حرص الأسير السويدي ماركوس بيرغ في مذكراته على تصوير أكبر قدر من المشاهد عن حياة الأسرى المسيحيين خلال خمسينيات القرن 18 وعن حياتهم اليومية بين الأعمال الشاقة والتعذيب وعلاقتهم بمن حولهم من يهود ومسلمين وخاصة علاقتهم بالسلطان. في بداية الرحلة نحو فاس أي بعد أسره ورفاقه في سفينة "ميركوريوس" وإنزالهم بشاطئ تطوان، أحصى ماركوس عدد الأسرى المسيحيين الذين كانوا ضمن المرحّلين إلى سجن قصر مولاي عبد الله وقال إنهم كانوا 75، يذكر منهم 31 إسبانيا و9 فرنسيين و13 سويديا وامرأتين إسبانيتين وطفلا صغيرا بالإضافة إلى أسير يهودي، وبعد وصولهم إلى قصر السلطان وانضمامهم إلى الذين سبقوهم في الأسر أصبحوا 104 أشخاص أغلبهم فرنسيون وإسبان.
ويذكر ماركوس بيرغ عن شخصية مولاي عبد الله أنه كان مزاجيا لا يتوقع سلوكه، فقد يكون تارة قاسيا لا يرحم وتارة حليما بهم، ويقول إنه: "إذا حدث ما يكدر مزاج السلطان صاح من فوره بقواده: اضرب النصراني"، ثم يعود ويقول في موضع آخر: "طلبنا راكعين من السلطان أن يأذن لنا في الاحتفال بعيد المسيح. فجاد علينا بثلاثة أيام".
اقرأ أيضا: سلطان المغرب يهرب من خيمته عاريا خوفا من "زلزال عظيم"
وفي أكثر فترات مولاي عبد الله حلما وانشراحا أعطى الأسرى المسيحيين "17 كيسا من الثمر وأمرنا بأكله ونحن جلوس، وإذا اقترب منا أحد المغاربة فلنهشّم رأسه"، يحكي ماركوس.
وكان لهذا التصرف المفاجئ حسب ماركوس وقع كبير في نفوس المسيحيين إذ سبق وأن "أمر بإعداد وليمة عظيمة، يدعو إليها أعيان مدينة فاس...أمر بإحضار جميع المسيحيين، وأن يجلسوا على مسافة غير بعيدة من الخيمة.ثم أرسل إلينا من جميع الأطباق...لكن سرعان ما رأينا أولئك منا الذين كانوا قريبين إلى الطعام وقد أقبلوا على الأطباق يلتهمون ما احتوت من الطعام التهاما...فلم يظفر بذلك الأكل غير أقواهم".
ثم يشير ماركوس إلى أنه في فترة معينة "زاد عطف السلطان علينا. فمرة ركع سائر المسيحيين أمامه، يشتكون إليه امتناع اليهود أن يدفعوا إليهم بالموزونة التي أوجبها لكل مسيحي لشراء ما يقتات به، فأعطى السلطان يومئذ أمره إلى المسيحيين بإكراه اليهود الممتنعين عن تسديد ذلك المبلغ وضربهم عليه. ثم قال للمغاربة إنه يأمر بالعناية بالأسرى المسيحيين فلا يعوزهم شيء، لأنه بمثابة الأب بعد أن لم يعد لهم أب يلوذون به في هذه البلاد".
ومنذ ذلك الحين صار كل يهودي يعجز عن دفع موزونة واحدة كل يوم يعيش تحت بطش المسيحيين فقد "صاروا يمعنون في ضرب الممتنعين من اليهود عن الأداء ويسيئون إليهم المعاملة، وقد يسجنونهم في القنّوط، فتأتيهم زوجاتهم وأطفالهم نائحين مستصرخين".
فقد تحول المسيحي الذي يستقوي بدعم السلطان من أسير لا حول له ولا قوة إلى جلّاد لا يرحم، ولم يكن يجدي بكاء ولا استصراخ "فكان اليهودي منهم يُترك رهن محبسه إلى أن يرضخ...وحتى إن فقراء اليهود المفترض أنهم أحرار في هذا البلد، كانوا يجبرون على تحمّل الأسر على أيدي المسيحيين الذين ما كانوا هم أنفسهم سوى أسرى".