بعد موجة أعمال العنف غير مسبوقة التي عاشتها على مدى أيام، شرعت جنوب إفريقيا في إحصاء خسائرها التي تقدر بمليارات الدولارات، والناجمة عن أعمال النهب التي تتواصل منذ سجن الرئيس السابق جاكوب زوما. ومازالت المدن الكبرى مثل جوهانسبرغ ودوربان وبيترماريتسبيرغ تئن تحت وطأة أعمال العنف والإجرام التي اندلعت في مقاطعة كوازولو-ناتال، والتي امتدت بعد ذلك إلى أجزاء أخرى من البلاد، خصوصا غوتنغ، التي تعتبر المقاطعة الأكثر اكتظاظا بالسكان. فبعد أن خرج المتظاهرون في بادئ الأمر للمطالبة بالإفراج عن زعيمهم السياسي، الذي حكمت عليه المحكمة الدستورية بالسجن لمدة 15 شهرا، تطور الوضع إلى أعمال تخريب وعنف ونهب وضعت البلاد على حافة الفوضى. وتصاعدت وتيرة التوترات منذ يوم الجمعة الماضي، حيث أغلق مئات من المحتجين الطرق الوطنية والطرق السريعة، وقاموا بنهب المتاجر والمراكز التجارية وأضرموا النيران في الشاحنات والسيارات كما خربوا الممتلكات العامة والخاصة. وبحسب آخر حصيلة كشفت عنها سلطات البلاد، فقد لقي 72 شخصا على الأقل مصرعهم في تدافع أثناء أعمال نهب في مراكز التسوق بمقاطعتي كوازولو-ناتال وغوتنغ. وأوضحت الشرطة أن "العدد الاجمالي للمعتقلين وصل إلى 1234 بينما بلغ عدد القتلى 72". وأمام هذا الوضع، توالت الدعوات لإعلان حالة الطوارئ في جنوب إفريقيا خلال الأيام الأخيرة. وطالبت غرفة التجارة والصناعة بدوربان الرئيس سيريل رامافوزا، باستخدام قوات الدفاع الوطني وإعلان حالة الطوارئ، في حين تتصاعد الاضطرابات في المدينة وحولها. وقال رئيس مجلس النواب، نايغل وارد، إن "المقاطعة لا تحتمل استمرار هذه السلوكات التخريبية خلال هذا الأسبوع، مشيرا إلى أن العواقب الاقتصادية ستكون وخيمة وسيكون تأثيرها جسيما على اقتصاد البلاد". وفي السياق ذاته، دعا المدير الوطني السابق للمتابعات الجنائية، فوسي بيكولي، الحكومة إلى إعلان حالة الطوارئ في سياق يتسم باضطرابات مدنية متصاعدة، محذرا من أن البلاد ستواجه قريبا نقصا في الغذاء والوقود في بعض المناطق، مما قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات. وفي تعقيبه على موجة العنف هذه التي اجتاحت البلاد دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فقي محمد، إلى التعجيل بإعادة إرساء النظام والسلام والاستقرار في جنوب إفريقيا في ظل الاحترام الكامل لسيادة القانون. كما شدد على أن الفشل في استعادة النظام والسلام والاستقرار يمكن أن يكون له تأثير خطير ليس في البلاد فحسب، ولكن في المنطقة بأسرها. وفي سياق الاضطرابات، أعلن رامافوزا أنه سيتم نشر قوات جنوب إفريقيا لمواجهة الاحتجاجات العنيفة التي تعصف بالبلاد. كما حذر من أن البلاد تواجه مخاطر كبيرة تتمثل في انعدام الأمن الغذائي ونقص الأدوية بسبب أعمال العنف والتخريب. وقال رامافوزا في خطاب تم بثه عبر شاشات التلفزيون: "لقد تم نهب متاجر وتدمير بنى تحتية، مما يعني أن المرضى لا يستطيعون الحصول على الأدوية من الصيدليات، والطعام لا يصل إلى رفوف المتاجر، ولا يستطيع العاملون في مجال الرعاية الصحية الوصول إلى أماكن عملهم". وقد أكد مهنيو قطاع الصحة هذا المعطى، حيث أشاروا إلى أن النظام الصحي في جنوب إفريقيا تأثر بأعمال العنف المستمرة في البلاد. وقال فرانس سكوسانا، المختص في أمراض الرئة في مستشفى بجوهانسبرج، إن "أعمال التخريب أعاقت السير العادي للخدمات الصحية في بعض المستشفيات"، مشيرا إلى أن أعمال الشغب حال دون وصول بعض الموظفين إلى مقرات العمل. ومن جانبها، أكدت شركة خدمات الرعاية الصحية ميديكلينيك جنوب إفريقيا، أن الوصول إلى بعض مرافقها أضحى صعبا، في حين تأثر أيضا توصيل بعض المستلزمات الطبية، وكذلك حركة المرضى بين المرافق الصحية.