خلف الحوار الذي أجريتها الشهر الماضي مع أسبوعية "الأيام"، في ما يتعلق بالتعويضات التي صرفت لتلاميذ "أهرمومو" عدة ردود أغلبها في الاتجاه الايجابي، حيث قررت أن يكون هذا الحوار في إطار إغناء النقاش، و الرأي و الرأي الأخر، وكقناعة مني أن هؤلاء التلاميذ لم يتم إنصافهم، و أن عملية تعويضهم شابتها الكثير من الاجتهادات، بعضها لم تكن موفقة. في هذا المقال سأتطرق للمسار الصعب الذي قطعه كل من زج بهم في الانقلاب الفاشل سنة 1971 بالصخيرات، ضباطا، ضباط الصف و تلاميذ. لما وجدوا أنفسهم في الصخيرات في معمعة ما كانت تخطر على بالهم يوما ما و هو الانقلاب الغاشم الذي لم يكتب له النجاح و خطط له من أراد السوء لمغربنا العزيز البلد الأمين. إبان الانقلاب، كان المرحوم الحسن الثاني يراقب عن كثب كل ما كان يدور من حوله، فتبين له أن هذا الكم الهائل من الجنود ضباط صف و تلاميذ، كانوا تائهين دون أية خطة محكمة. لأن من دبروا هذا الانقلاب كان غرضهم الخوض في ماء عكر حتى يتمكن لهم القبض على المرحوم عاهل البلاد و يعلنوا بذلك نهاية حكم السلاطين العلويين، لكن الله أراد الخير لهذا البلد . لما فشل انقلاب تلك الشرذمة من الضباط و بعض أتباعهم، بدأت عملية التطهير ابتداء من القصر و خارجه و في الرباط بالإذاعة و التلفزة المغربية، و القيادة العليا للجيش الملكي و محيط وزارة الداخلية و بعض الوزارات الأخرى المجاورة. هنا بدأت القوات المخلصة لعاهلها المفدى تعتقل المئات من المتورطين والذهاب بهم إلى الثكنات من أجل الاستنطاق و معرفة الحقيقة. أما الدرك و الأمن فقد تمكنوا بدورهم من إلقاء القبض على كل من ظن أنه سيفلت منهم، و كان منهم من ألقي القبض عليه و هو محمل بذخائر و أسلحة و حتى المسروقات التي أخذوها من قصر الصخيرات قبل أن يتبعوا مدبر الانقلاب محمد عبابو الذي أعطى وجهة الرباط و خصوصا الاذاعة و التلفزيون و الداخلية و المقر العام للقوات المسلحة الملكية حتى يضلل الرأي العام المغربي و يوهمه أنهم ألقوا القبض على المغفور له الحسن الثاني و بأن عهدا جديدا سيبدأ. في تلك الأثناء كانت إذاعة طنجة تبث على الأثير عكس ما قالته إذاعة الرباط مخبرة الشعب المغربي بجميع أطيافه بأن ملك البلاد حي يرزق و يمسك بزمام الحكم في المغرب. أنا كنت من تلك الفئة التي بقيت إلى جوار المرحوم الحسن الثاني رفقة بعض التلاميذ الذين ساهموا في أمن و سلامة جلالته. وهنا أفتح قوسا لكي أقول بأن كل من عانق و رفع و قبل كتف أو رأس المغفور له الحسن الثاني قد كتبوا رفقتي صفحة جديدة في تاريخ المغرب المعاصر، و يمكنهم أن يفتخروا بذلك ما داموا على قيد الحياة. مما جعل عاهل البلاد آنذاك يأمر لهم بمأذونية النقل من فئة سيارة أجرة كبيرة و النظر في قضيتهم و ترقيتهم إلى درجة ضابط، لكن تعليمات جلالته لم تنفذ قط. و أعود هنا إلى الآخرين من ضباط و ضباط الصف و تلاميذ و جنود الذين ألقي عليهم القبض في جميع أنحاء المغرب، وجدوا انفسهم في دوامة لا تطاق، فكثرة التنقلات من ثكنة إلى أخرى