نجاة 32 شخصا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    البطولة... المغرب التطواني يواصل نزيف النقاط والجيش الملكي يرتقي إلى الوصافة    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    وفاة الشاعر محمد عنيبة الحمري مخلفا وراءه "تكتبك المحن"    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تعزز إجراءات محاربة الاتجار غير المشروع في طائر الحسون    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    حافلة "ألزا" تدهس شابًا وتُنهي حياته بطنجة    الاتحاد الاشتراكي يعلن اعتزازه بالمسار الذي اتخذه ورش مراجعة مدونة الأسرة بما يليق بمغرب الألفية الثالثة    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    أخبار الساحة    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    الحصيلة السنوية للأمن الوطني: أرقام حول الرعاية الاجتماعية والصحية لأسرة الأمن الوطني    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    الرشيدية .. لقاء جهوي لبلورة خارطة طريق التجارة الخارجية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    مهرجان جازا بلانكا يعود من جديد إلى الدار البيضاء    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الطبيب الشخصي للسلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 13 - 07 - 2015

كنت كثير الإنشغال بنفسي ، حيث عزمت على التوغل داخل المغرب حتى يمكنني الإستفادة من خبرتي الطبية في خدمة الدولة هناك. كان أكثر الحديث أثناء ذلك الوقت ، في إسبانيا أو في الجزائر يدور حول إعادة تنظيم الجيش المغربي ، بمعنى، أعرب السلطان بعد معاهدة الهدنة مع إسبانيا، عن القيام بإجراءات إصلاحية. و لهذا قامت الصحف بنشر نداء ، الى كل أوروبي يمكن الإستفادة من علمه و كفاءته هناك ، بالتوجه إلى المغرب. لقد استأثر كل هذا باهتمامي ، فبدأت بوضع أفضل الخطط للمضي في غايتي . ونتيجة لتأقلمي عبر سنوات طويلة من الإقامة في الجزائر ، كنت أعتقد ، انه يجب علي أولا، حتى يمكنني التقدم بسرعة داخل المغرب ، الاحتكاك بسلوكات الأهالي والتعرف على عادات و أسلوب حياة هذا الشعب ، أكثر من محاولتي الإقتراب من السكان العرب في الجزائر.
منذ الأن يأتي كل صباح إثنان من ?مخازنية? الحريم لمناداتي . عند وصولي إلى هناك ، يستقبلني كبير الخصيان ، السيد كافور، وبعد ذلك مباشرة أُساق إلى مخدع أمامي ، حيث أجد السيدات ، اللاتي يرغبن في فحصهن ، في إنتظاري. في البداية لم ترد النساء إزاحة خمورهن ، لكن حين أصررت على ذلك ، رجع السيد كافور، الذي مثله مثل بعض الخصيان الأخرين، كالسيد ? مسك? السيد ?عطر الوردي? الخ . ( كل الخصيان يحملون أسماء عطور، قوية الرائحة ) ، و الذي بطبيعة الحال كان كل الوقت حاضرا ، رجع إلى الحريم ، ليخبر بذلك السلطان ، ثم عاد بالخبر:? سيدنا قال ، حيث أنك مجرد رومي وكلب مسيحي دخل للتو في الإسلام ، على النساء أن لا يتضايقن بسببك .? بذلك سقطت الأغطية ، (فالحُجُب بالمعنى الحقيقي لا تستعمل في المغرب أو في أي مكان أخر حيث يستر النساء المسلمات وجوههن) و هكذا كانت عندي كل الأيام ، فرصة الإنبهار بجمال نساء السلطان . بالمناسبة على الإنسان فقط أن لا يعتقد ، أن في الحريم جمالا مميزاعلى نحو ما ، أو أن على هذا الجمال ألا يُكشف ، فغالبا هن مخلوقات جد صغيرات بهيئات مكتنزة حقا. اللاتي غالبا ما يرتدين حللا نفيسة و الحلي الكثيرة تغطيها طبقات من الوسخ وعادة في الملابس بعض من المزق . يبدو أن أغلبهن جئن بدافع الفضول فقط ، من أجل مشاهدة ?الكلب المسيحي?. لكن كلهن ، بغض النظرعن حماقاتهن و وجودهن الصبياني ، كن لطيفات فعلا و لم أكن في حاجة إلى الحذر، من أن أقول إلى السيد كافور، هذه و هذه، بعد أن جئن مرتين أو ثلاثة مرات للفحص ، لا تأتي بهن ثانية ، هكذا كان سيُخرج كل الحريم . فيما يبدو كن يعتبرن إعلان المرض على أنه فرصة لقضاء وقت طيب ، فكل مدة إقامتي لم ألاحظ مرضا جديا. ثم إنني شخصيا تحفظت ايضا جدا ، في منح أي دواء بشكل من الأشكال ، مع أن صندوق الأدوية ، المهُدى إلى السلطان من قبل الملكة فكتوريا ، كان الأن رهن إشارتي . إقتصرت على نظام الحمية وعلى الوصفات الغذائية ، التي غالبا ما تحدث إعتدالا كبيرا، لكن ، كما قال لي السيد كافور، يجب أن يتبع دائما بصرامة ، حيث أن المغاربة كل طعام إسثتنائي (معناه كل ما هو ليس كسكسا) يقرنونه نوعا ما بقوة شفائية خاصة .
منذ سفري إلى فاس لم أتوصل بشيئ من مرتبي ، ربما إستمتع به الحاج عزوز، حتى بعد تعييني الطبيب الشخصي للسلطان لم يكن هناك حديث عن أداء مرتبي أو عن رفعه . غير أن سي الطيب قال لي غير ما مرة ، ما علي فقط الا الذهاب إلى أمين بيت مال السلطان ، فقد أعطى السلطان أوامره ، بأن أتقاضى الأن خمسة أوقيات فضية في اليوم ، إذن حوالي ثمانية غرامات فضية . لكنني أحجمت عن ذلك . حيث أنني كنت متعبا جدا بسبب القصر و لم أفكر إلا في ، كيف يمكنني مواصلة الرحلة. فوق هذا كله لم يكن ينقصني شيئ من المال . وحيث أنني كنت طبيب السلطان ، كان كبار المملكة يعتقدون ، أنهم ملزمون جميعهم ، بأن يجعلوا أنفسهم يفحصون من طرفي ، و أي ملتٍمس ، يظهرعند سي الطيب ، كان يأتي من المؤكد من أجل أن أفحصه هو أيضا. و بما أنه يعتقد ، أنني أنتمي إلى بيت الوزير، فهو يعتبر نفسه ملزما ، بأن يقدم لي هدية ، التي يطلب مقابلها دواء ، و بهذا الأسلوب كان يقصد ، إصابة عصفورين بحجر واحد من هنا كنت جد مشغول حتى ، أنه لم يفضل لي من الوقت إلا المساء ، لذلك لم أرى من مكناس إلا اليسير. لكن في يوم الجمعة كان عندي من الوقت متسعا ، لزيارة مسجد أو أخر . فذلك ، الذي يحمل إسم مولاي إسماعيل هو الأن أشهرها ، و حيث أن «السفاح» مولاي إسماعيل قد أصبح منذ زمن أحد أشهر أولياء المغرب ، فالمسجد ، حيث يوجد ضريح مولاي إسماعيل ، مولاي سليمان ، مولاي عبد الرحمان وأيضا سلاطين أخرون لهذا الأسرة ، له صفة منح حق اللجوء. إن شهرة هذا المسجد، كملاذ يمنح الحماية للمجرمين ضد القانون ، قد إكتسبها فيما يبدوعن طريق رفات حكام المغرب المذكورين ، وقد أصبحت هذه الشهرة واسعة كذلك ، تقريبا مثل ، التي هي لمسجد الحرُم مولاي إدريس زرهون ، أو مولاي إدريس في فاس .
ذات يوم كنت شاهدا على ، مختلف جنود المدفعية ، الذين ثاروا بسبب عدم حصولهم على رواتبهم ، حيث لجأوا إلى جامع مولاي إسماعيل . فمكثوا هناك عدة أيام ، بل أثناء صلاة إحدى أيام الجمعة ، التي حرص فيها السلطان شخصيا على حضور الخطبة في هذا المسجد ، و بعد أن أعطى وعده الإيجابي بعدم معاقبتهم إطلاقا غادروا مكان لجوؤهم . إن كان هذا العفو قد أحترم لاحقا ، لست أدري، لكنني أعتقد ، أن السلطان يهمه بطبيعة الحال ، الإبقاء على قدسية المكان والرفع من قيمته، حيث يرقد أسلافه مدفونين .
عدد السكان مكناس يختلف في تقديمه كل الذين كتبواعن المغرب ، هوست يذكر فوق 000،10 نسمة، هيمزو 000،56 نسمة، ليون 6000 موقد نار، مارمول 8000 نسمة، ديغودي طوريس، (280) 6000 نسمة ، جاكسن 000،110 نسمة. هنا ايضا تقع الحقيقة في الوسط ، إذا ما أخذ الإنسان تقريبا عدد 000،40 إلى 000،50 نسمة. مارمول هوست و هيمزو أرادوا رؤية سيلدا بطليموس القديمة في مكناس . حسب فالسين إستهارتسي أسست من طرف أحد فروع زناتة ، مكناسة ، حوالي منتصف القرن العاشر. لكن المؤسس الفعلي للمدينة كان هو مولاي إسماعيل ، الذي حكم هنا بشكل دائم ، و معه إكتسبت المدينة شهرتها و مع الزمن بقيت إحدى المقرات الأربعة للمملكة. تقع على بعد بضع ساعات جنوبا من منحدرات جبل مولاي إدريس زرهون . فالمدينة لها أروع الحدائق، التي يمكن أن يتصورها الإنسان. فقد سبق ليون و أثنى على الرمان الخالي من النوات (؟) و السفرجل العطر، و أن للمدينة ثروة من الزيتون ، يفصح عنها إسم مكناسة الزيتونة ، معناه. الغنية بالزيتون. و هذه الحدائق توجد إلى حد ما داخل الأسوار.
بمعنى ، أن المدينة الفعلية مع القصبة و قصر السلطان، محاطة من خلال أسوار في حالة جيدة جدا و محروسة ببروج عالية، رباعية الزوايا، و كذلك داخل هذه الأسوار توجد حديقة السلطان الرائعة. ثم على بعد ساعة، يمتد سور أخر أكثر إنخفاضا ، مضاعف الجدران في بعض الأماكن حول المدينة، ليحمي الحدائق اللاحقة .
