افتتحت اليوم الخميس بالعاصمة العلمية للمملكة أشغال الدورة الثانية من ”ملتقى فاس لحوار الثقافات والأديان“، والتي تبحث على مدى يومين في جذور حوار الثقافات والديانات من خلال ثلاثة فلاسفة أعلام هم ابن رشد و ابن ميمون، والقديس طوماس الأكويني. وفي كلمته الافتتاحية لهذا اللقاء المنظم من قبل مؤسسة لسان الدين ابن الخطيب للدراسات وحوار الثقافات، أوضح آمال جلال رئيس جامعة القرويين أن ابن رشد، وابن ميمون، ولدا في قرطبة، ويشاء القدر أنهما مرا بفاس، ودرسا في جامعة القرويين العتيدة. وأضاف أن ابن رشد الذي فكر في علم الكلام الإسلامي وربط الشريعة بالحكمة مدللا على وجود علاقة بين الشريعة والفلسفة، ظل نموذجا لحوار الحضارات، فيما درس ابن ميمون الطبيب والفيلسوف اليهودي في جامعة القرويين في دلالة على روح الانفتاح والتسامح التي تسم المغرب منذ القدم وذلك قبل أن ينتقل للمشرق حيث أصبح طبيبا في بلاط صلاح الدين وكان متسامح الفكر مغلبا للحوار. وأضاف جلال أن القديس طوماس الأكويني الذي ولد في القرن ال13 كان يمزج بين الفلسلة اليونانية واللاهوت الكنسي منشدا الحوار في زمن لم يكن التسامح سمته الأبرز. ومن جانبه، قال رئيس مؤسسة لسان الدين ابن الخطيب للدراسات وحوار الثقافات محمد مزين إن هذا المنتدى يسعى لجمع أكاديميين من علوم مختلفة ومتكاملة، والبحث في الجذور الفلسفية لحوار الحضارات. وأوضح أن اختيار هؤلاء الفلاسفة الثلاثة نابع من أهميتهم التاريخية وكونهم يعتبرون الدين إيمانا قبل كل شيء لا يتناقض مع العقل. ويعتبر هذا اللقاء جزء من مشروع "مدن التسامح والتعايش" حيث سيعقد لقاءان مماثلان في إشبيلية (إسبانيا) والصويرة في مارس وأبريل. ودعا الفيلسوف والمفكر المغربي عبد العلي العمراني جمال ، من جهته ، إلى خلق مركز تفكير تحت لواء جامعة القرويين لحوار الثقافات والأديان التوحيدية يحمل أسم الفلاسفة الثلاثة، "حتى نقف على عمق الدراسات ومحاولة فهم هذا التراث الثلاثي الذي يعتبر متقاربا". ويشارك في تنظيم هذا الملتقى العلمي كل من جماعة فاس، وجامعة سيدي محمد بن عبد الله، وجمعية فاس سايس، كما يشارك في أعماله العلمية نخبة من المفكرين والدارسين الأكاديميين من المغرب وأوربا والشرق العربي، علاوة علي مشاركة باحثين شباب من طلبة الدكتوراه المشتغلين في موضوعات تتعلق بحوار الثقافات والديانات. وتخصص الدورة الحالية لهذا المنتدى لتكريم الباحث عبد العلي العمراني جمال لإسهاماته الكبيرة في إثراء الحقل الفلسفي المغربي والعربي، خلال مسيرته الأكاديمية الحافلة سواء كمدير للبحث العلمي سابقا بالمركز الوطني للبحث العلمي بباريس، أو في الجامعات المغربية حيث يشرف حاليا على سلسلة دروس بجامعة القرويين وجامعات أخرى. وتم بالمناسبة إلقاء شهادات في حق الدكتور العمراني من طرف الباحثين فؤاد ابن احمد استاذ الفلسفة بدار الحديث الحسنية وجامعة القرويين وأحمد شوقي بينين من الخزانة الملكية بالرباط. وتناولت هذه الشهادات المسيرة العلمية المتميزة للسيد العمراني بفرنسا الذي ظل محاضرا في جامعاتها منذ حصوله على الدكتوراه في الفلسلفة من جامعة السربون في سبعينيات القرن الماضي، "ولعل ذلك ما يجعله غير معروف في الأوساط الجامعية المغربية". وأبرزت تلك الشهادات غزارة إنتاجه الفكري المتمثل أساسا في دراسته وتحقيقه للترجمات العربية القديمة لأرسطو وخاصة في مصير هذه النقول عند فلاسفة الغرب الإسلامي من قبيل الكندي والفارابي وابن رشد ابن حزم وغيرهم، منوهين بمؤلفاته وأبحاثه العزيرة وبالخصوص كتباه "المنطق الأرسطي والنحو العربي"، و"برهان الدليل عند ابن رشد". يذكر أن مؤسسة لسان الدين ابن الخطيب للدراسات وحوار الثقافات تنظم في كل سنة مجموعة من التظاهرات الثقافية والعلمية المخصصة لمناقشة قضايا الحوار والتفاهم الإنساني، والتعريف بآخر البحوث العلمية التي أنجزت في رحاب الجامعات ومراكز البحث في موضوع حوار الثقافات والأديان وتجلياته خلال القرون الماضية، وطرق تفعيله والاستفادة من تجاربه لبناء حاضر ومستقبل مبني على احترام الآخرين وعلى ثقافة السلم والتعايش. المصدر: الدار – وم ع