ينبش الإعلامي محمد بن ددوش في ذاكرته الإذاعية قبل 60 سنة، ويسجل في كتابه «رحلة حياتي مع الميكروفون» مجموعة من الذكريات والمشاهدات التي استخلصها من عمله في مجال الإعلام السمعي البصري، وهي ذكريات موزعة على عدد من الفصول تبدأ بأجواء عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى، وانطلاقة بناء الدولة المستقلة بعد التحرر من الاحتلال الفرنسي والإسباني، مبرزا موقع الإذاعة المغربية في خضم التيارات السياسية التي عرفتها الساحة المغربية في بداية عهد الاستقلال ومع توالي الحكومات الأولى وتعاقب المديرين الأوائل على المؤسسات الإعلامية. ويرصد الكتاب مكانة وعلاقة الملك الراحل الحسن الثاني بعالم الصحافة ومكانة الإذاعة والتلفزة في حياته، مع الانطباعات التي سجلها المؤلف خلال مواظبته على تغطية الأحداث الهامة التي عاشتها المملكة، وفي مقدمتها حدث المسيرة الخضراء وهيمنة الداخلية على الإذاعة والتلفزة، وضمن الكتاب وقائع تاريخية تنشر لأول مرة حول احتلال الإذاعة خلال محاولة الانقلاب التي كان قصر الصخيرات مسرحا لها في سنة 1971. سؤال: من منكم أنقذ جلالة الملك الحسن الثاني؟ جواب: (كنوش ما حوش) أنا من أنقذ الملك وقد قلت للملك: لقد ضللونا لأنهم قالوا لنا بأننا جئنا للدفاع عن الملك. سؤال: ماذا قال لكم الملك؟ جواب: نعم لقد اعتبروكم دمى يستطيعون تحريككم كما يشاؤون. سؤال: هل قتلتم أحد؟ جواب: لم نقتل أحدا؟ سؤال: ما هو نوع السلاح الذي كنتم تتوفرون عليه؟ جواب: كان سلاحي من نوع بيريطا مغربية، كنت أطلق النار في الفضاء. سؤال: ماذا قال لكم الجنرال مدبوح؟ جواب: لم يقل أي شيء، كانت له محادثة قصيرة مع الكولونيل اعبابو، والمدبوح كان يبحث عن الملك. صحافي يتدخل: رجاء تكلموا بالفرنسية، إنكم تتكلمون بالفرنسية في مدرستكم والأوامر أعطيت بالفرنسية. سؤال: كيف كانت الرحلة بين الرباط والصخيرات. جواب: كانت هناك اتصالات، الكولونيل اعبابو صعد فوق مقدمة شاحنة وقال في الصخيرات: اسمعوا أيها الأبناء الملك في خطر، أطلقوا النار وإلى الأمام، يحيى الملك، أطلقوا النار. سؤال: ما رأيكم في اعبابو. جواب: اعبابو إنسان ذكي جدا وما قام به عمل غير إنساني. سؤال: والضباط الآخرون ماذا كانوا يقولون؟ جواب: كانوا يقولون: استعدوا وأطلقوا النار، الأمر الوحيد الذي سمعته هو أن الملك في خطر أطلقوا النار وإلى الأمام. سؤال: إذن أطلقتم النار. جواب: نعم أطلقت النار ولكن في الهواء. سؤال: لماذا في الهواء؟ جواب: لأنني كنت مندهشا، لأنها المرة الأولى التي أستعمل فيها هذا السلاح. سؤال: ولكن كان هناك قتلى، فمن أطلق النار، ومن هو المسؤول عن هؤلاء القتلى؟ جواب: الأسلحة الأوتوماتيكية كانت تطلق النار ومستعملو الأسلحة الخفيفة 30 و52 /29 -24 F.M مدربون عليها، إنها أسلحة أوتوماتيكية تطلق 300 إلى 400 طلقة في الثانية. سؤال: هل تشعرون بالعار لما قام به أصدقاؤكم؟ جواب: نعم! سؤال: عندما كان بعض أصدقائكم يطلقون النار، ألم يتمكن أحد من التدخل وتوقيفهم؟ هل كانوا يعرفون أن الملك يستقبل ضيوفه؟ جواب: لم يكن أصدقاؤنا يطلقون النار، وإنما الضباط الكبار، إنهم الكوم. سؤال: أنتم لا تعرفونهم؟ جواب: بالعكس، نحن نعرفهم كانوا يطلقون النار لأن الملك في خطر وعلينا إنقاذه. سؤال: كانوا يطلقون النار على ضيوف الملك وعلى الملك، فالأمر لم يكن يتعلق بإنقاذ الملك أو هو في حالة الخطر. جواب: إنهم كانوا يطلقون النار على أولئك الذين أرادوا قتل الملك، لأن رئيسنا كان يردد: يحيى الملك يحيى الملك. سؤال: ماذا تعرف عن المهمة التي سيكون عليكم القيام بها في الصخيرات؟ جواب: قالوا لنا هناك مناورات في بن سليمان. سؤال: ومتى قالوا لكم إنكم ستذهبون إلى الصخيرات؟ جواب: عندما اقتربنا من الصخيرات قالوا لنا إن ملككم في خطر علينا إنقاذه. سؤال: هل كانت لكم من قبل محادثات مع الكولونيل اعبابو؟ جواب: تعرفون أن الكولونيل اعبابو أكثر الضباط قساوة ولا أظن أن هناك من سبق له أن أجرى حديثا معه قبل الأحداث. سؤال: ما هو نوع التربية التي لقنها لكم اعبابو والضباط؟ جواب: تربية معنوية متأصلة، بمعنى أن تكونوا أوفياء لملككم وعليكم أن تكونوا جنودا جيدين. سؤال: هل كان قاسيا معكم؟ وهل كان يطلب منكم مجهودات كبيرة؟ جواب: طيلة الأسبوع، مارش كومندو على مسافة 80 كيلومترا، الرياضة مع حمل خمسين كيلوغراما على الأكتاف مسافة مائة كيلومتر. سؤال: ما هو رأيكم في عالم المال مع الناس الكبار الذين يتوفرون على الأموال؟ جواب: لا نعرف شيئا عن هذا الموضوع. سؤال: هل كانت هناك استعدادات خاصة في المدرسة قبل الرحيل؟ جواب: لم تكن هناك استعدادات خاصة في المدرسة ولا أي شيء غير عادي، كانت حالة إنذار يوم الجمعة تاسع يوليوز عيد الشباب، في هذا اليوم أخبرنا بالمناورات في بن سليمان، حيث وزعت علينا الأسلحة وقنابل يدوية والتغذية الكافية لمدة 36 ساعة، وذهبنا على متن أربعين شاحنة للالتحاق بابن سليمان. سؤال: هل وقع تخديركم؟ جواب: شربنا الماء من الستيرن استثنائيا في ذلك اليوم، لأن الماء كان مقطوعا. شربنا القهوة في الواحدة والنصف وأكلنا شكولاتا. سؤال: هل كان لها مذاق خاص؟ جواب: كان لها مذاق مر ولونها لا يشبه لون القهوة، كنا أناسا فاقدي العقل (كالحمقا) كالأسود في الغابة نقفز من مكان إلى آخر ونجتاز الحواجز والجدران. سؤال: شربتم القهوة رغم لونها غير العادي؟ جواب: نعم! شربنا فعلا، لأنه كان علينا أن نقطع مئات الكيلومترات من أهرمومو إلى بن سليمان. سؤال: الإنسان الذي يموت هل يحرجك؟ جواب: نعم! شخصيا لم أقتل ولم أرد الإساءة إلى أحد. سؤال: هل صحيح ما قيل من أن الصفوف الأولى لم تكن تعرف وأن الصفوف الأخيرة كانت على علم؟ جواب: لا أبدا، لا الصفوف الأولى ولا الأخيرة كانت على علم. سؤال: ألم تكن من بينكم جماعتان، جماعة على علم وجماعة لا علم لها؟ جواب: بدون شك كان هناك من يعرف، إنهم المقربون والأوفياء من مساعديه (اعبابو) اثنان إلى خمسة كانوا على علم. سؤال: أنتم أربعة من بين تسع مائة (900) جندي ممن يسمون بالمتمردين، كيف انتقلتم من جانب المتمردين إلى جانب المخلصين ولماذا؟ جواب: المتمردون يتكلمون عن قتل الملك، أنا سمعت هذا الكلام يدور بين اعبابو والمدبوح، ولأنني كنت قريبا منهما، المدبوح هو الذي كان يقول ذلك، فرد عليه اعبابو وقال: أين هو الملك الذي تكلمت لنا عنه؟ أجاب المدبوح: إنه هنا، إنه هنا. سؤال: إذن كنتم في الصف الأمامي؟ جواب: الصدفة فقط جعلتني أمر إلى جانبهما، لأن الناس كانوا ينتقلون من هنا وهناك، اعبابو كان يتكلم مع أخيه ويقول لهم: اركبوا (في الشاحنات)، لكننا نحن تخلفنا، ولما ذهبوا إلى القيادة العامة توجهت نحو صاحب الجلالة. سؤال: كان الملك يدخن حسب ما قيل؟ جواب: لا أبدا، الملك قال: يا أبنائي هل أنتم معي أو ضدي، أجبنا: نحن معك وستبقى دائما تاج المغرب. سؤال: هل سبق لكم أن رأيتم الملك؟ جواب: رأيته في الصور، وعدة مرات شاهدته في الاستعراضات وقد شاركت في أربعة استعراضات. سؤال: هل أطلقتم النار وهل قتلتم أحدا؟ هل كنتم تعرفون مسبقا أنكم ستقتلون؟ جواب: لم يكن أحد يعرف أننا جئنا لنقتل. جاؤوا بنا لقتل الملك... فأنقذنا الملك. سؤال: أنتم الآن في السجن؟ جواب: لا أبدا أنا في وضع حر. سؤال: والآن ماذا تريدون عمله، البقاء في الجيش؟ وماذا تظنون أنهم سيفعلون بكم؟ نريد البقاء في الجيش وفي خدمة الملك، أريد البقاء دائما وفيا لملكي وشعاري الله الوطن الملك. سؤال: هل ستعودون إلى أهرمومو؟ جواب: لا أعرف ولا أحد يمكن له أن يعرف فالقيادة هي التي تقرر. سؤال: مع رؤساء جدد أحسن من اعبابو؟ جواب: لا أعرف، لأن القيادة هي التي تقرر. سؤال: هل تقسمون اليوم أنكم تكلمتم أحرارا وبدون ضغوط، وما هي جائزتكم وما هو مصيركم غدا؟ جواب: لا نعرف، ولكننا سعداء بالعمل الذي قمنا به، فلقد جاؤوا بنا لقتل الملك فأنقذنا الملك... كان هذا جواب كنوش ما حوش في آخر اللقاء الصحافي. الملك يروي القصة في كتابه «ذاكرة ملك» هذه هي القصة كاملة كما رواها لي شخصيا العسكريون الأربعة في حديثهم للإذاعة المغربية وللصحافة الدولية. وكانت روايات متطابقة تقريبا، جاءت على لسان الملك الحسن الثاني، أوردناها فيما سبق، وأردت أن أثبت هنا رواية أخرى وردت في كتاب «ذاكرة ملك»، وهي أشمل من الروايات السابقة، قال الحسن الثاني في كتابه: «فتح الجنود الباب (باب المكان الذي لجأ إليه الملك صحبة بعض المقربين في أحد جوانب القصر عندما بدأ إطلاق النار)، فتقدم واحد من تلاميذ ضباط الصف وأخذني جانبا وهو شاهر بندقيته في وجهي، وفجأة وقف وأخذه الذعر وعجز عن الحركة وقال: «أأنتم...؟ إنني لم أتعرف عليكم، فقد كنت حتى الآن لا أراكم إلا بالزي التقليدي أو العسكري»، وكنت في ذلك اليوم أرتدي قميصا رياضيا فأجبته على الفور: أجل، الآن وقد تعرفت علي، فلتؤد التحية العسكرية، وأين هم زملاؤك؟ فأجاب: إنهم هناك، ولكن يتعين أن تختبئ لأن العديد من الأشخاص قد يطلقون النار علينا فطلبت منه أن يحضر ثلاثة أو أربعة من زملائه وخاطبتهم: لنبدأ بتلاوة الفاتحة جهرا، وحينئذ قام المدعوون، الذين كانوا محتجزين ومنبطحين على الأرض، وأخذ يلتحق بنا جميع التلاميذ ضباط الصف وهم يهتفون «عاش الملك»، لقد حموني، ولهذا السبب أفرجت عنهم جميعا». رواية الوزير الأول الأسبق الدكتور أحمد العراقي الوزير الأول الأسبق الدكتور أحمد العراقي كان ضمن العدد القليل من الشخصيات المرافقة للملك الحسن الثاني في الملجأ الذي احتموا به عند بدء إطلاق النار في قصر الصخيرات، تحدث في تصريح صحفي خلال شهر غشت 2008 عن لقاء المدبوح مع الحسن الثاني قبيل مقتله بفترة قصيرة من طرف شريكه في المؤامرة الكولونيل اعبابو، وتضمن هذا التصريح إيضاحات لم ترد في تصريحات الملك. قال الدكتور أحمد العراقي الذي كان رئيسا للحكومة أثناء محاولة الانقلاب قال المدبوح للملك: هل يسمح لي جلالتكم بأن أتفاوض معه (ويعني به اعبابو) وهل تعطونه الأمان؟ أجاب الملك بشكل عفوي: «إذا كنت تريد التفاوض معه فافعل ذلك، أما بالنسبة للأمان فسنرى ذلك فيما بعد». ومضى الدكتور العراقي قائلا: دخلنا غرفة المجلس واتجهنا نحو الحمام، في تلك اللحظة أغلق المدبوح الباب بالمفتاح وأوكل إلى جندي مهمة حراسته وقال له: «لا تترك أحدا يدخل أو يخرج من هذا المكان». وقال الدكتور العراقي أيضا إن المدبوح أخبر عبابو، بعد أن استفسره هذا الأخير عن مكان وجود الحسن الثاني، أن الملك فر في اتجاه الشاطئ وإذ ذاك طلب اعبابو من حارسه الشخصي عقا إطلاق النار على المدبوح، الذي وجدت جثته بالقرب من المسبح (ويلاحظ أن عقا هذا هو الذي سيقتل الجنرال البشير البوعالي في مقر القيادة العليا بأمر من اعبابو، وهو الذي أيضا سيجهز على رئيسه الكولونيل عبابو في عين المكان استجابة لإلحاح رئيسه بعد إصابته برصاص الجنرال البوهالي)، أما الأفراد الذين كانوا مع الملك فهم (حسب رواية العراقي) ادريس السلاوي، أحمد بلا فريج، أحمد السنوسي، مولاي حفيظ العلوي، الجنرال أوفقير، أحمد العلوي، عز الدين العراقي. وتفيد مصادر أخرى أن الحسن الثاني ومن معه كانوا يقرؤون اللطيف، في خلوتهم قبل أن يكتشفهم طلبة أهرمومو. وبالمناسبة، أذكر أن اسم مدرسة أهرمومو استبدل به اسم جديد هو «رباط الخير».