لمكناس ساكنة ، التي لها تقريبا علاقة ما بالقصر أو بالحاكم . فغيرة الرجال عن نسائهم، التي تحدث عنها هيمزو و نقلها عن ليون ، هي ليست أكبر منها ، في المدن المغربية الأخرى ، بصفة خاصة لا أجد النساء جميلات. مكناس المدينة الوحيدة في المغرب ، حيث دورالبغاء علانية . فيما تبقى فالشوارع مستوية نظيفة ، المباني في حالة أفضل منها ، في أي مدينة أخرى للمملكة . حتى أن قصر السلطان ، رغم الجزء ، الذي زينه مولاي إسماعيل بأعمدة الرخام ، التي أمر بإسترادها من ليفورنو و جنوة ، قد أصبح أطلالا ، يتميز من حيث ، أن هذه القطع الرخامية الجميلة ترقد في الغبار كشاهد كبيرعلى ماض حديث. غير هذا فلا بناية أخرى هناك تميز نفسها بشكل معين ، فحتى مسجد مولاي إسماعيل ، الذي هو أيضا مدافن الدولة الحالية ، يوجد في حالة شبه متداعية. تزود المدينة بالمياه عبر قنوات ري رائعة ، إن لم أخطئ ، عبر أحد الجداول المنسابة من واد بهت ، الذي يجري شمالا من المدينة .
من الضروري أن أذكر رحلة قصيرة إلى مولاي إدريس زرهون ، مدينة تقع على بعد حوالي ثلاثة ساعات شمال مكناس ، غير أنه لا يمكنني الحديث عن هذا الموقع الرائع ، أكثر مما قمت به أنفا أثناء وصف فاس. مع أنني كنت الطبيب الشخصي للسلطان ، فقد سكنت في دار الوزير الأول ، حتى و إن كنت قد شاركت في
كل عادات و أعراف المسلمين بالحرف الواحد ، كان مع ذلك ينظر إلي دائما بعين الريبة . فالإستفسار مباشرة عن مكان ما ، لم يكن ممكنا بثاتا ، فسوف يقال عني فورا ، إنني جاسوس.
من حسن الحظ أن حدثا وقع ، مما جعلني أتحرر من خدمة السلطان . كان من المنتظر تعيين مفوضية إنجليزية ، و بعد بضعة أسابيع وصل إلى مكناس السير دروموند هاي هو الأخر مع مجموعة كبيرة من
المرافقين و الحرس المكون من كتيبة قوية من المخازنية. يمكن للإنسان أن يتصور، كيف كانت فرحتي كبيرة . فمنذ أزيد من سنة ، إنقضى فيها من الوقت الكثير، و لم أسمع عن أوروبا شيئا ، لم تصلني رسالة ولا جريدة ، و الأن حصلت دفعة واحدة على الكتب ، الجرائد ، و أصبح بإمكاني التحدث إلى سادة متعلمين . في البدء وجدت صعوبة كبيرة في الوصول إلى السير دروموند هاي ، حيث أصدرت الحكومة المغربية أمرا
صارما ، بعدم السماح لأي مرتد بالإتصال بالمفوضية. فقط عن طريق حيلة تمكنت من العبور إليها. حيث قلت للسي الطيب ، يجب أن أتحدث ، إلى الطبيب المرافق للمفوضية الإنجليزية ، عن سبب مرضه ، عندها سمح لي بذلك ثم تمكنت من الدخول رفقة مترجم سابق ، إلى المفوضية .
كان السير دروموند هاي يسكن إحدى أجمل دور المدينة ، حيث لا ينقص فيها شيئ من الأثاث الأوروبي ، هناك حيث يملك السلطان كل الأدوات من نفس الطراز ، لكنه لا يستعملها شخصيا. عموما فقد عوملت المفوضية بإحترام و مجاملة ، كما يستحقها السير دروموند هاي ، الحاكم السري الحقيقي للمغرب . في الشوارع و في كل مكان ظهرت فيه المفوضية ، إلا و يتم تحيتها من طرف الشعب بأبلغ الإحترام . تماما مثل السلطان ، حيث أحس الشعب ، أن الإنجليز فقط هم العون الحقيقي ضد إسبانيا و فرنسا . من البديهي ، أن السير دروموند هاي كان بإمكانه التحرك بكامل الحرية ، وكذا بقية سادة المفوضية .
فيما يتعلق بي أنا ، فقد أعطاني السير دروموند هاي رسالة (حررت بالعربية) و قال لي ، قدم هذه إلى السلطان عن طريق الوزير الأول . في هذه الرسالة تم التأكيد ، للحكومة المغربية على ، عدم الخلط بيني و بين بقية المسلًمين و أن تعيد لي حريتي . فعلت هذه الورقة الصغيرة فعل المعجزة. حين أعاد لي سي الطيب بعد بضعة أيام الورقة نفسها يدا بيد و أضاف قائلا ، السلطان قرأ الورقة و قال ، يمكنك أن تفعل ما تشاء ، إن لك كامل الحرية ، في أن تغادر مكناس ، بل يمكنك أن تسافر في كل ?الغرب? والإقامة، حيث يطيب لك المقام. أي إنسان كان أسعد مني . بل الأن إستفاقت عندي حقا رغبة السفر عبر بلاد المغرب الفعلية ، بمعنى منذ الأن أحسست أيضا بدافع قوي لمواصلة التوغل داخل إفريقيا . لكن الأن فقط ولأول مرة فعلا أصبح عندي واضحا ، كم لا يزال بعيدا هدف قيامي ، بمثل هذا السفر الخطير دون وجود إمكانيات . فحتى و لو كانت هذه الرسالة بالذات ، من ناحية عدم الإمكانية ، هي حماية كبيرة بالنسبة لي ، فإنني من ناحية أخرى لم أحقق حتى ذلك الوقت إلا تقدما يسيرا في العربية. فحالة ، إنه كان دائما إلى جانبي مترجم ، كنت بالكاد أفهم من هذه اللغة أكثر من بداية رحلتي . ايضا كنت لازلت بعدُ أقل وثوقا بعادات الشعب الحقيقي . كذا أقل معرفة بهذه الأعراف ، مثلما يعرف الإنسان مثلا العادات المتعلقة بالشعب الإنجليزي في لندن ، في علاقتها بالشعب الألماني في برلين . أكثر من ذلك في النهاية ، على الإنسان زيارة البلد الفعلي شخصيا ، كذلك فهذه الحالة هي أقل بروزا في المغرب و في العاصمة ، و حتى الأن كنت في الوقع في فاس و مكناس فقط .
قررت إذن العودة إلى المدينة الحرم وزان . فأين كان بإمكاني التعرف على العادات ، التقاليد و ايضا لغة الشعب أفضل ، من مدينة الحج الكبيرهذه ، حيث ينسِلُ إلى هناك مئات ، وكثيرا ألاف الزوار من كل شمال إفريقيا ، بل كثيرا ايضا من أبعد من ذلك . فمن حسن حظي ، صادف أن إثنين من أقرب أقرباء الشريف الكبير كانا أثناء ذلك في مكناس ، حيث أنهى هذان في حالة سكر حياة مخزني للسلطان ، و قدما شخصيا إلى مكناس بغرض الإعتذار لهذا الأخير. ليس فقط لم يعاقبهما على فعلهما أثناء السكر أو حتى يعاتبهما ، بل إعتبر السلطان ذلك الفعل مجاملة مميزة ، أن هؤلاء الأولياء وعلاوة على ذلك أبناء عمومة حقيقين للشريف الكبير، لم يمتنعوا عن ، الإعتذار له شخصيا بسبب هذا الحدث التافه . في واقع الأمر فقد رأى هو أيضا ، أن هذا ما هو إلا ذريعة منهم فقط ، للحصول منه على هدايا ، و التي حصل عليها الاثنان معا فعلا. هكذا غادرا ?سيدي? محمد بن عبد الله و أخوه ? سيدي? التهامي، الإقامة الملكية محملين بوفرة من الهدايا.
سي الطيب بوعشرين تفضل وحملني رسالة لأقدمها إلى الشريفين معا ، الذان رغبا في سفرالعودة مباشرة إلى وزان . وهكذا إذن قلت لقصر السلطان الوداع ، فقط كنت أحس بالحزن ، أن إسماعيل (يؤخييم غاتل) ، الذي سكن عندي كل الوقت ، عليه الأن العودة إلى المعسكر ثانية ، وحيث أنه لا يتمتع بالحماية المفوضية الإنجليزية مثلي ، عليه أن لا يفكر، في الحصول على حريته قريبا .
في الصباح التالي توجهت بأمتعتي إلى دار الشرفاء ، و بعد قليل كان كل شيئ مجمعا و نحن نمتطي صهوة الخيول.
سيدي محمد ، أحد أبناء عم الشريف رجل شاب في الثلاثين من العمر، وأخوه سيدي التهامي ، الذي يصغره ببعض سنوات ، كان يرافقهما شريفان أخران أكبر سنا وعلى الأقل حاشية من ثلاثين من الخدم. غادرنا مكناس حوالي الساعة الثامنة صباحا عبر البوابة الشمالية ، مررنا مقابل الجبل ، حيث تركنا مدينة زرهون
إلى حد ما شرقا . في كل الأحوال فالسفرعلى متن الخيول أو البغال في المغرب ليس متعبا ، فالسروج المجهزة بمتكإ مرتفع وفي الأمام بمقبض ، حيث يضع عليها الأنسان يديه ، الركابات العريضة ، التي يمكن للإنسان وضع قدمه كاملا عليها ، تجعل العياء ياتي فيما بعد ، عكس لوازم الركوب الأوروبية . فعلا على الأوروبي أن يبدل جهده ، في أن ينجد السرج إلى حد ما عبر غطاء صوفي ، لأنه عبر ذلك فقط تسمح صلابته بالتحمل ، فهو أيضا غير مستو تماما ، ما يجعله مع المدة غير مريح .
سافرنا اليوم كله دون إستراحة ، وحيث من الأكيد أن سيدي محمد بن عبد الله كانت له أسبابه الخاصة ، هكذا أسرعنا في السفر ، و إلا فالسادة في المغرب لا يقومون إلا بسفر مسافة يومية قصيرة . حين إبتعدت فوق مرتفع جبل مولاي إدريس عن القافلة ، وقعت في حالة من التهليل ، التي أحدثها الناس الساكنون بالقرب ، الذين سمعوا بمرور شرفاء وزان ، فاعتقدوا من المؤكد ، أنني أيضا أحدهم. أقبلوا في مجموعات يقبلون يدي و حاشية جلبابي وكانوا يطلبون ?الفاتحة ?( البركة) ايضا ، لحسن الحظ كنت أحفظها عن ظهر قلب. أتمنى أن يكونوا قد نالوا بالمثل فائدة كبيرة من مباركتي ، أكثر من أحد الشرفاء الحقيقيين ! لكن لو أنهم علموا ، أنني واحد دخل الإسلام ، فكيف كانوا سيكيلونني اللعنات. جميل أننا نعيش في زمن ، فقد فيه السحر، اللعنة و البركة المنطوقة من طرف الإنسان ، قوتهم .
