"إنها معجزة"، هكذا اختزل قيدوم المخرجين المغاربة مصطفى الدرقاوي شعوره إزاء العرض الأول العالمي لباكورة أفلامه "أحداث بدون دلالة" في "البرليناله"، مهرجان برلين السينمائي، أكبر المهرجانات السينمائية الدولية، بعد مرور 45 سنة على تصويره. وبدا الدرقاوي الذي يوجد على رأس قائمة المخرجين السينمائيين المغاربة الذين أنجزوا أكبر عدد من الأفلام الروائية الطويلة، في غاية السعادة بعد الصدى الطيب الذي خلفه عرض نسخة مرممة من فيلمه الطويل في فئة “فوروم كوكبة من الأرشيف” الثلاثاء الماضي ببرلين، والذي أعقبه نقاش عكس فضول الجمهور للتعرف أكثر على السينما المغربية وعلى أحد روادها الكبار. وقال الهرم السينمائي المغربي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بهذه المناسبة، "العالم يبدو أجمل وأرغب في صنع أفلام أخرى"، وذلك بالرغم من ظروفه الصحية التي أجبرته على التوقف عن الإبداع منذ سنوات، حيث كان آخر فيلم له "كازابلانكا داي لايت"سنة 2004. وبالفعل فقد كشف الدرقاوي أنه بصدد الاشتغال على فيلم جديد يحمل عنوان "جاية حميدة" والذي يقوم فيه بدور البطولة. وينقل شريط " أحداث بدون دلالة "، الذي كان قد تعرض للمنع خلال السبعينات، المتفرجين، الذين امتلأت بهم قاعة سينما "أرسنال" في العاصمة الألمانية، إلى مدينة الدارالبيضاء في الفترة ذاتها من القرن الماضي، ليشكل هذا العمل السينمائي على غرار جميع أفلام الدرقاوي، ذاكرة حية لهذه المدينة الكبيرة التي صور فيها جل أفلامه. وتدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الشباب المثقف الذين يبحثون عن فكرة لإنجاز فيلم قريب من الواقع المغربي ، فيجوبون شوارع مدينة الدارالبيضاء ومينائها، ويستطلعون آراء الناس عن توقعاتهم وعلاقتهم بالسينما المغربية ، غير أنهم سيشهدون جريمة قتل ارتكبها عامل ميناء في حق مرؤوسه لانه سئم من تعرضه للاستغلال، وسيدفعهم التحقيق في أسباب الجريمة للتفكير في تصورهم للسينما ودور الفنان في المجتمع. وحول تصوره لدور الفن السابع،يقول المخرج المغربي الذي ينتمي عمله لسينما المؤلف،من خلال الإرتباط بقيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان،"إنه يريد سينما تجعله يعيش أحلاما وليس كوابيس". وترصد الكاميرا في شريط الدرقاوي عن قرب وجوه، حركات، نقاشات وأماكن الدارالبيضاء الشعبية والحية بأجواء شوارعها ومقاهيها والعمل بالميناء. وأبرز الدرقاوي الذي درس في المدرسة الوطنية العليا للسينما والمسرح والتليفزيون ببولندا بعد حصوله على بكالوريا الآداب قسم فلسفة عام 1962، أنه كان يرغب في صنع فيلم يكون فيه أقرب الى الوجوه والحركات والايماءات ويشتغل فيه على التفاصيل، وانه سأل أحد أساتذته وقال له إنه من المستحيل القيام بذلك ، لكنه قرر إنجاز فيلم مع لقطات مقربة. وقد شاركت في الفيلم أسماء معروفة في مجال التمثيل والموسيقى والفن التشكيلي والصحافة بالمغرب، مثل محمد الدرهم نجم مجموعة جيل جيلالة، وعبد العزيز الطاهري وعمر السيد نجمي مجموعة ناس الغيوان، والصحفي المعروف خالد الجامعي، والشاعر مصطفى نيسابوري والمخرج شفيق السحيمي. وتم إنتاج الشريط في ظروف غير عادية، بفضل جهد جماعي لجيل كامل من الكوميديين، السينمائيين والموسيقيين والشعراء والتشكيليين والكتاب مما جعله يتغذى من ثمرة اليوتوبيا الثقافية والاجتماعية والسياسية لمغرب السبعينات من القرن المنصرم، ويضطلع بقيمة سينمائية ووثائقية فريدة من نوعها. فقد تم تمويل الشريط المغربي من خلال تنظيم مزاد علني للوحات فنية حيث قام العديد من الفنانين التشكيليين المعروفين نهاية 1973 بالتبرع بلوحاتهم مجانا، كمساهمة منهم، أبرزهم محمد قاسمي ومحمد شبعة و محمد المليحي. وقالت ليا مورين منسقة مشروع ترميم الشريط، إنه من "المؤثر جدا أن يكون مصطفي الدرقاوي حاضرا هنا في برلين، بعد 45 عاما من تصوير الفيلم ، ليعرض لنا فيلمه ويقدم لنا هذا العرض السينمائي الذي لم يتوقف عن إطالة أمده". وأضافت في تصريح مماثل أن هذا تحقق اليوم بفضل "فيلموتيكا دي كاتالونيا" (برشلونة) التي انخرطت في مشروع الترميم الفريد من نوعه، ومنتدى البرليناله الذي يستضيف هذا العرض العالمي الأول ، والمركز السينمائي المغربي وبالطبع كل من ساهم في المشروع. وأكدت أن اختيار شريط "أحداث بدون دلالة" يؤكد المكانة التي تحتلها السينما المغربية والتجارب الرائدة للمخرجين السينمائيين المغاربة في الستينيات والسبعينيات، في تاريخ السينما العالمية. ومنذ عام 2016، عملت منصة الفنون والأبحاث "لوبسيرفاتوار" مع "فيلموتيكا دي كاتالونيا" (برشلونة) ومصطفى الدرقاوي وعبد الكريم الدرقاوي على ترميم الشريط المغربي. وحسب "لوبسيرفاتوار"، يندرج هذا العمل في إطار مشروع أوسع يهدف إلى توفير توزيع أفضل ومعرفة أكبر بالتراث السينمائي المغربي، من خلال ترميم وتوزيع الأفلام، وكذلك وثائق وملصقات وصور ومذكرات تهم تاريخ السينما الوطنية. يشار الى أن مهرجان برلين السينمائي عرف أيضا مشاركة شريط "نايت وولك" (نزهة ليلية) لمخرجه المغربي عزيز التازي، من خلال العرض ما قبل الاول الموجه للمهنيين والموزعين. ويعد مهرجان البرلناليه أحد أكبر التظاهرات الثقافية وأهم المواعيد لصناعة السينما الدولية حيث تباع خلاله أكثر من 300 الف تذكرة، ويستقطب أزيد من 21 الف من المهنيين من 127 بلدا، ويواكب فعالياته أزيد من 3700 صحفي.