يبدو أن التطورات الإيجابية الأخيرة في ملف الصحراء المغربية تعتبر سياقا جد مناسب لفضح مواقف الكثير من الشخصيات الإعلامية والسياسية العربية التي كانت إلى وقت قريب تقدم نفسها كصديقة للمغرب، وتدافع عن مسيرته ونظامه. وربما ستفرز الأيام القليلة المقبلة التي ستشهد الافتتاح الرسمي لقنصلية الإمارات العربية المتحدة في مدينة العيون سيلا من التدوينات والمواقف والآراء التي ستكشف المزيد من الوجوه التي لم تستطع التخلص من انحيازها على الرغم من أن بعضها يفترض فيه أن يجسد قيمة الحياد. مناسبة هذا الكلام هي تدوينة الإعلامية الجزائرية خديجة بن قنة التي استفزت شعور المغاربة وهي تقحم نفسها في شأن مغربي إماراتي خالص. لقد كتبت بن قنة تدوينة تنطوي على قدر كبير من التحيز واللاموضوعية والذاتية وهي تلمح إلى ربط افتتاح القنصلية الإماراتية في العيون بسياق التطبيع مع إسرائيل، دونما أن تستند في تلميحها إلى أي معطيات موضوعية وخبرية موثوقة. نحن نتحدث عن إعلامية تعتبر قامة في مجال الإعلام السمعي البصري، بفضل خبرتها الطويلة في قناة الجزيرة القطرية. لكن هذا الرصيد المهني، لم يشفع للصحافية الجزائرية في التخلص من ذاتيتها وربما حقدها الدفين على المغرب، متناسية أن آخر من يمكنه دس الرسائل المبطنة في هذا الموضوع، هي نفسها، على اعتبار أن بلدها الجزائر متورطة حتى النخاع في النزاع المفتعل في قضية الصحراء. لا يمكن أن نصدق بسذاجة أن موقف خديجة بن قنة نابع من انحيازها للقضية الفلسطينية وخوفها على حقوق الفلسطينيين، فقطر التي تعيش فيها، على شفا الدخول بدورها في مسار تطبيع مع إسرائيل كما تتناقل ذلك وسائل إعلام دولية. إن في طيات هذه التدوينة تذمرا ملحوظا من التطورات الإيجابية التي تشهدها الصحراء المغربية بتسابق العديد من الدول الإفريقية ومستقبلا العربية، إلى افتتاح تمثيلياتها الدبلوماسية في مدينتي العيون والداخلة. هل تستطيع خديجة بن قنة أن تفصح عن موضوعيتها تجاه هذه القضية، وتعبر عن موقف إعلامي ومهني متوازن في معالجة موضوع الصحراء بعيدا عن ربطه بسياقات إقليمية لا دليل عليها؟ ومن باب الموضوعية والمهنية، كان من الممكن أن نقبل من خديجة بن قنة تدخلها في الموضوع، لو ذهبت بعيدا في ذلك، لتُذكّر متابعيها أولا بأصل هذا النزاع المفتعل، ومسؤولية الجزائر في اصطناعه واختلاق الوهم الانفصالي. إن خديجة بن قنة ينطبق عليها في هذا الموضوع وصف "التنافي" بالنظر إلى أن جنسيتها الجزائرية، تفرغ أي رأي تقدمه حول قضية الصحراء من أي مصداقية. والدليل على ذلك أن موقفها لم يكن صيحة في واد، بل جاء في سياق موجة من المواقف الجزائرية في الداخل والخارج، صُدمت من قرار الإمارات العربية المتحدة افتتاح قنصليتها في مدينة العيون. لقد كانت بن قنة تمتلك رصيدا من الإعجاب بمهنيتها وتألقها في سماء الإعلام لدى شرائح واسعة من المغاربة الذين يتابعون الإعلام السمعي البصري العربي، لكن اقتحامها لملف حساس بنوايا مبطنة، ضرب في مقتل كل هذا الرصيد، وكشف للجميع أن الكثير من الإعلاميين العرب أصبحوا بسبب "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما من آفات التواصل الاجتماعي، يمارسون القليل من الصحافة والكثير من السياسة. لقد عمدت قناة "بي بي سي" البريطانية بكل ما تمثله من مهنية ورمزية في سماء الإعلام العالمي، إلى فصل أحد صحافييها بعد أن عبر عن موقف سياسي متحيز عبر صفحته على شبكات التواصل الاجتماعي، وبررت "بي بي سي" قرارها بأن الصحافي يظل في نهاية المطاف ممثلا للقناة، وأنه إذا أراد ممارسة السياسة أو التعبير عن مواقفه السياسية، فعليه أن يفك ارتباطه بالقناة. وطبعا نحن لا ننتظر من قناة الجزيرة أن تتخذ القرار ذاته في حق الصحافية خديجة بن قنة، لأن القاعدة هناك هي الخلط الصريح بين المهنة والمواقف السياسية.