عند غروب الشمس توقفنا بأحد ?الدواور? ( قرية من الخيام) من ملك شريف وزان الكبير. و حيث أنني لم أكن أملك خيمة ، فقد دعاني الشريفان معا ، إلى مقاسمتهما خيمتهما. فخيمة أحد السادة في المغرب تتميز من خلال رحابتها ، قوام عُدتها خيش متين ، أبيض ناصع و مخطط بالأزرق ، بيضاء من الداخل و مبطنة بأنواع مختلفة من الأثواب ، التي تمت حياكتها إلى بعضها . غالبا ما تكون محمولة بعمود واحد فقط ، قد تكون الدائرة حول الخيمة عموما ممددة على مستوي إرتفاع جوانب المحيط . ما يجعلها حقا تمنح ، لطافة جو كبيرة ، عندما تشرق الشمس و عند الحرارة المرتفعة ، حيث يكون لسطح الخيمة شكل مظلة ما كبيرة ، تبقى واقفة مشرعة أمام فتحة الهواء البارد . كنت مسرورا ، حين حمل طباخ الشرفاء وجبة طعام على الفور، لأني لم أكن قد ذقت كل اليوم شيئا ، أكثر من كسرة خبز و العنب . ثم حوالي منتصف الليل جاء كذلك ? مول الدوار? أو ممثل القرية ، فقدمت عدة صحون مليئة بالكسكس مختلف الأنواع ، و أخرى باللحم المقلي . كان عيائي أثناء ذلك كبيرا بحيث ، أنني فضلت مواصلة النوم ، رغم تكرارالدعوة إلى المشاركة في الطعام .
في الصباح التالي تم إيقاضي منتعشا بدعم فنجان قهوة (شرفاء وزان يشربون القهوة ايضا) ثم قدمت ثانيا وجبة طعام غنية من طرف أهالي قرية الخيام ، الذين مقابل ذلك زودوا بالشاي . مثل اليوم المنصرم كان المحيط ذو تلال مزروعة و الأعداد الكبيرة من ?الدواور? تشير إلى كثافة سكانية نسبية. مباشرة بعد الإنطلاق في اليوم التالي عبرنا وادي سبو و ورغة، هذا الأخير هو تقريبا عند منتتصف علو الموقع ، حيث يصب في سبو . في كل مكان مثل اليوم الأول كان الشرفاء محل أكبر تعظيم ، ففي كل البلاد يعتبر شرفاء وزان أكبر الأولياء . فالعادة تقضي ، أن أحد الأعيان لا يواصل رحيله مساء ، هكذا أيضا تم التوقف في ذلك اليوم على الساعة الخامسة بعد الظهيرة في إحدى? الدواور?، الذي هو من ملك سيدي عبد الله نفسه. ساعات قليلة فقط من الصباح التالي ، و قد واجهنا جبل بوبهلول ، الذي توجد وزان على الجهة الأخرى منه.
ما أن طفنا حول الجبل ، حتى قابلنا أقارب و معارف الشرفاء ، الذين و صلهم الخبرعن طريق الأخ الأصغر، الذي سبق أن وصل المدينة في مساء سابق ، سيدي التهامي أخبرالشريف الكبير بعودتي أنا الاخر .
لم أستطع أثناء ذلك التوجه مباشرة إلى سكنى الشريف الكبير، ذلك أنه كان علي تناول الفطورعند سيدي عبد الله. أحد أقرباء الحاج عبد السلام المباشرين ، فهو، فيما يتعلق بالثراء و السلطة، الثالث من بين شرفاء وزان ، فسيدي محمد بن عبد الجبار، حتى و إن كان بعيدا عن خط القرابة ، فإن له بعد الشريف الكبير، الحاج عبد السلام ، أكبرالتأثير و الثراء الأوسع بين بقية الشرفاء. كل المدينة تقريبا تتكون من سلالة محمد ، لذا ليس لهم في وزان ذاتها أي تأثير، حيث أنهم كثيروا العدد.
ثم بعد ذلك مباشرة ذهبت، بعد أن إرتديت بدلتي بلون خضرة البحر، إلى الشريف الكبير، الذي ألفيته في
بيته الريفي محاطا بجمهور كبير. إستقبلني بأبلغ لطافة و أمرعلى الفور بأن يجهز لي مسكنا ، و أعرب عن ترحيبه بي مرة تلو الأخرى ، قائلا ، علي من الأن ، أن أعتبر نفسي مثل أهل بيته تماما.
قبل أن أصف تجربتي في وزان الأن ، أود أن أقول بعض الشيئ عن الأوضاع السياسية الحالية في
المغرب ، و في نفس الوقت أربطها ببعض الكلمات عن مواقف القناصلة المسيحيين الحاليين و غيرهم .
* * *
الأوضاع السياسية
أسس المغرب حكومة جد مستبدة و جائرة ، لا يجد لها الإنسان مثيلا إلا هناك ، حيث تجتمع في شخص واحد السلطة الدنيوية و الروحية نفس الوقت ، والسبب في هذه الاستبدادية الإطلاقية لا تكمن بأية حال في طبيعة عقلية الشعب العربي و البربري و إنما المسؤول الوحيد الأوحد عن ذلك هو الدين الاسلامي .
نفس الشبه في كل البلاد ، التي إنتشر فيها الإسلام ، في توركيا ، في بلاد فارس ، في مصر و في تونس . في عمومها الحكم الملكي المطلق ، بل حتى في إفريقيا الوسطى فقد منح الدين الإسلامي ، الأميرالمختص، سلطة غير محدودة، في الدول ، المتوسع فيها . كما هو الحال في أوداي ، بورنو، سوكوتو و كاندو.
قبل الإسلام عاش العرب في عشائر صغيرة تحت سلطات أبوية ، وإذا ما أراد برابرة شمال إفريقيا التوحد أحيانا ، في مملكة ، كان مع ذلك شكل حكمهم القديم شعب جماعية ، جمهوريات صغيرة مستقلة عن بعضها. هكذا نجد في شمال إفريقيا ، أنه لا زال هناك العرب و البرابرة ، حيث عرفوا كيف يحتفضون بإستقلالهم عن الدول الكبرى.
بعد قيام الإسلام ، تبعت ذلك تلقائيا ، السياسة المطلقة ، التي توحدت بها القيادة الدينية العليا في الشخص الواحد. في الديانة الإسلامية لا وجود لطبقات في الأسفل ، أو درجات روحية . لا أناس مميزون ، بإستثناء أولائك ، الذين وصفهم محمد نفسه بالمفضلين : و هؤلاء هم سلالته .
فعلا الإطلاقية الكاملة، كما يستمتع بها الأن سلاطين المغرب ، ?العصمة المطلقة من الخطأ ? ، فقد حدثت أولا ، حين وصل في بداية القرن السادس عشر إلى عرش المغرب السلاطين من أسرة الشرفاء. منذ ذلك الوقت حدث بإستمرار في بلاد المغاربة أنفسهم تزايد سلطة الحاكم وعصمته من الخطإ ، بالمقابل ، منذ تلك الفترة أخذ الرفاه و التكوين ونشاط الشعب في التراجع بشكل غيرعادي .
فسلطان المغرب يطلق على نفسه إسم ?حاكم? أو أيضا ?حاكم المؤمنين?، أو إذا أراد سياسيا تحديد نفسه كسيد للبلاد ، يكتب ?مول الغرب الجواني?. من طرف رعاياه يسمى ? سيدنا ? أو ايضا ?السلطان?،
? سلطانا ?، أي سلطاننا ، تسميات أخرى غير معروفة . زوجته الأولى ، التي ليس من الضروري أن تكون شريفة ، تحمل إسم ?للا الكبيرة ? ، فإذا ولدت خلفا للعرش ، هكذا يكون لها حق السيادة الدائمة على الحريم و صوت ذو وزن في إختيار بقية النساء الأخريات . الإبن الأكبر يحصل على لقب ? سيدي الكبير? أو ? مولاي الكبير? ، لأن ? سيدي? و ? مولاي? في صيغة المفرد تستعمل دائما بنفس المعنى ، بينما ? مولانا ? في صيغة الجمع لا يستعمل إلا للنبي . مثل كل المسلمين، ليس للسلطان الحق إلا في أربعة نساء شرعيات في نفس الوقت ، اللاتي يُصرفن أو يجددن حسب الرغبة كم عدد غيرالشرعيات ، أي الشابات الصغيرات ، غير المعقود عليهن والنساء في الحريم الأربعة ، دون ريب لا يعلمها السلطان نفسه رغم عصمته.
لا يوجد عند المسلمين قانون للخلافة ، إذا فلا وجود لقاعدة في هذا بالنسبة للمغرب أيضا. الأمير الجالس على العرش حاليا ، هو الإبن الثاني للسلطان الراحل ، و هذا بدوره كان إبن أخ سابقه . إسمه سيدي محمد بن عبد الرحمان و لد سنة 1805 .فإذا كان قد تم تحت إمارة أسلافه ، السلطان سليمان و عبد الرحمان ، الكثير من التغير في البلاط المغربي ، هكذا فقد حدثت تقلبات أكثر تحت حكومة الحاكم الحالي ، و رغم ذلك فلم تتح لهذا مثل أبيه فرصة الإحتكاك المباشر بالأوروبيين والتعرف عليهم أفضل ، غير أن سيدي محمد بدأ لتو يقدر المسيحين أكثر من أي أحد من سابقيه. فأبو محمد كان قبل إعتلاءه العرش باشا سابقا في موكدور، فكان له الكثير من الإحتكاك بالقناصلة و بذلك تعرف على العادات والأعراف الأوروبية. لكن سيدي محمد كان على الدوام باشا سابقا لمدينة المغرب ، قبل أن يصبح سلطانا. فمسلًمي المغرب ليس لهم في الواقع ?ديوان?
أو ? مجلس?، و المراسيم في القصر هي في غاية التشدد . لكن هناك أناس معنيون ، لهم ميزة ، أن يسمح لهم بالجلوس ، مثلا ، الأمراء ، ولاة الأقاليم والشرفاء الأعيان ، بينما البشرالعادي القابل للموت لا يسمح لهم إلا بالقرفصة فقط أو النزول على الركب. أما الملتمسون المرخص لهم بالمثول فلا يسمح لهم بالطلب إلا من بعيد ، وفي وضع السجود و بعد أن يقبلوا الأرض قبل ذلك . في حضورالسلطان لا يسمح التلفظ بكلمة ? مات ?، حتى لا يُذكر هو بالموت أبدا. فهذا يلمح إليه مثلا ، بقول : لقد قضى أجله ، ايضا لا يسمح النطق برقم ? خمسة ? أمام السلطان ، يقال لهذه ? أربعة و واحد ? أو ? ثلاثة و إثنان ?. هذه العادة الغريبة تفسر نفسها دون ريب كالاتي ، و لأن خمسة هي عدد الأصابع ، رمز اليد ، قوة البطش . ايضا في كل البلاد الإسلامية كثيرا ما يلاقي الإنسان يدا معلقة مرسومة باللون الأحمر أو مجرد بصمة يد أو أكثرعلى البيوت ، يعتقد من خلال هذا إمكانية رد الإعتداء أو السطو، و بذلك يصبح البيت تحت حماية خفية ليد قوية.
