كما يشارك في أشغاله ممثلون لكافة القطاعات ذات الصلة إلى جانب قضاة النيابة العامة المكلفين بالزواج الذين سيتداولون بالنقاش مخرجات الدراسة وكذا التوصيات المنبثقة عنها. وفي ما يلي كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة بمناسبة تقديم "دراسة تشخيصية حول زواج القاصر"ؤيومي 29 و30 نونبر 2021 بمدينة مراكش: بسم الله الرحمان الرحيم وبه أستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. السيد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة؛ السيد وزير الصحة والحماية الاجتماعية؛ السيدة وزيرة التضامن والادماج الاجتماعي والأسرة؛ السيدة ممثلة منظمة الأممالمتحدة للطفولة اليونسيف بالمغرب؛ السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمراكش والسيد الوكيل العام للملك لديها؛ السادة المسؤولون القضائيون؛ زميلاتي زملائي قضاة النيابة العامة والقضاة المكلفين بالزواج؛ السيدات والسادة ممثلو القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية وممثلو المجتمع المدني؛ حضرات السيدات والسادة، الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير الواجب له. اسمحوا لي في البداية أن أعبر لكم عن سعادتي الغامرة واعتزازي الكبير أن افتتح هذا اللقاء التواصلي المخصص لتقديم الدراسة التشخيصية حول زواج القاصر، الذي يندرج في إطار تفعيل مقتضيات إعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، الذي تم توقيعه بين يدي صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم، كمبادرة بناءة ترمي إلى تشجيع التنسيق والتقائية التدخلات الوطنية من أجل حماية أفضل للنساء والفتيات، كما يأتي هذا اللقاء ضمن استراتيجية رئاسة النيابة العامة لتعزيز حماية الطفل، والذي ننظمه بدعم من منظمة الأممالمتحدة للطفولة اليونسيف بالمغرب، وهي مناسبة أغتنمها لتوجيه شكر خاص للمنظمة في شخص ممثلتها السيدة سبيسيوز هاكيزيمانا من أجل دعم مؤسستها الهام لرئاسة النيابة العامة في تفعيل الالتزامات الملقاة على عاتقها من أجل حماية الطفولة المغربية. ولابد من الإشارة أن لقاءنا يتزامن أيضا مع فترة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الطفل الذي يصادف 20 نونبر من كل سنة واليوم العالمي لمناهضة العنف ضد النساء الذي يصادف 25 نونبر من كل سنة. وتعتبر هذه الفترة وقفة سنوية لتقييم السياسات والبرامج الرامية لحماية الطفولة ولحماية النساء والفتيات من العنف في العالم أجمع. حضرات السيدات والسادة؛ غير خاف عليكم أن إقرار مدونة الأسرة ببلادنا شكل منعطفا تاريخيا بامتياز، وثورة اجتماعية هادئة وقع الإجماع عليها من لدن كل أطياف المجتمع، وانضافت إلى أسس بناء المشروع المجتمعي الذي يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده بحكمة وتبصر، واندرجت في سياق العناية المولوية بالأسرة عموما، وبوضعية المرأة والطفل على الخصوص، والتي تمت ترجمتها من خلال العديد من الإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية والتشريعية الرامية إلى وضع الأسرة في مكانتها اللائقة داخل المجتمع، وجعلها بكيفية فعلية في محور التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهو ما تأكد اليوم أيضا بجعلها في محور النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه جلالته من أجل أفق تنموي حداثي أصلح للمجتمع المغربي. ومن نفس المنطلق أولى دستور المملكة لسنة 2011 مكانة بارزة للأسرة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، وأسند للدولة مسؤولية السعي لضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية لها، بما يضمن وحدتها واستقرارها والمحافظة عليها. حضرات السيدات والسادة؛ مما لا شك فيه أن الأسرة المعول عليها كرافعة للمجتمع، لا يمكن أن ترتكز إلا على الزواج القائم على أسس سليمة، والذي يستطيع طرفاه تحمل المسؤولية والأعباء المترتبة عنه؛ لتحقيق توازن الأسرة. وتحقيقا لهذه الغاية، وانسجاما مع ما تضمنته الاتفاقيات الدولية، ولا سيما اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، التي أوجبت على الدول الأطراف اتخاذ جميع التدابير الفعالة والملائمة بهدف إلغاء الممارسات التقليدية الضارة بصحة الأطفال، وحمايتهم من جميع أشكال الاستغلال؛ حددت مدونة الأسرة سن الزواج بالنسبة للفتى والفتاة في 18 سنة شمسية، ولم تسمح بإبرام زواج من لم يبلغ هذه السن إلا استثناء ووفق ضوابط خاصة، تتمثل في ما يلي: -إسناد اختصاص الإذن بإبرامه لقاضي الأسرة المكلف بالزواج؛ -ضرورة الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي؛ -ضرورة موافقة النائب الشرعي على هذا الزواج؛ -الاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي؛ -تعليل مقرر الإذن بالتزويج تعليلا يبين المصلحة والأسباب المبررة له. وإذا كانت الضمانات المسطرية المحيطة بزواج القاصر في مدونة الأسرة تعكس رغبة المشرع في تكريس الطابع الاستثنائي لهذا الزواج، وجعله في حدوده الدنيا؛ فإن الإحصائيات المسجلة في هذا الصدد، تعكس واقعا لا ينسجم مع رغبة المشرع، وتبرز ارتفاع الأرقام المسجلة سنويا بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف جميع الفاعلين في الحد من هذا الزواج، علما أن جانبا من حالات زواج القاصر يبقى غير ظاهر في الإحصائيات المعلن عنها كزواج الفاتحة وغيره، مما يجعلنا أمام معضلة تستوجب المزيد من اليقظة وتظافر الجهود. حضرات السيدات والسادة؛ لقد عملت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها على إيلاء حماية الطفولة أهمية قصوى، وجعلتها من ضمن أولويات السياسة الجنائية التي تسهر على تنفيذها من خلال تدخل النيابة العامة بمحاكم المملكة، وقد تجلى ذلك في توجيهات أول منشور أصدرته، الذي اعتبر حماية الفئات الخاصة وحماية الأطفال والنساء، من أولويات السياسة الجنائية. وفي نفس السياق جعلت رئاسة النيابة العامة موضوع زواج القاصر ضمن أحد أهم انشغالاتها لتعزيز حماية الطفل، وعبرت عن ذلك من خلال سعيها لتطوير دور قضاة النيابة العامة والرفع من قدراتهم المعرفية في هذا المجال، وسعت إلى طرح الموضوع واسعا للنقاش مع باقي المتدخلين الذين يُعنون به في عدد من اللقاءات الدراسية التي نظمتها، كما أصدرت ثلاث دوريات في الموضوع ضمنتها توجيهاتها للنيابة العامة، والتي تهدف بالأساس إلى تفاعلها بإيجابية مع جميع قضايا الأسرة، وإلى استحضار المصالح الفضلى للأطفال وحقوقهم في المقام الأول. ودعتهم إلى تفعيل ذلك من خلال الحضور في جلسات الإذن بتزويج القاصر، وتقديم الملتمسات الضرورية في الموضوع، مع جعل زواج القاصر ضمن أولويات خطة عمل خلايا التكفل بالنساء والأطفال، وإشراك جميع الفاعلين في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على المصلحة الفضلى للقاصر. وهو ما انعكس فعليا بشكل إيجابي على عمل النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، حيث بلغت الملتمسات الرامية لرفض تزويج القاصر برسم سنة 2019 ما نسبته 58,4 في المائة من مجموع الملتمسات المقدمة في الموضوع. في حين شكلت هذه النسبة 36 في المائة سنة 2018، كما ارتفعت هذه النسبة سنة 2020 إلى 65 % من مجموع الملتمسات، وقد انعكس هذا المنحى الإيجابي كذلك على مستوى الإحصاء العام لأذونات زواج القاصر، والذي عرف انخفاضا مضطردا برسم السنوات 2018 و2019 و2020 مقارنة بسنة 2017. وقد تواصل انخراط رئاسة النيابة العامة في الجهود الوطنية الرامية إلى التصدي لزواج القاصر بالانفتاح على الجهات الفاعلة والمعنية بالموضوع، وبادرت في هذا الصدد إلى توقيع اتفاقية إطار للشراكة والتعاون مع قطاع التربية الوطنية، تنفيذاً للالتزامات المشتركة المضمنة في إعلان مراكش 2020، الذي تم إطلاقه تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم. ومن بين الأهداف الأساسية لهذه الاتفاقية ضمان متابعة الفتيات تمدرسهن إلى نهاية التعليم الإلزامي من أجل الوقاية من زواج القاصرات، وذلك انطلاقا من قناعة واقعية مفادها أن الهدر المدرسي يشكل رافدا أساسيا لتزويج القاصرات. وقد انطلق تفعيل هذه الاتفاقية في مرحلة أولى