جعلهم يعيشون على فوهة بركان كأنهم يحسبون ما تبقى لهم من العمر. وبعد التحريات الأولية أعدم بعض الجنرالات و ضباط سامون، و تبين للمحققين أنه مازال هناك بعض الضباط الذين قد يكونوا ساهموا من قريب أو بعيد في الانقلاب الفاشل. كانت مناسبة آنذاك لي حين استقبلني المغفور له الحسن الثاني في إقامته لأكثر من خمس ساعات، حيث أراد من خلال ذلك أن يعرف كل صغيرة و كبيرة في هذه القضية. حينها اتخذ المغفور الملك العظيم الحسن الثاني قرارا تاريخيا، و كنت أول من سمع به و أنا أمامه رحمه الله قبل أن يعطي أوامره المطاعة لخدامه الأوفياء بأنه قد عفا على كل التلاميذ الذين زج بهم اعبابو و شرذمته في هذا الانقلاب الذي قدر له الفشل و نالوا جزاءهم. أما عن المتورطين الباقين من ضباط و غيرهم فقد قال الحسن الثاني أنه سيترك الحق لقوة القانون حتى يصدر فيهم العقوبات التي يستحقونها، أو البراءة إن كانوا عن الفعل غافلون. فسنة 1971 كانت في مجملها و لا سيما الدول العربية قد عرفت غليانا شعبيا بدافع الحرية والقومية العربية. وكان في المغرب من يكن للقصر عداء ويظهر ذلك من عدد محاولات تصفية المرحوم الحسن الثاني الذي قالها لي حينما كنت أجالسه في إقامته. و قد تجلى ذلك حتى في الوسط العسكري في قصر الصخيرات لما كان اعبابو يقتل الجنرالات وبعض الكولونيلات بدافع أنهم غدروا به و مواقفهم وقناعاتهم. و من بينهم كبيرهم الجنرال اوفقير الذي كان دائما يعمل بمنطق الانتقام و القتل مهما أعطاه المغفور له الحسن الثاني من صلاحيات مدنية و عسكرية. لكن الحمد لله في مساء الانقلاب جرده الملك من الصلاحيات المدنية، و يبقى أوفقير في فترة 71 – 72 الرجل القوي الذي كان ينتظر الوقت المناسب لكي ينقض على المرحوم الحسن الثاني، لكن هذا لم يتم له لأن بركة المغفور له كانت أقوى. فكنت أنا أول من كان سينال من بطشه داخل مكتبه بالقيادة العليا لولا الألطاف الإلاهية. و هذه القصة سأحيكها بالتفاصيل في مناسبة لاحقة، و سأحكي كذلك ما جرى لي مع الجنرال لوباريس و مع الوزير القوي ادريس البصري الذي في نظري كان يحب نفسه أكثر مما كان ينافق المرحوم الحسن الثاني بأنه من الخدام الأوفياء، و كانت تعليمات الملك حتى إن طبقها يطبقها على مزاجه. ففي سنة 1972 تقدم مسؤولون في الجيش لجلالته الذين استفسرهم عن مصير التلاميذ الذين عفا عنهم و برأتهم المحكمة العسكرية بالقنيطرة و طلبوا من جلالته أن يخلي سبيلهم و هنا قال لهم المغفور له قولته الشهيرة :"عندي شباب عاطلين و تريدون أن أزيد عاطلين على عاطلين"، و أمرهم بأن يدمجوا هؤلاء التلاميذ في سلك الوظيفة العمومية (الصحة ، التعاون الوطني، التجهيز، الفلاحة... ). و تبين بعد ذلك بأن بعض التلاميذ لم يحظوا بهاته الرعاية، وحسب علمي أعطيت لهم استمارات لملئها حتى يختاروا إن أرادوا أن يزاولوا هذه المهنة أو تلك و لكن هناك عدة روايات في الموضوع بعضها متناقضة. بعد انتحار اوفقير، بحسب الرواية الرسمية، عرفت مسيرة تلامذة اهرمومو تيهان وشقاء أتلفتهم وجهتهم