إذا ما تحدث الإنسان عن يهودي في حضورالسلطان ، هكذا يجب عليه أن يطلب المعذرة قبل ذلك ،
? حشاك ? ، لأن اليهود يعتبرون نجسين . في الماضي كان يجري هذا أيضا على المسيحيين ايضا ، لكن سبق وأسقطت هذه العادة السيئة في عهد حكم عبد الرحمان . يفهم بديهيا ، أنه لا أحد يظهرأمام السلطان مرتديا نعله ، لكن الموظفون الساميون لهم السماح ، بأن يحتفظوا بأخفافهم الجلدية الصفراء . النياشين لا توجد في المغرب ، إلا أنه تم التفكير سنة 1864 في ذلك ، أي إحداث وسام ، الذي هو من السلطان سليمان (الملك اليهودي). نماذج تم إنجازها ، تشبه تلك ، التي أمر بصنعها تيودور ملك الحبشة. أكبر وسام يمنحه سلطان المغرب، هو، حين ينزع شخصيا ? برنسه ? و يهديه أحد الحاضرين . الشخصيات المرموقة يرخص لها بتقبيل اليد ، أبناءه ، إخوانه و أقاربه ذوي الحظوة يسمح لهم بتقبيل باطن الكف أيضا.
النفقات التي يقوم بها السلطان قليلة نسبيا وهي بالأساس تتمثل في أسلحة جميلة، خيول رائعة و حريم كبير، محروس بجيش من الخصيان في بدلات براقة. مراكز التأثير الكبيرة ، التي كانت لبعض هذه المخلوقات التعيسة في زمن الأمراء المغاربة السابقين ، الأن قد تعطلت خلال ذلك تماما و تقتصر فقط على سيادة غير محدودة في جزء من القصر، حيث لا يسمح لأي شخص ذكر دخوله ، غير السلطان . شبيه
? بالمخازنية ? المغاربة أو الفرسان يرتدي كل الخصيان ، أحزمة فضية مطرزة . كلهم يحملون أسماء عطور قوية الرائحة، هكذا كان رئيس الخصيان في مكناس يسمى ?القايد كافور?، أخرون يسمون المسك، العنبر، السحتر إلخ . جزء من الحريم يرافق السلطان دائما في ترحاله ، هذا الجزء يتكون من زوجات السلطان المفضلات، خلاصة الحريم الأربع لفاس ومكناس و الرباط و مراكش . إذا ما سافر السلطان ، هكذا تكون له خيمتان كبيرتان ، كل واحدة محاطة بجدار خيمة خارجي مستقل عن الخيمة الرئيسية. الخيمتان يربط بينهما ممر خيمة ، إحدهما يسكنها السلطان ، الأخرى هي للنساء . في الحيز الخارجي للخيمة المخصصة للنساء يقيم الخصيان .
حكومة السلطان الحالي تتألف من الوزيرالأول ، الذي يطلق عليه الشعب إسم ?الوزير الكبير? لكنه يحمل أيضا لقب ?كاتب الأمير?، فهذا الرجل الأقوى في المملكة ، هو أستاذ سابق للسلطان، بمعنى تأثيره ، في كل الأمور الخارجية، هو حاسم، إسمه ? سي الطيب بوعشرين الجمني?. العلاقات المباشرة مع القناصلة الأوروبيين تتم في طنجة ، عن طريق الحاكم المحلي ، الذي يحمل لقب ? وزير الواسطة ?، و الذي يتلقى بهذا الصدد توجيهاته من ?الوزير الكبير? أو ايضا من السلطان مباشرة.
في كل الأنظمة الإستبدادية ، و بصفة خاصة في الدول الإسلامية الجائرة ، يرفع أحيانا حسب هوى الحاكم المعصوم من الخطإ ، أبلد الرجال إلى مراتب عليا أو يوضع . ثم من يستطيع معارضة ذلك ؟ في المغرب لا أحد ، طبعا هناك? القياد? الأقوياء، يحكمون في أقليمهم شبه مستقلين ، طبعا هناك طبقة الشرفاء ، سلالة محمد ، التي تتطاول فعلا ، بعيدا عن السلطان و في حضور كل الشعب بالقول : ?أنا ايضا شريف ، و السلطان لا يجري في عروقه دم أفضل من دمي .? طبعا هناك الشريف الكبير لوزان ، الذي يقول ، إنه ينحدر من محمد مباشرة ، أكثر من السلطان نفسه ، وهذا وحده من يجرؤ أحيانا على المئاسات لكن غيره فلا أحد في البلد ، من هذا الذي هو غير مقتنع ، في حضورالحاكم المعصوم من الخطإ ، بتفاهته وعدم أهميته .
هكذاهو كذلك رجل السلطة الثاني في المملكة، سي موسى ، ? وزير القصر الملكي ?، الذي لا أريد أن ألقبه
بأكثر من ، أسود عبد سابق من حوسة. فهو لم يصل إلى تلك الرتبة ، إلا لأنه ترعرع مع السلطان الحالي ، و يدير في الوقت الراهن كل الأمور الداخلية للقصر. أخوه سي عبد الله ، هو ايضا أسود من حوسة ، عبد سابق ، واليوم وزير الحرب .
أهم المناصب في البلاط المغربي هي في ?المشور?. ? فقايد المشور? له وظيفة، تقديم المتوسلين و
الأجانب و زوار السلطان . هناك إسثتناء فقط ، للإستقبال من طرف السلطان ، أن يكون الزائر قد أمكن إسطحابه من طرف وزير أخر، فهذه الوظيفة جد مربحة و بالتالي بالغة النفوذ . حيث كل زيارة من هذا النوع يجب أن تدعم بهدية مناسبة أولا ، حسب ثراء المتوسل . كذلك بالنسبة للقناصلة، حين يأتون إلى السلطان ضمن مفوضية ، أو أيضا إلى الرباط عند إستقبال عادي ، يقدمون من طرف ?قايد المشور?. كم ذلك مرتبط بالمعانات بالنسبة للأوروبيين ، من مثل ?قايد المشور? نزولا إلى كل واحد ، له وظيفة صغيرة ، والذي يبدل قصارى جهده في إبتزاز الأجانب ، عن ذلك أعطى مالتسان وصفا في غاية الجاذبية .
فذلك الذي، يمكن أن يطلق عليه الإنسان في المغرب ، وزير الداخل الذي هو في نفس الوقت أمين الختم الكبير، ?مول الطابع ? أو ? قايد الطابع ? كذلك ، فهذه الشخصية قد إختفت الأن تماما ، أو كما يعبرعن ذلك المغاربة أكثر قوة ، طلعت من ? دار ... الزبل ?. فمول الطابع يتشاور مع السلطان فيما يتعلق بتوظيف
?القياد? أو مناصب الولاة في المناطق أو المدن .
لا يوجد في المغرب أمين فعلي للخزينة ، أو حتى وزير المالية ، لأن مفتاح الخزينة الرئيسية ، التي من المتوقع أن تكون في مكناس ، عند السلطان نفسه. إنها قسم رئيسي من القصرهناك ، من الخارج يمثل تماما مكعبا حجريا بأربعة زوايا ، يسمى ? دارالخزنة ? أو ? بيت المال ? ، يمكنني تأكيد هذا من خلال مشاهداتي الشخصية. فيما يبدو ليس لهذه البناية العتيدة أي مدخل من الخارج ، بيد أنها تستند من جهة إلى الحريم ، حيث من المتوقع أن يكون لها مدخل ، فالمغاربة يزعمون ، أن مدخل الخزينة هو أرضي يتم بواسطة نفق . يوصف الداخل على أنه تجويف مبني ، في داخله غرفة أخرى مبنية هي الاخرى . كل هذا مجرد أساطير ، ثم لا أحد ، و لا حتى ? قائد السر? أو أمين الخزينة ، سبق وألقى فعلا نظرة إلى الداخل . ايضا المبالغ ، التي من المفروض تراكمها في الخزينة ، بلا شك ليست بكل هذه الأهمية ، كما قدرها بعضهم . فالكتاب الفرنسيون قدروا إحتياطي الحكام المغاربة بقيمة 300 مليون فرنك ، بل بمليار واحد ، دون التفكير، بأن ذلك ، الذي تركه أحد السلاطين ، غالبا ما يتخلى عنه خلفه ، الذي يصل إلى العرش عن طريق الإغتصاب و سبل العنف ، في يوم أعمال سلب واحد مثلا . حين وجب أداء تلك 22 مليونا قطعة نقد إسبانية ، تعويضا عن الحرب ( الاسبانية المغربية 1859 1860) ، تبين ، أن خزينة الدولة كانت فارغة أو لا يجب على السلطان أو لا يريد مد يده إليها ؟ فعدم توفرالمال هو الأكثر إحتمالا.
إدارة دينية لا توجد في المغرب ، فالسلطان كمعصوم من الخطإ يجمع بين البابا ، وزير التربية أو الهيئة العليا للإفتاء ، كما تسمى مثل هذه المصالح عند المسيحيين في الشخص الواحد.
سأدع ، تناول الوظائف الصغيرة في بلاط المغرب ، لكن مع ذلك سوف أذكر بعض هذه ، كما هي لا زالت موجودة حتى الأن : الطباخ، ? مول الطبخ ?، حامل مظلة الشمس ، ? مول الشمسية ?، حامل السيف،
? مول السكين ? ، مقدم الشاي ، ? مول أتاي?، حامل الأطعمة ، ? مول الطعام?. كل هذه الوظائف ، و منها خمسون زيادة ، غالبا ما تؤدى من طرف العبيد ، لكن كثيرا ايضا ، من طرف أحرار بيض . لكل حركة يدوية صغيرة هناك موظف خاص رهن الإشارة، مثلا ، بالنسبة، للذي يدير بلغة السلطان ، حتى يلقاها عند الإرتداء موجهة ثانية و مباشرة أمام رجليه. من أجل الإمساك بركاب السرج ، من أجل حمل صحن بالماء ، من أجل إستقبال فنجان الشاي المنتهي من شربه ، من أجل تقديم المنديل ، من أجل عرض طست الغسل ، لكل عمل صغير للسلطان هناك موظف محدد. لكن على الإنسان ألا يعتقد ، أن كل هؤلاء الناس هم مأجورون. لهم نسبيا ملابس جيدة ، غالبا تلك ، التي خلعها السلطان أو الأمراء ، و التي لا تتميز عن حلل الأمراء في شيء ، إلا عبر تهلهل كبير ثم الغذاء ، هذا كل ، ما يتلقاه هذا الحشد من الخدم و الموظفين لكن هذا لا يعني بأية حال من الأحوال أنهم لهذا السبب لا يملكون مالا ، فمن كل واحد ، قدم إلى القصر، يعرفون كيف يبتزون شيئا ما. إذا مشوا في المدينة ، في الأسواق ، هكذا يستدرجون على الفورهنا أحد اليهود التعساء ، هناك مواطنا ساذجا إلى ?موزونة ? ، من سوف يعترض على طلب أو تهديد ? صاحب سيدنا ? ؟ فهذا هوالإسم الرسمي لكل الخدم و الموظفين . فالوزير الأول للسلطان ، مثل أخر العبيد ، لا يخجل من هذا اللقب ، و الذي له بالتالي أسبابه في ذلك ، لأن قيمة أكبر الموظفين في عين السلطان ليست أكثرمن أقل العبيد. فأمام العصمة من الخطإ المغربية يتدحرج تحت السيف و بنفس السهولة رأس موظف مستقيم ، مثل رأس أحد المجرمين ، الذي إستحق ذلك فعلا . من هنا فهذه العصمة لا يمكن في واقع الأمر أن توجد و تزهر كلية ، إلا في بلد مثل المغرب ، معناه. في بلد ، حيث لا قيمة للقانون ، و إنما كل شيئ يجب أن يسير وفق مزاج أحد البلداء المتعصبيين .
لا وجود لهيئة قضائية عليا في المغرب ، فلا يمكن الإستئناف من قاضي إقليم أو مدينة أو مكان صغيرعلى حدة ، إلا عند الوزير أو عند السلطان ، فهذان الأخيران يؤكدان الحكم الصادر كما طاب لهما أو يلغيانه.
الأقاليم والتجمعات السكانية المنفردة تُسير أحيانا من طرف?القياد? و ?الشيوخ?، الذين يُعينون ، إذا تعلق الأمر بالأقاليم و المدن الكبيرة ، من طرف السلطان مباشرة .
فمختلف الأقاليم كما نجدها محددة على أغلب الخرائط ، لا وجود لها في العلاقات القانونية و الإدارية .
? فالقايد? يمثل ?القيادة ? ، التي تتكون أحيانا من مدينة مع عدد من القبائل أو القرى . كثيرا ما يكون
? قايد ? خاضعا للسلطان مباشرة ، كثيرا ما يكون للقائد أو للشيخ أربعين أو حتى مئة قايد ، الذين هم تحت إمرته. وأحيانا لا يحكم القايد إلا دوارا أو دشرا واحدا أو قبيلة، ايضا أحيانا عشرين أو خمسين منها أو أكثر. فالقايد ربما يحكم مثلا، في نفس الوقت إقليمي الغرب معا بما في ذلك العشائر، أو كما هي مقسمة في عهد السلطان الحاكم الأن ، و تحكمان من طرف قائدين . لقب ?القايد? هو الإسم الرسمي الوحيد ، بالنسبة لموظفي أحد الأقاليم الكبرى ، كما هو بالنسبة لتجمع سكاني صغير. نفس المعنى يحمله إسم ?الشيخ? ، الذي يلقاه الإنسان بوجه خاص في المناطق الآهلة بالأغلبية البربرية. لقب ?الباشا ? لا يمنح إلا لحكام ساميين معينين على حدة ، لحاكم فاس القديمة ، مثلا. لقب ? الخليفة ? يتضمن دائما في ذاته ، النيابة عن الحكومة ، هكذا مثلا ، حمل الإبن الأكبر للسلطان ضمن الحكومة الحالية ، بمجرد أن إنتقل هذا الأخير إلى المغرب (مراكش) ، لقب ? خليفة ? فاس ، كممثل لإبيه . بعودة السلطان إلى فاس ، يحمل أحد إخوان السلطان ، مولاي علي ، لقب ?الخليفة ? في عاصمة المغرب . فهذه هي الذكرى الوحيدة ، التي كانت فيها أنذاك فاس و المغرب مملكتين منفصلتين.
الإقامة عند شريف وزان الكبير.
قضيت حتى الأن سنة كاملة في وزان ، و بصفة عامة في علاقة طيبة. و قضيت كل الوقت بالأساس في الإختلاط الكثير فعلا مع الناس ، حتى أُلم بعاداتهم . لم يكن ينقصني شيئ من التسلية إطلاقالا، فقد أعارني غاتل جزءا من كتبه بحيث ، حين أكون وحدي ، أستطيع إنعاش روحي عبر القراءة .
زد على ذلك كانت الإقامة في وزان تتقطعها جولات قصيرة متنوعة ، التي قمت ببعضها وحدي و البعض الأخر في معية الشريف الكبير . هكذا قمت إنطلاقا من هناك برحلة قصيرة إلى لكسور، قصد شراء بعض الأدوية ، التي لم تكن متوفرة في وزان ، حيث لا يتم التداوي هناك إلا بالتمائم فقط . يبدو غريبا ، أن سيدي الحاج عبد السلام لم يكن يؤمن كثيرا ، فيما يتعلق بشخصه و عائلته ، بقوة معجزة عصمته من الخطإ، حتى أنه كان علي لعدة مرات ، أن أناوله الدواء سواء هو شخصيا أو ولديه الصغيرين معا . كانت للشريف الكبير ثقة كبيرة في ، لدرجة ، أنه لم يكن يسأل عن تكلفة الأدوية مسبقا.
في أواخر موسم الخريف حدثت زيارة ، قام بها الشريف الكبير إلى السلطان في الرباط ، و التي رافقته فيها ، وهو المكان الذي توجه إليه من مكناس . في السفر بالذات تبدو وجاهة و نفوذ الشريف الكبيرأكثر وضوحا. فليس للإنسان أي تصورعن ، إلى أي حد تمارس عبادة و تقديس الإنسان في المغرب . سيدي الحاج عبد السلام يسافر إما فوق الحصان أو في محمل ، يبدو تقريبا مثل صندوق مسيج ، و الذي هو مُنحن جدا، إلى درجة ، ان الإنسان لا يمكنه إلا التمدد بداخله. بغلان ، أحدهما يسير في الأمام ، الأخر في الخلف و هما يحملان المحف. سيكون من غير المجد ، محاولة تقديرعدد أولائك الأشخاص المزدحمين ، كل البلد على ما يظهر مندفعة إلى هنا ، تأتي القبائل عن أخرها من الأقاصي البعيدة إلى الطريق ، الذي يمر منها الشريف الكبير. كل واحد يحاول لمسه شخصيا ، أو لمس المحمل ، الفرس أو أي شيئ أخر من حاجيات الشريف الكبير . فحيث يعتقد الواحد أن من خلال لمسه هذا يمكنه إستجداء البركة الإلهية . كثيرا ما لا يكفي الخدم المسلحين بالسيوف المسطحة ، لإيقاف الجماعات المندفعة ، و لذلك يتم القيام بهجمات صورية ، لتفريق الجموع .
حكام المناطق ، التي يتم عبورها ، يقتربون من بعيد دائما بتحية الإجلال و بطبيعة الحال دائما بأيادي ليست فارغة ، إنهم يعتبرون ذلك حضوة خاصة ، إذا ما نزل سيدي عندهم ، من أجل تناول وجبة طعام ، أو حتى إذا ما نصب خيامه بقرب إقامتهم .
الشريف الكبير لا يسافر دائما إلا عبر مراحل قصيرة فقط ، وفي رفقة أتباع كثيرين ، الذين لا يقل عدد مجموع تركيبتهم عن مئة شخص . كل الشرفاء ذووا النفوذ ، أقرباءه ، طلبته (علماء الدين) عليهم السفر معه. الكل له زيادة على ما يركبه ، بغلا لحمل متاعه و خيمة ، التي يجعلها الشريف الكبير رهن إشارته . قاطرة المخيم هذه تتحرك دائما إلى الأمام ، هكذا حين يصل الإنسان ، يجد المخيم منصوبا سالفا. لشخص الشريف الكبير نفسه ثلاثة خيام كبيرة ، واحدة ، حيث يقضي الليل ، واحدة ، معدة للإستقبالات ، و واحدة ، حيث يستقبل أصدقاءه المقربين فقط.
ما أن يستقر، معناه ، أن يجلس فوق الزرابي الناعمة ، التي ينسجها بنو زنا سن و التي تزن الواحدة منها أربعة قناطير، (حمولة بعير) ، حتى يأتي المتوسلون من المناطق القريبة و البعيدة . هنا يقدم أحدهم كبشا ، و يطلب ، أن تلد زوجته ذكرا، هناك أخر يقدم الحبوب ، و يتضرع من أجل البركة لحقوله ، هنا يسأل واحد ان كان عليه أن يبيع حصانه ، إن كان سيصادفه الحظ في ذلك ، ذاك و تلك الدار أن يبيعها ، هنا أعمى يريد أن يجعل منه مبصرا. الشريف الكبير يساعد الكل ، وكلما أكثر المتضرعون من تقديم المال و العطاء ، إلا وكان تأثير البركة أكبر.
أحيانا تحدث عند ذلك مشاهد أشد غرابة. هكذا مرة وأنا جالس مع الشريف الكبير في خيمة محكمة الإغلاق و قد تلقى الخدم و العبيد أوامر صارمة بعدم السماح لأي شخص بالدخول إليها ، إلا أن هؤلاء لم يكونواعلى ما يبدو في مستوى زحام الجماهير، فجأة قطعت الأحزمة وفتحت الخيمة عنوة واندفعت الحشود متدحرجة ، نساء مسنات وسخات أطفال شديدي النثانة ، رجال و شيوخ ، إرتموا كلهم علي يغطونني بقبلاتهم المتشددة لقد حسبوني ، في شبه العتمة ، وأنا جالس فوق الزربية ، ( في تلك الأثناء كان الشريف الكبير جالسا فوق الكرسي) أنني من سلالة محمد . و بينما كنت أحاول من بين الصراخ و العراك ، أن أبين لهم ، أنني لست الشريف الكبير، جلس هو فوق كرسيه يضحك ملأ قلبه وهتف : ? هنيا مصطفى? ، معناه ، أنعم به. كان علي بعد ذلك القيام بنظافة خاصة لجسمي و لملابسي ، حتى أتخلص من أثر هجوم ولمس هذا العناق المقدس.
مكثنا في الرباط أياما قلائل فقط ، في الطريق إلى هناك سلكنا عبر منطقة بني حسن ، في العودة عبر طريق البحر حتى مصب واد سبو. ومن هناك تتبعنا تقريبا التيار حتى النقطة ، التي يوسع فيها واد الردم نهر سبو، ومن هناك مباشرة شمالا إلى قرية بن عودة. قرية بن عودة ، هي عبارة عن مجموعة من الدور الثابتة ، تقع في أقصى مقدمة الجبال الغربية المحادية لسلسلة جبال جنوب وزان ، لكن القرية نفسها هي بمجموعها فوق مرتفع . إنها مقر باشا ?الغرب الفوقاني? أو الغرب العالي ، كما تسمى هذه الإدارة ، بمحاذاة القرية هناك ايضا قرى مسيجة بشجيرات التين الشوكي . المساكن مثلها في كل الغرب مبنية من الحجر و الطين و مغطات بسقوف من القش ، إلى درجة ، يعتقد معها الإنسان ، أنه يرى قرى جرمانية من بعيد. ثراء البلد الواضح يتمثل في قطعان الأنعام ، هنا كما هو في بني حسن بصفة خاصة قطعان كبيرة من البقر، الغنم و المعز بالمقارنة فهي في هذه المنطقة على العكس لا تربى إلا بنسب ضئيلة. غير أن الأبقار المغربية لا تقارن إطلاقا ولو حتى مع أسوءها في أوروبا. صغيرة الحجم بالكاد تعطي بقرة مغربية من الحليب أكثر من معزة أوروبية جيدة. السبب في ذلك يعود الى عدم الإعتناء ، الذي تمارس به تربية المواشي في المغرب عموما ، ثم أيضا نقصان التغذية في فصل الشتاء. فلا مغربي يدور بخلده ، التفكير في توفير العلف من التبن ، ثم كيف تحول المراعي إلى تبن فهذا لا وجود له في أي مكان . طبعا توجد هنا و هناك على إمتداد النهر، ثم ايضا في المنخفضات الرطبة المسماة بمنطقة الغرب و بني حسن ، مراع رائعة و مروج معشوشبة، لكن العشب لا يستعمل إلا أخضرا، و هذا، دون أن يفكر أحد في حصاده أو جزه. في منتصف شهر يوليوز يحترق كل شيئ تحت الشمس المجففة. من هنا تقتصر الأبقار و الأغنام و المعز في فصل الشتاء على الأعشاب الجافة و العديمة التغذية ، التي يعثرون عليها في الخلاء. بالنسبة لتغذية الجياد فيستعمل في فصل الشتاء تبن القمح أو الشعير.