بمراكش كتجربة نموذجية في مارس 2021 ليتم تعميم التجربة على مجموع التراب الوطني بموجب الدورية رقم 20 بتاريخ 9 يونيو 2021، التي تضمنت عددا من التوجيهات للنيابات العامة للتفاعل والتنسيق مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين للحد من الهدر المدرسي للفتيات على وجه الخصوص. وهي جهود تأكدت نجاعتها وفعاليتها عند التقييم، حيث أسفرت عن استرجاع ما يقارب 2000 فتاة انقطعن فعلا عن الدراسة بجهة مراكشآسفي لوحدها، وتمت إعادتهن إلى مقاعد الدراسة. حضرات السيدات والسادة؛ استكمالا للجهود الحثيثة التي تبذلها رئاسة النيابة العامة على مستوى التأطير، والتكوين، وتعزيز القدرات المعرفية، وتتويجا لرؤيتها الاستراتيجية والشاملة لحماية الأسرة عموما، وحماية الطفل على وجه الخصوص، عملت على إعداد دراسة تشخيصية حول زواج القاصر، نقدم نتائجها في لقائنا التواصلي اليوم. وتجسد هذه الدراسة أرضية بالغة الأهمية مبنية على معطيات علمية دقيقة مستقاة من واقع الممارسة العملية بالمحاكم في قضايا زواج القاصر التي تناولتها بالتحليل في محور أول، لتعمل في محور ثان على البحث في المعطيات الميدانية ذات الصلة بالقاصرات موضوع هذا الزواج، حيث استقرأت خصوصية محيطهن الاجتماعي والثقافي والاقتصادي. ومن نقط القصور التي وقفت عليها دراسة المعطيات القضائية ضعف اللجوء للمساعدات الاجتماعيات بالمحاكم لإجراء الأبحاث الاجتماعية في ملفات زواج القاصر بنسبة لا تتجاوز 12% ، كما أن نسبة كبيرة من الأذونات بزواج القاصر لا يتم اللجوء فيها إلى الخبرة الطبية بنسبة تتجاوز 43 % ، علما أن كلا من الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي عندما يُنجزان على الوجه المطلوب يُعينان القاضي على تقدير مصلحة القاصر من الزواج من عدمها. بينما اتضح من الدراسة الميدانية أن الأوساط الاجتماعية التي تُعاني من الهشاشة هي الأكثر إنتاجا لزواج القاصر، فضلا عن وطأة الأعراف والتقاليد والتأويل الخاطئ للدين التي تعد من الأسباب الأساسية الدافعة لخيار الزواج المبكر. وقد خلصت هذه المعطيات في المحور الأخير للدراسة إلى استنتاجات، تلقي الضوء على الأسباب المختلفة التي تقف وراء ارتفاع أرقام زواج القاصر في المجتمع. وقد مكنت هذه الاستنتاجات من اقتراح خطة طريق تهيئ لمستقبل العمل القضائي من جهة، والعمل التشاركي المتعدد التدخلات من جهة أخرى، وذلك من خلال توصيات تأمل رئاسة النيابة العامة أن تساعد وترشد المتدخل والممارس والمهتم بالموضوع. ولعل ما يحفل به برنامج هذا اللقاء التواصلي من عروض قانونية وقضائية ولعلم النفس والاجتماع، لفرصة لتعميق النقاش ولتسليط الضوء على محتويات الدراسة واستشراف أنجع السبل لتفعيل توصياتها. كما قد تشكل هذه الدراسة وثيقة مرجعية من شأنها الإسهام في رسم ملامح التدخل التشريعي المرتقب، بما يكرس احترام بلادنا لحقوق الطفل، وانخراطها كشريك دولي في ذلك. ولابد هنا من الإشارة إلى فريق العمل، المكون من قضاة وأطر قطب النيابة العامة المتخصصة والتعاون القضائي برئاسة النيابة العامة وقضاة النيابة العامة بالمحاكم، الذي انكب على إعداد هذه الدراسة، وهي مناسبة سانحة للتنويه بالجهود الكبيرة التي تم بذلها من قبل كافة المتدخلين لإخراج هذا العمل إلى حيز الوجود. حضرات السيدات والسادة الأفاضل؛ إن موضوع زواج القاصر يستدعي منا جميعا وقفة للتأمل والمراجعة، كونه يسائل الجهود المرصودة لحماية الطفولة ببلادنا، كما أنه ولاشك مؤشر من بين مؤشرات قياس التنمية ببلادنا، يجب استحضاره في مخططاتنا من أجل تنفيذ الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في قيادته للنموذج التنموي الجديد للمملكة. وفقنا الله جميعا لما فيه خير وطننا، وجعلنا جميعا عند حسن ظن سيدنا المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعز أمره وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع الدعاء وبالإجابة جدير. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. م. الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة