رغم التقارير المنشورة عن قوات جبهة البوليساريو فإن الإحاطة بشكل دقيق بترسانة الجبهة، يبقى مسألة تحتاج إلى تمحيص بالنسبة للصحافيين، ولكن بعض الكتابات المتخصصة يمكن ان تعطي صورة تقريبية في هذا الشأن. ويؤكد اغلب المراقبين ان الترسان البوليساريو التي تكون غالبا مدعومة من الجزائر وجنوب إفريقيا يكتنفها الغموض..منبر المحارب خصص تقريرا عن هذا الأمر وعن سيناريوهات الحرب المتوقعة نعيد نشر جزء منه للأهمية.
تتوفر البوليساريو على حوالي 20 ألف مقاتل ، موزعة على سبعة مناطق عسكرية في الغالب، ثلاثة في الشمال وثلاثة في الجنوب، وواحدة في تندوف، التي تتواجد في تندوف تسمى المنطقة العسكرية السادسة وتظم القيادة العامة الشكلية ومركز اللوجيستك أو ما يسمى شعبيا بالطانداست، بالإضافة لتوفرها على إحدى أهم الثكنات العسكرية لدى الجبهة وتسمى الملحقة السادسة.
بدورها تنقسم هذه المنطقة (السادسة)إلى عدة كتائب عسكرية، كما تتواجد بالقرب من المنطقة العسكرية السادسة المنطقة العسكرية الأولى، وهي من أهم المناطق العسكرية لدى الجبهة من حيث مخازن السلاح والمعدات، حيث تتواجد بها ثكنة الحنفي، التي تعتبر اكبر مخزن للسلاح عند البوليساريو.
طبعا هنا يجب الأخذ بعين الاعتبار مسالة التمويه الايجابي والسلبي ، والقواعد الخلفية، وامتداد العمق العسكري نحو الجزائر، لكن تحتفظ ثكنة الحنفي بأهميتها من حيث المخزون والتي تم تجديدها بالكامل بعد الحريق الذي تعرضت له في التسعينات ،والتي فقد فيها البوليساريو أكثر من 90 في المائة من مخزوناته العسكرية في تلك الثكنة ،بحيث دمر الحريق دبابات “تي 54″، وعربات “بي. م. بي” للنقل بمدافع 73 ملم، ومدافع سوفياتية الصنع “بي 11″ من 107 ملم، و”بي 10” ب 80 ملم، وبنادق “دوشوكا” 12 ملم، و45 ملم و23 ملم، ومدافع “هوستر” (122 ملم) للمدى البعيد، و”بازوكا” المضادة للدبابات، وعدة موديلات من الكاتيوشا والكلاشينكوف.
وتبقى المنطقة العسكرية الثانية أهم منطقة عسكرية من حيث عدد المقاتلين، وبدورها تنقسم لعدة كتائب . وهي تشمل منطقة تفاريتي وتقوم بدور الإسناد للمنطقة العسكرية الخامسة قرب بير الحلو مقر تواجد الإذاعة ، وللمنطقة الرابعة قرب لمريس، وفي الجنوب نجد المقاتلين يتواجدون بالمنطقة العسكرية السابعة ،والذين يقومون كذلك بدور الإسناد للمنطقة الثالثة والأولى -عن التقرير الأوروبي للاستخبارات والأمن -.
إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو ماذا يجري بالضبط داخل أسلاك الذراع العسكري للبوليساريو ؟ وهل لازال يشكل تهديدا جديا للأمن القومي المغربي؟..
منذ إعلان وقف إطلاق النار وحتى ما قبلها بحوالي سنة تقريبا، تغيرت العديد من المعطيات لإستراتيجية دوليا ومحليا ، بحيث ذهبت في اتجاه فرض نوع جديد من الحرب على البوليساريو لم تخلق لها وتتناقض بالكامل مع عقيدتها العسكرية ألا وهي الحرب النظامية ، وأصبحت القوات العسكرية للبيزات تعيش نوعا من الغربة في بيئة لطالما اعتقدت أنها تنسجم معها بالكامل و تعتبر حاضنة لها ، بحيث أن بناء الجدارات الأمنية وترك مناطق عازلة ونشر الألغام وتوزيع الرادارات المتقدمة نسبيا على طول الجدار وتفعيل دور اللواء الثالث المغربي وجعله لواءا متحركا للتدخل والإسناد ،و ترك سلاح الجو على أهبة الاستعداد لمطاردة أي هجوم مباغت، جعل خيار اللجوء إلى حرب العصابات خيارا محدودا ، بل مغامرة قد تؤدي إلى نتائج كارثية ،وتدخل في نطاق التهور العسكري.