ما أن وصلنا قبالة القرية ، حتى أقبل علينا مسرعا ?القايد ? عبد الكريم في صحبة إخوانه ، ودعانا إلى الفطور و هو ما لم يكن بالإمكان رفضه. و هكذا إنتقل كل الموكب إلى مسكنه ، حيث وجدنا في انتظارنا وجبة غنية معدة سالفا. و القايد ، الذي له لقب الباشا ، ألح على سيدي في طلب متواصل بالبقاء يوما ، حيث أعطي الأمر، فنصبت الخيام.
كانت هذه أيام ذبح رسمية ، لأنه كلما أراد الإنسان في المغرب إجلال ضيف أكثر، إلا و قدم له أطعمة كثيرة. في المساء جاء القايد إلى خيمة الشريف الكبير، حيث زودها الأن أيضا بصحون وافرة. لكنه ما أن إنصرف ، حتى بعث خلفه بعدد أكثر من الأطعمة. فى الصباح التالي ، حين إستمتعنا لحظتها بفطورنا الغني ، جاء القايد ليدعونا إلى وجبة ثانية أيضا ، فلا يحق أن يرفض طلبه ، بإختصار أثناء فترة إقامتنا هناك ، بالكاد عرفت المعدة فترة راحة قصيرة. حين ودعناه ، وضع القايد عند قدمي الشريف الكبير صرة بخمس مئة فرنك ايضا ، حصل مقابلها طبعا على مباركة طويلة حقا.
كل ذلك أدى إلى ، مرور الوقت مسرعا ، و إن كان الطريق وعر و مضن كذلك. حوالي الظهر تم التوقف في غرب المدينة ، حيث كان من المفروض أن يُستأنف السفر في اليوم التالي . لكن مساء أقبل علينا زوار كثيرون من وزان ، حضر من بينهم الإبنان الصغيران للشريف الكبير ايضا ، أحدهم قد يكون في التاسعة و الأخر في السابعة من العمر، جائا راكبين في رفقة معلمهما ، هكذا تم فعلا قضاء المساء في مرح و حيوية.
قبل بزوغ شمس اليوم التالي أيقضتني طلقات البنادق و صوت نغمات مهولة لموسيقى لا يمكن تفاديها ، كان ذلك مجرد مقدمة للإحتفالات المقامة مساء.
بعد أن شربنا القهوة وفطرنا على عجل تام (كنت أستمتع دائما بمزية الدعوة إلى شرب القهوة في خيمة الشريف الكبير، مثلما كان علي أيضا تناول الطعام هناك) ، إمتطينا خيولنا وانطلق الموكب تحت الطلقات النارية ، صخب الموسيقيين و زغاريد النساء . لكن و مع أننا لم نكن نبتعد عن المدينة إلا ساعة فقط ، لم نصلها أولا إلا حوالي الظهيرة. كل لحظة تجيئ فرقة موسيقية جديدة بألاتها المزعجة و يتم التوقف ، أو تأتي فيالق مسلحة بالبنادق و يطلقون طلقة بمحاذاة أقدام الشريف الكبير، يكونون دائرة ثم ، يقفزون مثل الشياطين ، يطلقون من بنادقهم صوب الأرض بعدها يقذفون بهذه البنادق عاليا في الهواء ، ثم يتلقفونها بعد ذلك ببراعة. الخيالة ينتظمون و يعدون نحونا ، يطلقون بقربنا من بنادقهم ثم يتحولون بخيولهم متفرقين إلى الجهتين . كنت جد فرح ، حين وصلنا أخيرا إلى المدينة ، لكن هنا كان لا يزال ينتظرنا ما هو أهول ، نوع من قوس النصر، الذي على الشريف الكبير الدخول عبره إلى مدينته الوفية ، المقدسة وزان.
إقتربت حوالي عشرون من طوائف عيساوة ، متقدمين عبر حركات تشنج و إرتعاش ، على وثيرة صوت واحد: ?الله، الله?، يرقصون متحركين ، كل واحد منهم يحمل رمحا ، بعضهم كان عاريا تماما ، أخرون كانوا مدثرين بما لا يستغنى عنه من الخرق فقط . يحملون الرماح في يد و السبحة في الأخرى . الجروح ، التي أحدثوها أنفسهم بأنفسهم ، أدت إلى ، أن كل الجسم تلطخ بالدم ، بعضهم يضرب نفسه فوق الأنف إلى درجة ، أن الدم يفور في تيار، أخرون يقطعون شفاههم إجلالا لسيدي ، أخرون يخدشون صدورهم و وجوههم ، تعظيما لله و الشريف الكبير عربونا على إنقيادهم لحفيد ?حبيب الله?، كذلك يتصاعد هتافهم الله، الله إلى عويل حقيقي ، بعضهم جحضت عيناه من وجهه ، فيبدو كالمصاب بالجنون، أخرون يرغون ، أما الذين هم أكثر إلهاما من الله ، فيريدون الإرتماء أمام حوافر فرس الشريف الكبير، حتى يداسوا. مجرد وخزة مهماز سريعة فقط ، تدفع بالفرس فورا صوب الجموع ، التي كانت محتشدة على طرفي الطريق . رأيت، كيف إعترت الشريف الكبير هو الأخر القشعريرة ، و قد كان هو أيضا فرحا أكثر مني ، حين تم الوصول إلى الزاوية الفعلية ، أقدس مقدسات وزان .
حتى موسم الشتاء هو الأخر لم يكن غير مريح ، رغم أن كل قمم جبال الريف كانت تغطيها الثلوج ، فلا يشعر الإنسان بكثير من البرد في وزان . جهاز تدفئة لا يملكه أحد طبعا ، عند البرد القارس ، معناه حين ينخفض معيارالحرارة في الصباح إلى ستة أو أربعة درجات فوق الصفر أو حتى كما حدث مرة تحت الصفر ( فهذا وارد، غير أنني لم أشاهده) ، يجعل الإنسان حوضا من جمرالفحم يحمل إلى الغرفة. و هذه المرة كان فصل البرد لطيفا لدرجة ، أن الشريف الكبير كان يستقبل الجماعة ، التي يلتقيها يوميا ، في شبه شرفة بيته لكن ليس بأية حال في غرفة مغلقة .
مباشرة بعد ذلك في يناير سنة 1862 حدثت واقعة أخرى ، والتي جعلت سفر الشريف الكبير ثانية ضروريا، و لأنها حادثة مميزة بالنسبة للأوضاع السياسية الإجتماعية للبلاد ، هكذا فهي تستحق ، ان تذكر هنا. حيث تكون نوع من المعارضة للسلطان .
فقد وصل أولا الى وزان نوع من الإشاعة عن ولي أو زاهد ، والذي يقيم قريبا من المدينة ، و ميزته ، القدرة على شفاء كل المرضى ، في نفس الوقت يدعوا إلى الجهاد ضد الكافرين (الحرب ضد إسبانيا ، أعادت إحياء عصبية المؤمنين القديمة ضد المسيحيين) و أعلن عن دنو ساعة نهاية السلطان ، و أن واحدا جديدا سوف يأتي بقوة متجددة ورائعة و سوف يحمل على عاتقه مهمة إسلام كل العالم ، و هو مصطفا لإعادة تقويم سلطة المؤمنين المنحطة. بطبيعة الحال هرع إليه الكثير من الشعب ، حيث أن الحرب الإسبانية المغربية أنشأت كفاية من اللصوص والمتصكعين ، و أكثر من هذا ، كلما كانت هناك نبوءة بعيدة الإحتمال ، إلا و تجد بسهولة أتباعا بين المغاربة المؤمنين ، بمعنى إذا ما تمت مجاملة العواطف و الإعجاب الديني للشعب.
الشريف الكبير لزم الهدوء الكامل إتجاه هذه الممارسات ، ما دام لا يمكن إحداث أي شرخ في سلطته ونفوذه ، لأن مصلح العالم هذا لم يكن شريف الأصل ، و لا هو حتى طالب ، معناه ، أحد رجالات العلم . بعد بضعة أسابيع ، و منذ تلك الفترة ، أجتمعت حول سيدي جلول ( إتخذ لنفسه لقب الشريف ) بعض الجماعات من ألوف التافهين . اثناء ذلك بدأ التجرؤ ، بكتابة رسالة إلى الشريف الكبير، أي ، أمر بالكتابة ، يقول له فيها ، أنه (سيدي جلول) رجل العصر(مول الوقت ، معناه المهدي المنتظر) ، و على الشريف الكبير بموجب هذه الرسالة التوجه إليه ، حيث له الرغبة بعد ذلك في الزحف معا ضد السلطان و المدن الكبيرة . سيدي الحاج عبد السلام لم يشرفه بطبيعة الحال بأي إجابة ، لكنه أرسل على الفور مبعوثا إلى السلطان ، من أجل لفت إنتباهه إلى خطورة هذا المغامر.
خلال ذلك كثُرأتباع سيدي جلول بنسبة كبيرة . كانت رفقته تعيش من النهب التخريب ، وله نوايا القيام بغارات أكبر: ?المدن الكبيرة ، مثل فاس ، مكناس يجب أن تندثر تماما ، فالأهالي إكتسبوا أموالهم عن طريق المعاملات مع المسيحيين ، لذلك سوف يكون عملا خيرا ، الإستلاء على هذه الثروات المكدسة في المدن.? من الغريب أن الحكومة و بعد مرورعدة أسابيع لم تتحرك بعد دائما ، لأنه من الصعوبة بمكان ، حمل السلطان على إتخاد خطوة ما حاسمة.
