ناقشت الندوة الدولية، التي انعقدت في مدينة فاس يومي 15 و16 نوفمبر الحالي، بمناسبة حلول الذكرى السبعمائة على ولادة لسان الدين بن الخطيب، تراث هذه الشخصية الشهيرة تحت عنوان «لسان الدين بن الخطيب مجدد فكر التسامح وحوار الحضارات». عرفت هذه الندوة مشاركة عدة شخصيات سياسية وفكرية بارزة من المغرب والأردن وإسبانيا والجزائر وتونس وليبيا والكويت والعراق وفرنسا والنمسا وألمانيا. وتضمن جدول أعمالها عقد خمس جلسات علمية لمناقشة المحاور التالية: (الأندلس والمغرب مصير سياسي مشترك من خلال تجربة لسان الدين بن الخطيب)، و(فكر لسان الدين بن الخطيب الموسوعي والمتفتح)، و(قراءات في أعمال بن الخطيب المتنوعة)، و(لسان الدين بن الخطيب، العالم المتفتح على الديانات والثقافات)، و(ابن الخطيب في الدراسات الأكاديمية الحديثة). وتهدف الندوة إلى العناية بالذاكرة التاريخية، وإحياء أعلام الثقافة العربية الإسلامية، والوقوف على أبرز ملامح فكر ابن الخطيب، المفكر والأديب الشاعر والمؤرخ ورجل الدولة المحنك، للاستفادة من أعماله في قضايا حوار الثقافات. وتمت بمناسبة انعقاد الندوة إعادة تسمية ساحة باب المحروق في مدينة فاس بالقرب من ضريحه الذي رمم بالمناسبة، لتصبح «ساحة لسان الدين بن الخطيب». وعلى هامش الندوة تم افتتاح معرض فني تحت عنوان: «حوار الشرق والغرب» من خلال صور مختارة من إنجاز الفنانين عبد الله بوحاميدي وكريستيان شموترر في قاعة المعارض بقصر المؤتمرات. واعتبر عبد الحق المريني، مؤرخ المملكة والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، أن ابن الخطيب يعد أحد أعظم رجالات الفكر العربي المغربي لأنه ساهم، من خلال إنتاجه الفكري والأدبي، في إثراء الفكر المغربي الأندلسي بكتابات وأشعار أرخت لمجمل التحولات السياسية والثقافية التي كانت تشهدها المنطقة في تلك المرحلة. وأضاف، في عرض قدمه خلال الجلسة الافتتاحية لهذا الملتقى الدولي، أن ابن الخطيب شكل أحد عوامل التنشيط الثقافي في الأندلس والمغرب لربطه علاقات وثيقة بالعلماء والمثقفين والفقهاء بكلا الضفتين، مشيرا إلى أنه جمع بين السياسة والفكر، حيث قاد سفارة دولة بني نصر إلى ملوك الدولة المرينية، وعاش متنقلا بين مدن مغربية كسلا ومراكش وفاس، وكان موسوعيا خلف عدة مؤلفات في الفقه والأدب والشعر والرحلة. وأشار إلى أن المفكر والأديب لسان الدين بن الخطيب خلف، خلال مقامه بالمغرب، أشعارا عكست رؤاه ومواقفه من كل الأحداث والقضايا التي عاصرها. كما أن له رحلات كثيرة كتبها عن المغرب وعن البلدان المغاربية، نقل عنها كثير من المؤرخين لهذه المجتمعات في ذلك العصر، مؤكدا أنه يظل من كبار العلماء والمفكرين الذين يفتخر بهم المغاربة والمسلمون بالأندلس. من جهته، أكد محمد الكتاني، عضو أكاديمية المملكة المغربية، أن لسان الدين بن الخطيب، الذي كان من كبار كتاب عصره وساسته، حاول أن ينسج من ثقافة عصره مشروعا معرفيا شاملا ينتصر لقيم التسامح والحوار والتعايش بين الثقافات والشعوب التي جسدها المجتمع الأندلسي بين مختلف الديانات والمكونات خلال تلك المرحلة، سواء عن طريق الرغبة أو الإكراه. وأضاف أن ابن الخطيب كان نتاجا لهذا المجتمع، لأنه ورث روح حضارة ارتكزت على التعايش والتسامح، وأنه لا غرابة أن يكون من أشد المدافعين عن هذه القيم، مشيرا إلى أن كتاب «روضة التعريف بالحب الشريف» يظل من أهم الكتب التي كتبها ابن الخطيب، والتي تعكس بصدق نفسيته باعتباره يرتكز على فكرة محورية تتمثل في أن «الحب الإلهي هو مبدأ الكون وغايته». وقال الكتاني إن ابن الخطيب خرق في هذا الكتاب إجماع عصره في التعصب، ولخص كل الآراء القديمة والمذاهب السائدة لدى الفلاسفة والمتصوفة والفقهاء عن قيم التسامح والتعايش والحوار، مشيرا إلى أن التصنيف حول «الحب الإلهي» الذي يلخص كل هذه المبادئ قد بلغ مداه مع ابن الخطيب. أما عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، فأكد أن الاحتفاء بلسان الدين بن الخطيب يستهدف، بالأساس، جبر ضرر حضاري صارخ وقع ضحيته هذا المفكر والأديب الذي أدى حياته ثمنا لما كان يؤمن به. وأضاف التويجري، في كلمة تليت نيابة عنه، أن ابن الخطيب حوكم محاكمة صورية لأنه اقتنع بأن مصير الأندلس يكمن في ربطها بعمقها الاستراتيجي، الذي هو المغرب والعالم الإسلامي، مشيرا إلى أن ابن الخطيب أدرك بحسه السياسي، كرجل دولة ومؤرخ، أن مستقبل الأندلس هو في وحدتها مع المغرب، غير أن هذا الحس الوحدوي تم تشويهه ليذهب ابن الخطيب ضحية لهذه المناورة ويؤدي ثمنها غاليا. وأكد أن الأمم والشعوب الحية هي التي تحتفي بأعلامها وتحيي ذكراهم في حاضرها وتبقي مآثرهم حية للاستفادة منها في مستقبلها، من باب العرفان أولا، ومن باب المحافظة على الذاكرة التاريخية، وبهدف تحصين الهوية الثقافية، مشيرا إلى أن إعادة تسمية ساحة (باب المحروق) بفاس لتصبح ساحة لسان الدين بن الخطيب تمثل تصحيحا لوضع شاذ وجبر ضرر معنوي طال أمده في حق هذا المفكر والأديب. وتم خلال الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة توقيع اتفاقية شراكة بين «مؤسسة لسان الدين بن الخطيب» ومجلس مدينة فاس، تهدف إلى تكثيف التعاون في مجال إنجاز الدراسات والأبحاث حول التراث الحضاري لمدينة فاس. ويذكر أن اللقاء نظمته مؤسسة ابن الخطيب والإيسيسكو، بتعاون مع منتدى الفكر العربي في المملكة الأردنية الهاشمية، ومجلس مدينة فاس وجامعة سيدي محمد بن عبد الله، بمشاركة وزارة الثقافة المغربية