هذا ما ظهر جليا في المعارك الأخيرة قبل وقف إطلاق النار خصوصا معركة كلتة زمور الشهيرة بقيادة القائد العسكري الحبيب أيوب في أواخر سنة 1989 ،حيث اضطر المخطط العسكري للبيزات إلى حشد العشرات من الأسلحة المدرعة الثقيلة من اجل إحداث ثقب بسيط في الجدار لكنها أجبرت على التراجع تحت ضغط القصف الجوي المغربي، هنا ظهر بداية تخبطها أمام التغيرات الإستراتيجية على الأرض، وأمام تغيير المغرب لخططه وتوزيع قواته على الأرض بشكل أربك كل الحسابات ، مما فرض على القيادة العسكرية والسياسية للبوليساريو الذهاب في اتجاه حلم ويوتوبيا الحل السياسي السهل من داخل الفنادق الفخمة بدل الصراع على الأرض والدفع في اتجاه مواجهة الجدار من الجانب الحقوقي بدل مواجهته عسكريا ، مما شكل ورطة اكبر لها وأفقدها المصداقية أمام الصحراويين لأن المغرب لن يقدم الصحراء لا بالسلاح ولا بالمفاوضات ويمكن أن نضحي بنصف سكان المغرب من أجل حبة رمل واحدة ،ومن أجل المجال الحيوي للأمة المغربية الكثيفة تاريخيا .
لكن ما هو التوجه العام للقوات المسلحة للبوليساريو في ظل التهديدات المتزايدة لقادتها باللجوء إلى الحرب ؟ وهل يبقى خيار حرب العصابات خيارا قائما ، أم أن البوليساريو ستلجأ إلى حرب نظامية مفروضة من أجل توريط الجزائر؟ أم أننا سنفاجأ بأساليب قتالية غير مسبوقة قد تشكل صدمة لقواتنا العسكرية أو الأمنية في ظل ظهور أساليب قتالية جديدة لدى حزب الله والحوثيين ولدى العراقيين؟.فمن حقنا أن نفترض ومن حقنا أن نستعد، .
هنا يمكن الإشارة أن هناك تكتم شديد من طرف الجهات العسكرية للبوليساريو والجزائر على برامج التسليح والتدريب، التي يمكن أن تمكننا من استنباط التوجه العام ونوعية الخطط التي تروم استعمالها في القتال لكن يظهر من خلال مجموعة من القرائن وبشكل جلي أن المخطط العسكري لدى البوليساريو تابع ببالغ الاهتمام المعارك التي خاضها حزب الله والحوثيين وحماس، كما أن المغرب كان مهتما بذلك أيضا.
وعليه أعتقد جازما أن البوليساريو تتجه نحو العودة للصراع وفق إستراتيجية متكاملة تدخل في ما يسمى الحرب الهجينة ،وهي مزيج من الحرب النظامية وحرب العصابات ومزاوجتها بالتقنيات الحديثة، و تنقسم هذه الإستراتيجية إلى عدة تكتيكات والتي يجب الاستعداد لها . أولا : يجب على المغرب الاستعداد لما يسمى حرب المدن، باعتبار أن البوليساريو استغلت فترة وقف إطلاق النار والانفتاح الديمقراطي المغربي لتعبئة بوليساريو الداخل ، وظهرت النتائج كارثية في عدة محطات منها مثلا أحداث اكديم ازيك ،وقد كان حديث أن المغرب ضبط العديد من محاولات تهريب السلاح في الجنوب، وما يزيد من قلقنا هو حالة الفساد في عدة قطاعات الداخلة في نطاق الأمن القومي رغم أنها حالات فردية معزولة ،وما يراكم المزيد من القلق هو انه من المستحيل قيام حرب بدون أن يتحرك بوليساريو الداخل وفق برامج منتظمة، وهنا تطرح بعض الأسئلة وهي هل قوات الأمن الداخلي المغربية مدربة على حرب الشوارع أم أنها فقط مدربة على تفريق الاحتجاجات؟ والى متى ستظل وزارة الداخلية تتعامل مع الصحراويين بمنطق الكارتيات او بطائق الإنعاش وتعطي الانطباع بان هناك فرق بين المواطن المغربي في الصحراء وبين أخيه في مدن الداخل وتخلق حاجزا نفسيا عميقا بين الإخوة في الشعب الواحد ؟. ثانيا : يجب على المغرب الاستعداد لحرب الصواريخ القصيرة المدى، باعتبارها وسيلة غير مكلفة لضرب التجمعات العسكرية للجيش المغربي،والمراكز الحيوية وتجاوز عقدة الجدارات الأمنية المغربية ، فرغم أن المغرب بدأ منذ سنوات في الاستعداد لهذا الاحتمال عبر شراء قطع التانكوسكا المتخصصة في حماية القوات المرابطة أو المتحركة من الصواريخ ونموذجه المطور البانتيسير ، ومعها عدة مضادات أخرى من قبيل بطاريات الدفاع الجوي الصينية " سكاي غارد تايب 90" وسكاي دراكون50 وغيرها ..... لكن يبقى الهاجس قائما باعتبار أن من يسلح البوليساريو هي الجزائر التي نعلم جيدا الحجم المقلق لترسانتها من الصواريخ الروسية ،ومدى خطورتها في ظل زحف البوليساريو على المزيد من المناطق العازلة باتجاه تفاريتي وطبعا قوتها هناك ليست في نزهة، بل نظن أن الاستعدادات هناك جارية على قدم وساق لهذا الاحتمال، وذلك من اجل تفادي ضرب المغرب من تندوف وتوريط الجزائر بشكل مباشر في الحرب وهذا ما يفسر إصرار البوليساريو على التشبث بتفاريتي وبعض المساحات في المنطقة العازلة وخلق تشنجات مستمرة في الكركرات . ثالثا: انه من المحتمل أن تلجأ البوليساريو إلى حرب الأنفاق بدل مواجهة الجدار من فوق باعتبار ظهور تقنيات وخبرات للحفر تحت الأرض ، وبالتالي وضع أنفاق مجهزة ومغلقة في انتظار الاستعمال عند الحاجة ، هذا التكتيك خطير ووجب البدء بالبحث بجدية عن أنفاق محتملة وتدميرها خصوصا وان البوليساريو الآن تتعامل مع المغرب على انه بلد يمتلك أقمار اصطناعية ،وبالتالي فمن الأكيد أنها ستطور تقنيات التمويه والتخفي على غرار ما قام به حزب الله أمام تقنيات التجسس الإسرائيلية والأمريكية ،وعليه وجب على المخطط العسكري المغربي أن يضع في حسبانه أن البوليساريو ستتعامل على أساس أن المغرب يمتلك أقمار للمراقبة وهذا سيغير لا محالة من سلوكها التمويهي، وهنا نسجل بان مسالة الأنفاق قد تمت الإشارة إليها سنة 2011 من طرف موقع منبر المحارب لكن لم يتم اخذ الأمور بجدية من طرف المعنيين . رابعا: احتمال استخدام الطائرات بدون طيار في عدة استخدامات للهجوم والتفجير والمراقبة ،وهي وسيلة أصبحت سهلة وفي المتناول وغير مكلفة وهي تقنية أصبحت تمتلكها الجزائر بشكل كلي ،وقد نجحت في صناعة طائرة بدون طيار محليا وسمتها الجيري 55 و الجيري 56 وهي طائرة بقدرات محترمة بالإضافة إلى طائرات بدون طيار أمل 1 إلى أمل 3 وعملت قبل أشهر على استيراد طائرات بدون طيار صينية من طراز اش 3 و اش 4 وهي تجمع بين المراقبة والقتال.
أن هذا النوع من الأجهزة عالية الدقة سمحت للجزائر بالدخول في نادي الدول التي تتحكم في هذه التكنولوجيا العالية والتي تسمح لها بمراقبة عالية ودقيقة لحدودها ولنقل مباشر للأحداث على الأرض وتوفير المعطيات الميدانية الدقيقة التي تحتاجها مختلف القوات وهي تقنية سيتم نقلها لا محالة للبوليساريو سواء من طرف الجزائريين أومن طرف جهات دولية أخرى، باعتبارها غير مكلفة وفعالة، ووسيلة من وسائل تجاوز الجدار، وهنا وجب على المغرب الاستعداد لهذا الاحتمال ،خصوصا تحصين المدن لمنع بوليساريو الداخل من الحصول عليها لضرب العمق المغربي، وهنا نشيد بحنكة واقتدار الاستخبارات المغربية وقدرتها على تحصين المغرب من هذا الاحتمال وتقليم أظافر بوليساريو الداخل الذين يحملون فكرا غير سلمي.