في بداية شهر فبراير من نفس السنة تجرأ سيدي جلول ، بالهجوم على مواقع محصنة ، فغار مع كل أتباعه البعض منهم بالبنادق ، لكن أغلبهم كانوا مسلحين بالهراوات و الحراب ، على قرية بن عودة ، وبعد ثلاثة أيام من الحصار الهجومي ، إستولى عليها بالقوة ، و قطع رأس الباشا عبد الكريم ، هذا الذي نفسه قدم قبل مدة قليلة للشريف الكبير تلك الضيافة الكبيرة. الستة عشر أو عشرون مخزنيا ، وكذا مثل هذا العدد من أعوان الباشا قتلوا هم أيضا ، سكان القرى الواقعة حول ?قرية ? بن عودة بعضهم لجأ إلى وزان ، و البعض الأخر توجه إلى سيدي جلول .
بالمناسبة فالباشا ، بالكاد تم الحزن عليه من طرف الساكنة ، فجشعه و قسوته جعلوا منه عدوا لكل أولائك الذين كان يمثلهم كحاكم . فيما يتعلق بسيدي جلول ، فقد تصاعد نفوده يوما بعد يوم بعد الإستلاء على القرية. و رغم أنه تكبد على يد الباشا ، الذي تحصن جيدا خلف الأسوار العالية للقرية بعض الخسائر، هكذا تدعي العامة الساذجة ، أن كل الذين خرجوا مع سيدي جلول لا يخترقهم الرصاص ، وخاصة هو فإنه معصوم منه. ثم أثناء الأربعة عشر يوما رتع اللصوص في القرية ، و رئيسهم جعل أخبارا تنتشر، يعلن فيها : هكذا يريد أن يفعل بكل البشوات ، وخصوصا بالسلطان هو الأخر.
و أخيرا تحرك السلطان ، فقد تلقى أخوه مولى رشيد الأمر بالسير مع ألف جندي وكذا مثله كثير من الفرسان و أربعة مدافع ، عبر المهدية الواقعة عند مصب نهر سبو ، إلى القرية. و طلب من سيدي الحاج عبد السلام لقاء الجيش ، حتي يعطي من خلال تواجده قضية السلطان وزنا معنويا كبيرا في عيون القبائل . قام الشريف الكبير بتلبية رجاء السلطان وسار في إمدادات حربية كبيرة إلى قرية العباسي ، التي وصلناها بعد مسيرة يومين ، في نفس اليوم ، الذي وصلها من الجهة الأخرى أخو السلطان مولاي رشيد. الإنطباع ، الذي أحدثه حضور الشريف الكبير، كان فائقا . كل منطقة الغرب كانت في حالة هيجان علني ، حتى أن مولاي رشيد لم يستطع عبور الطريق من المهدية إلى قرية العباسي إلا بالقوة وحدها ، لكن حين وصلنا نحن إلى هناك دون لقاء أي نوع من الناس المعادين. أما الناس ، الذين تخلفوا هناك قالوا لنا: أن سيدي جلول قد هرب مع أتباعه عبر الجبال إلى سيدي قاسم ، مكان يوجد جنوبا . باستثناء هؤلاء ، الذين لا وطن لهم و قد أسندوا سيدي جلول بثبات ، كانت المقاومة الفعلية بذلك قد تبخرت ، بمعنى ، أن منطقتي الغرب معا صارتا من جراء وجود الشريف بالنسبة لجيش مولاي رشيد هادئة تماما و استسلمتا دون أي إكراه أو تأنيب.
لكن من الغريب ، أن سيدي جلول لم ينزعج الأن نتيجة حدوث زحف مفاجئ على سيدي قاسم و القضاء عليه نفسه مع أتباعه أو القبض عليهم . عسكرنا في هدوء عند قرية العباسي حتى منتصف شهر مارس . لكن أتباع سيدي جلول بدأوا الأن يتقلصون دائما أكثر فأكثر، بلا ريب كان بإمكانه أيضا تخريب و إتلاف موقع سيدي قاسم ، فالإدارة المحلية سبق وفرت من قبل مع أغلبية السكان ، لكن هذه كانت هي أخر أعماله البطولية. منبوذا تقريبا من الكل ، حاول الوصول إلى مزار مولاي إدريس الأكبر في زرهون ، حتى يجد ملجأ أمنا. لكن مباشرة عند دخوله المدينة ، تم التعرف عليه و ألقى عليه القبض من طرف الشرفاء . دون تردد قطع هؤلاء رأسه ، جدعوا يدايه و رجليه ، و أرسلت رموز الإنتصار هذه إلى السلطان . السلطان ،
سيدي محمد ، أمر بتعليق الجدوع على بوابة مدينة زرهون ، الرأس أرسله إلى مراكش للفرجة ، أما الأجزاء المتبقية فقد تركها للمدن الأخرى للمشاهدة ايضا. لكن الشرفاء ، الذين قتلوا الطاغية ، فقد حصلواعلى هدية من السلطان بقيمة ثلاثة ألاف مثقال (حوالي خمسة ألاف فرنك) ، بالنسبة للمغرب فهي هبة مالية في غاية الأهمية . من أتباع حزب سيدي جلول ألقي القبض على الكثير منهم ، قطعت رؤوسهم بكل بساطة ، أيضا بعض الذين لهم قسط من الثروة و البعض سجن ، حتى يتم نهب ممتلكاتهم . هكذا إنتهت محاولة أحد المغاربة قلب عرش السلطان و إقامة حكومة أخرى . لكن مثل هذه الثورات لا تبقى دائما دون تمار ، بمعنى ، إذا كان الثائر شريفا ، و له نفسه مكانة في البلاط ، كثيرا جدا ما تنتهي ثورة نابعة عن مبتدئين صغار مثل هذه إلى ، إجبار السلطان الحاكم على التنحي عن الساحة السياسية ، بل و كثيرا إلى فقدان حياته.
بالمناسبة في كل الأحوال لم يكن البلد بذلك مطمئنا نهائيا ، فالحياينة ، بني حسن ، منطقة الريف كانوا في هيجان ، لا يُعرف إن كان سكان الريف يريدون الإستقلال بالمناطق حول مليلية ، شريف وزان ، سيدي محمد
بن عبد الجبار ، الذي بعثه السلطان في نهاية الأمر إلى القبائل الجبلية ، عاد فاشلا في مهمته .
أخيرا غادرنا في معية الجيش قرية العباسي ، نسير جهة الشرق ، مررنا بواد الطين و واد الرداد ، و خيمنا في مكان يسمى الأحد . هناك ايضا مكثنا عدة أيام ملازمين المكان ، ثم تابعنا سيرنا على طول إمتداد مجرى واد الرداد ، لننصب خيامنا في موقع إسمه?لربع?. لفظ لربع يعني الأربعاء، في هذا المكان يقام السوق يوم الاربعاء. في مجموع المغرب يلاقي الإنسان وفي كل موضع أمكنة، التي هي أحيانا من غير ساكنة ،
و تحمل إسم ?لحد?، الأحد، ?لثنين?، الإثنين،?ثلاثة?، الثلاثاء، ?لربع?، الأربعاء، ?لخميس?، الخميس ،?جمعة ? الجمعة و?سبت?، السبت. هذه الأماكن توظف كساحات للأسواق ، و توجد منها المئات في كامل المملكة المغربية .
ختاما وصلت رسالة شكر من السلطان إلى الشريف الكبير، ودعنا مولاي رشيد و واصلنا مسرعين ، في خلال يوم و نصفه ، عائدين إلى وزان . لكن مولاي رشيد إلتقى بالسلطان ، الذي كان قد زحف من الرباط بمجموع بقية جيشه للمعركة ضد بني حسن . و حيث أننا وصلنا على غير المنتظر إلى وزان ، هكذا طبعا لم يكن هناك أي إستقبال .
بعد إنتهاء شهر رمضان ، و بعد أن تم الإحتفال ?بالعيد الصغير? بأبهة كبيرة ، و قد إسترحت من عناء حملات دامت عدة شهور ، إنطلقت من وزان ، قصد زيارة تطوان . مزود بكثير من الأدوية وتحت لقب ?صاحب سيدي?، ومعناه، صديق ، خادم أو من أتباع الشريف الكبير، أردت الإقدام على ، التجول في المنطقة وحدي ، كان هذا نوع ما محاولة الإستعداد الهدف منها هو مواصلة رحلتي . رافقني إسباني مقيم في وزان منذ خمسة عشر سنة و متزوج هناك.
منطلقا من وزان ، كنت أملك بغلي الخاص و حمارا قويا إستعرته من الشريف الكبير ، كان السير شمالا عبر ?دشر العالية ? إلى الأكسور ، و بعد إقامة عدة أيام على المرتفع الغربي لجبال الريف ، التي يصلها الإنسان بعد عدة ساعات من الأكسور ، إنطلقنا من مكان ?لربع عياشة ? إلى ? لحد? عند أصيلة ، حيث أردت بيع بغلي ، خصوصا و أنه لم يكن قويا، فلم ينفعني بشي . لكن بسبب رداءة الطقس ، التي إضطرتنا ، إلى قضاء يوم كامل في ?دوار?، فقد فاتنا يوم سوق ?لحد?، و مرورا بمحاذاة ضريح مولاي عبد السلام إبن مشيش ، زاوية شهيرة و محج يزار كثيرا ، واصلنا مسيرنا عبر جبال تطوان.
حتى الأن كنا نستقبل في كل مكان جيدا، لكن كلما إقتربنا من تطوان، إلا و أبدى سكان الجبال إرتيابهم . و في إحدى الأمسيات لم يرد ?طُلبا? إحدى القرى ، حيث قررنا قضاء ليلتنا ، السماح لنا بالمبيت إلا مقابل بعض المثاقيل ?إذا و فوق هذا سوف نحضى بمباركتكم ? ، غير أن ردي، ? تكفيني، بركة الشريف الكبير لوزان ، إنني صديقه ? ، جعل القراء يتراجعون مهددين ، لكن كما يبدو فقد غيروا فيما بعد سلوكاتهم ، ثم أحضروا عشاء وافرا.
في الطريق بين طنجة إلى تطوان، قضينا بعد ذلك ليلة في مأوى للمسافرين ، أصبح مشهورا من خلال الحرب الإسبانية الأخيرة . هنا رأيت لأول مرة شجر البلوط الألمانية تنبت وحشية فوق سفوح الجبال ، التي لم أُللاقيها بعدُ في أي مكان من المغرب. و إنما هناك في المغرب وفي السهول قبل كل شيئ شجر الفلين وعلى مرتفعات الجبال شجر الكرز و شجر البلوط الدائم الخضرة .
في مأوى المسافرين أو ? الفندق? كان علينا لأجل قضاء ليلة ، أي مقابل حجرة خالية و فضاء فناء للحيوانات ، أداء بعض الموزونات. مقابل المال حصلنا على شيى من الخبز، الحليب و بعض البيضات . في اليوم التالي حوالي الساعة العاشرة وصلنا إلى مدينة تطوان أو ? تطّاون? كما يسميها المغاربة. كان الإسبانيون أنذاك يقومون بترتيبات الإنسحاب ، فتطوان كما هو معروف لا تقع على الساحل مباشرة ، هكذا،
فإنه ليس بالإمكان حمل القوات رأسا على السفن . سوف أترك إعطاء وصف هذه المدينة المحاطة بحدائق
شجر البرتقال الرائعة، فهي من خلال الحرب الأخيرة معروفة بما فيه الكفاية.