للوصول إلى بر الأمان. و هنا أمام هذا الواقع الأليم انقض عليهم من يحترف السياسة و يسترزق على مآسي الناس، و استغلوهم أبشع استغلال، حيث احتضنوهم واستفادوا على حسابهم سياسيا. فكان التلاميذ ضحية وجود بين قساوة ظروفهم المعيشية و جشع هؤلاء الوصوليين الذين وعدوهم بجنة عدن. فهؤلاء التلاميذ الأبرياء الذين اختاروا أن يكونوا ضباط صف في المستقبل للدفاع عن دينهم و وطنهم و ملكهم، وجدوا أنفسهم بين أحضان من يحترفون السياسة و استعلوهم لغرض في نفس يعقوب، حتى أصبحوا اختصاصيين في الوقفات الاحتجاجية. مرت السنين التي تساقطت كأوراق الشجر، و لم يظهر أي بريق حتى يطمئنوا على مستقبلهم .فحتى من استفاد من الوظيفة العمومية انخرط مع التلاميذ الذين قست عليهم الظروف و الأيام. فأخذ الشيب يظهر على رؤوس من كانوا في السابق تلاميذ و أبناؤهم و نساؤهم كانوا ينعتون بالخونة. فهذا العذاب النفسي أقبح ممن كان محبوسا بين أربعة جدران في تازمامارت. و من ضمن هؤلاء التلاميذ من لاقى ربه و منهم من ينتظر، لكن الانتظار طال و بدأت تظهر علامات استفهام كان يجب لمن أخذوا بأيديهم أن يعطوا تفسيرات مقنعة. فكان عليهم عوض أن يوقدوا شمعة بدل أن يلعنوا الظلام. و هنا بدأت عملية (باك صاحبي) و ملفات وضعت خارج الأجل، و ملفات عدم الاختصاص. و بقيت دار لقمان على حالها إلى أن أمر الملك محمد السادس أيده الله و نصره بصرف تعويضات لكل من كان مقهورا أو مظلوما أو مستغلا أو عايش سنوات الرصاص، دون الأخذ بعين الاعتبار فيما يخص تلاميذ اهرمومو من استفاد من الوظيفة العمومية و من لم يستفد. فإلى حد الآن من لم يستفيدوا من هذه التعويضات التي أمر بها صاحب الجلالة محمد السادس و التي تشرف عليها السيدة الفاضلة أمينة بوعياش رئيس المجلس الوطني لحقوق الانسان، مازالوا ينتظرون مستحقاتهم حتى يطوى هذا الملف نهائيا و حتى يستفيدوا مثل زملائهم. فهؤلاء التلاميذ الذين لم يستيفدوا من الوظيفة العمومية و لا من التعويض الذي أمر به صاحب الجلالة، كان من اللازم على رئيس مجلس حقوق الانسان أن يعوضهم بجبر الضرر عن الوظيفة العمومية كسائر أصدقائهم. في الأخير أريد أن ألفت نظر القارئ العزيز بأن هناك من يعملون في الخفاء وهم يعرفون أنفسهم، يروجون لدعاية كاذبة يبحثون من خلالها أن يدفنوا تعليمات صاحب الجلالة محمد السادس وطي ملف "أهرمومو" نهائيا. و هنا لا أطعن في صلاحيات المجلس الوطني لحقوق الانسان، الذي أبان عن إرادة قوية لطي هذا الملف، تماشيا مع التعليمات المولوية الشريفة في هذا الموضوع. غير أنني سأعيد ما قلته سابقا على صفحات أسبوعية "الأيام" و أؤكد أن التعويض شمل جميع تلاميذ "أهرمومو"، بمن فيهم من استفادوا من الوظيفة العمومية ومن لم يستفيدوا على حد سواء، لأن هناك تعليمات سامية واردة في ما يخص التلاميذ من صاحب الجلالة محمد السادس، القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، و هي تعليمات ما علينا سوى أن نحترمها، لأننا نحن جنود صاحب الجلالة و لا نناقش تعليماته.