هذه بعض هواجسنا التي يمكن أن نقولها والتي تقض مضجعنا ، لكن السيناريو الذي يعتبر مقلقا للأمن القومي المغربي، هو هل فعلا تطمح البوليساريو لخلق سلاح الجو وبالتالي يصبح الجدار بلا فائدة؟، في هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن بعض التقارير تتحدث عن أن البوليساريو فعلا بدأت في إرسال بعثات من الطلاب من أجل التكوين في مجال الطيران، إن هذا المعطى يجب أخذه بعين الاعتبار من طرف الهيئات العليا للتخطيط العسكري ومن طرف مجلس الأمن القومي المغربي، على الرغم أن كل المؤشرات تؤكد أن البوليساريو لا تتوفر على قوات جوية لكن على ما أظن شخصيا أن النية موجودة لأن في الحرب من المؤكد أن الأخر يطور قدراته كلما طورنا نحن قدراتنا، كما أن الجزائر قد تدفع في هذا الخيار لكي لا تتورط في حرب نظامية مباشرة مع المغرب، وفي نفس الوقت تبقى قوية في المنطقة، زد عليه أن البوليساريو قد تكون تفكر في أهداف أخرى من تدريب الطيارين من غير الحصول على سلاح الجو، وهو هدف يدخل ربما في أحلام إرهابية لكن احتمال سيطرتها على الطائرات المغربية في مرابضها هو نوع من العبث ولا يمكن تحقيقه وقد ارتفع حجم توقعات سكان المخيمات من احتجاجات عشرين فبراير على استقرار وتحصين المغرب لكن المغاربة كانوا أكثر نضجا ولم ولن يتم أبدا التضحية باستقرار الوطن . خامسا: إن المعطيات حول أسلحة البوليساريو حتما ستكون مغلوطة وغير دقيقة ، لأنه من المنطقي بعد الحريقين التي تعرضت لهما مخازن الأسلحة للجبهة في ثكنة الحنفي بالمنطقة العسكرية الأولى، والقدرات المهمة التي أصبحت تتوفر عليها الاستخبارات العسكرية للمغرب ، ستفرض عليها تحويل المخازن نحو مناطق أكثر أمنا وتحصينا ويحتمل أن تكون داخل العمق الجزائري ، لأنها تتعمد إظهار آليات بعينها واستعراض 3 مارس في بير لحلو في خضم أزمة الكركرات يدخل في هذا الإطار ،باعتباره نوع من التمويه على أنها لا تمتلك سوى عربات متهالكة من بي تي ار ،وطبعا على المغرب التعامل بحذر وعدم الانجرار وراء هذه الرسائل المظللة عبر الاستعراضات العسكرية للبوليساريو، وهو فخ سقط فيه الكثير من المحللين حين جردهم لعتاد البوليساريو العسكري .. سادسا : إن الحديث عن القوات العسكرية والشبه العسكرية للبوليساريو لا يمكن أن يمر بدون الحديث عن شعبة الاستخبارات لدى جبهة البوليساريو، التي أرى شخصيا أنها تعتمد في عملها على إستراتيجية الأجنحة أو الإطراف، بحيث تركز عملها على عنصريين أساسيين وهما من جهة جمع المعطيات عن المغرب بالطرق الاجتماعية والشعبية والعائلية عن طريق العلاقات بين سكان الجنوب وسكان المخيمات وتعتبر معلومات دقيقة، هذه الإستراتيجية يصعب مواجهتها من طرف أجهزة مكافحة التجسس المغربية ، باعتبار اتساع الولاء للجبهة لدى العديد من الشباب الصحراوي المتذمر من سياسات الدولة المغربية ، ويصعب مواجهة هذه الإستراتيجية كذلك لأن الذي يصدر المعلومة لا يقصد بها التخابر مع العدو أو التجسس لجهات خارجية ، ومن جهة ثانية تستند البوليساريو على إستراتيجية الاعتماد على الاستخبارات الجزائرية التي تركز أهم نشاطاتها على المغرب وتعتبر من أكثر أجهزة الاستخبارات دراية بالمغرب.