بعد إقامة عدة أيام أدرت ظهري لتطوان و رحلت مع قافلة كبيرة إلى طنجة. عادة تُقطع المسافة في خلال يومين ، بيد أننا لم نستغرق إلا يوما واحدا فقط . حيث كان الطريق جد حيوي من خلال التطوانيين ( سكان تطوان) العائدين، الذين هجروا المدينة أثناء الإحتلال الإسباني ، والأن عادوا، لأجل إستعادة عقاراتهم . ثم بعد أن قمت ببيع بغلي في طنجة ، سلكت طريق العودة أولا عبر الساحل ، إلى وزان .
غير أنه على الإنسان ألا يعتقد ، أنه طريق يسير مباشرة على طول البحر، فهذا لا أثر لوجوده . لكن الساحل واسع جدا، تكونه رمال صلبة ، بحيث أنه ، بإستثناء صلاحه للعربات ، فأنه يعوض طريقا عاما بائسا تماما. لكن على الإنسان أن يختار لعبوره وقت الجزر ، لأنه عند المد يتقدم البحر حتى محاذاة كثبان الرمل أو الصخور. يمكن هنا ملاحظة ، كيف أن أوسع منطقة المحيط الأطلسي هي هنا ، حتى بعد أيام من سكون الريح ، تتلاطم رغم ذلك على الدوام أمواج مرتفعة ، وكل الوقت يسمع بعيدا في داخل البلد إرتطام أو هدير الموج المتدحرج فوق الرمال .
يمكن للإنسان السفر جيدا عبر طول الساحل ، في خلال يوم واحد وصلنا إلى مدينة? أصيلة?، لكننا واجهنا عائقا عند مصب واد مورهارها ، ما جعل يوما كاملا ينقضي . فالنهر جد عميق و عريض عند المصب ، حتى يمكن عبوره ، فقد جعل مركب للعبور، لكن القارب كان يرسوا على الضفة الاخرى ، و لم يوجد رجل عابر أو يمكن إحضاره إلى هنا عبر الهتاف. إنطلقنا مع النهر، بعد محاولة غير مجدية ، للعبور سباحة و دون وجود معبر ، أعدنا أدراجنا على أثر حديث سكان أحد الدواوير، و هذه المرة كان هناك الربان ايضا في المكان و الموضع، و هكذا نقلنا إلى الضفة الأخرى . قبل أن يصل الإنسان إلى أصيلة ، عليه أن يعبر مصب واد عيشة هو الأخر.
وجدنا كل سكان المدينة مقيمين تحت الخيام فوق مرعى أخضر بجانب البحر ، حيث أصدر السلطان أمره بالإحتفال في كل المملكة و لمدة ثلاثة أيام ، إبتهاجا بالإنتصارالسعيد على ثورة سيدي جلول . مثل عيد أكواخ قش اليهود ، كذلك يحتفل بكل أعياد المغاربة في العراء ، و مثل ذلك أيضا في الأعياد الدينية الكبرى، ?العيد الكبير?، ?العيد الصغير? و ?المولد?، حيث لا تؤدى شعائر صلواتها في المساجد، بل تقام في الخارج فوق أرض فضاء. على طول إمتداد البحر ، بين طنجة و العرائش ، يمكن للمسيحين السفر ايضا في أزيائهم المسيحية ، دون خوف من المضايقة. في نفس المساء ، الذي كنا فيه في أصيلة ، وصل أيضا تاجرإسباني (لا يوجد أحد من المسيحيين غيره في المدينة الصغيرة) ، الذي قضى أيضا ليلته في نفس الفندق ، الذي يأوينا.
من أصيلة، التي فارقناها في صباح اليوم التالي حتى العرائش يلاقي الإنسان على طول البحر، نفس الصفات ، التي يحتفظ بها ساحله دائما، في مسيرة نصف يوم فقط ، على الإنسان ، حتى يصل إلى المدينة، إجتياز مصب واد كوس. كنا مسافرين عبر غابة جميلة من فلين البلوط فوصلنا دون توقف و في نفس اليوم إلى لكسور. وهنا ايضا لم يكن لنا مقام ، حيث وصلنا خبرعزم سيدي الحاج عبد السلام على السفر إلى المغرب. بعد ذلك بيومين و صلنا سالمين إلى وزان ، بعد غياب ثلاثة أسابيع .
الشريف الكبير، الذي إستقبلني بحفاوة كبيرة مثل عادته دائما ، قال لي ، إنه توصل حقا بدعوة من السلطان لمرافقته إلى مدينة مراكش . لكنه نفسه عبر لاحقا في رسالة أخرى عن رغبته ، في عدم المجيئ ، حيث أن وجوده بالقرب من الغرب ، الذي قام سكانه من فترة وجيزة بثورة ، هو أهم ، من مراكش .
هكذا إعتقدت ايضا ، أن الوقت قد حان ، لأجل فصل مصيري عن مصير الشريف الكبير، الذي أستمتع الأن و لمدة سنة بمؤانسته و صداقته الخالصة من كل منفعة، علاوة على ذلك ، شعرت ، أنني كل يوم أتمكن من اللغة العربية أكثر، و حيث تجاوز الإنسان الصعوبات الأولى . هكذا فهذه اللغة ليست صعبة كلغة عامية ، فإذا توقع الإنسان ، أن قرويا أوروبيا ، فلاحا إنجليزيا مثالا ، يستعمل في حياته اليومية حوالي ، 400 كلمة و بواسطتها يمكنه إيصال كل أفكاره للناس الأخرين ، هكذا و بكل تأكيد لا يحتاج الإنسان في المغرب أيضا إلى أكثر من ذلك .
فكل أسلوب الحياة بسيط جدا ، و الأشياء التي يحتاجها الإنسان هنا ، هي قليلة ايضا ، المحادثة هي ألية جدا و تدور نسبيا دائما حول نفس الأشياء ، بحيث أنه ، إذا ما إعتاد الإنسان أولا على بناء أسلوب حديث المغاربة ، و جمع رصيدا من الكلمات الضرورية في الذاكرة ، هكذا سيأتي الحديث كلية من تلقاء نفسه . المهم في ذلك ، هو ذكر الله والنبي دائما ، الحديث عن الجنة و النار و لا تنسى الشيطان ، و أثناء ذلك الإصغاء و التمتمة بالفم و جعل حبات السبحة تتدحرج بين الأصابع . ثم إذا لم يخطرعلى بال الإنسان تعبيرا ما على الفور، ونسي فجأة كلمة ما ، و قال بدلها: ?الله أكبر? أو ?محمد حبيب الله? أو? الله ينعل النصارى? ،
هكذا لن يجده أي مغربي ، ملفتا للنظر، حتى ولوكان ذلك لا يتناسب تماما و نوع هذه الأحاديث ، فسوف يتمم نفسه الجملة ، أو سيجد الكلمة ، المبحوث عنها.
بيد أنه قبل مغادرتي وزان ، أتيحت لي فرصة ، السفر مع ?مقدم?، أحد مشرفي الشريف الكبير إلى المدينة الصغيرة الواقعة بين فاس و وجدة، تازة. نفسه كان مبعوثا لجباية الأموال المتأخرة الدفع إلى زاوية وزان في اليوم الأول سلكنا الطريق المؤدية من وزان إلى فاس و نصبنا خيامنا عند واد سبو في مكان ، يسمى المنصورية ، الذي هوعبارة عن بعض الأكواخ و ? دوار? ، كلاهما ملك الشريف الكبير. هذا المحيط غريب بسبب ، قرب المنصورية من حقل حجري ، يصعد منه بخار الكبريت باستمرار. و حسب أقوال الساكنة يندلع من تحته لهب نار ضئيلة ايضا . فهذا هو المكان الوحيد ، الذي عرفته في المغرب ، حيث لا تزال الظواهرالبركانية حتى اليوم حيوية. في اليوم التالي تقدمنا نسير في سهل سبو ، حيث هناك منعرجات كثيرة منحدرة من الشرق، مكثنا ليلة أخرى في ?دشر?، (قرية جبلية ) و في اليوم الثالث وصلنا المدينة الصغيرة الخلابة، الجاثية فوق الجبل، تازة.
المدينة، محاطة بأسوارعادية بسيطة و قصبة، لها وحدة دائمة قوامها 500 مخزني ، ميزة، لا تقاسمها فيها إلا مدينة وجدة فقط ، التي لها هي الأخرى حامية كبيرة ، بينما كل المدن الأخرى للمملكة لها فقط حوالي عشرون جنديا رهن إشارة الحاكم . موقع المدينة ، الذي هو قريب من الحياينة الثائرة ، و قبائل الجبال الأخرى المستقلة تماما في شرق وجنوب المدينة ، يجعل وجود حامية قوية كهذه ضرورة ملحة. تازة هي نقطة محورية للتجارة بين الجزائر، أو تلمسان و فاس. لكن المناطق شرق تازة هي غير أمنة جدا إلى درجة ، أن كل قافلة يجب أن يرافقها فيلق من المخازنية. غير ذلك تقود طرق القوافل الملئية بالحركة من تازة إلى فكيك و تافلالت . الدور في داخل المدينة تفصح عن رفاه السكان ، المسجد الكبير، بأعمدته الأثرية الموحدة البناء في الداخل ، تدل على ، أن المدينة كانت فيما مضى أكثر أهمية ، منها الأن ، أما فيما يتعلق بصحة الهواء، فنظرا لوفرة أشجار الغلال والمحيط الرائع الجميل ، لا يمكن للإنسان إلا أن يتفق مع ليون ، الذي قال : ?لابد أن هذا المكان قليل التكلفة. نظرا للهواء الصحي المتوفر. هنا توجد الإقامة الملكية في الشتاء كما في الصيف .?
في تازة نزلنا في زاوية?تكرة مولاي الطيب? ، و بطبيعة الحال تمت إستضافتنا جيدا. بعد إقامة يومين ، و بعد أن حصًل المقدم أمواله ، سلكنا نفس الطريق عائدين إلى وزان ، حيث أن الطريق المار مباشر عبر الحياينة لم يكن أمنا بما فيه الكافية ، حتى بالنسبة لمقدم الشريف الكبير.
وصلنا إلى وزان ثانية ، وكانت أيامي معدودة ، فالأمر كان يتعلق فقط ، بالحصول على الإذن بالسفر. لم يكن مسموح لي بالتفكير في ، أن أقول للشريف الكبير، إنني أريد مفارقتك نهائيا ، ذلك أنه ذات مرة إنتهى ، إلى الإعتقاد التام ، أنني سوف أبقى معه على الدوام . ثم هكذا حصلت أخيراعلى رخصة القيام بسفر قصير،
وقلت لمدينة وزان الوداع إلى الابد (كما إعتقدت وقتها ، لكنني مع ذلك عدت مرة أخرى لاحقا إلى وزان).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.