تحت عنوان "مُخطّطات ترامب الكبرى في الشرق الأوسط"، قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إنه في دوامة الإعلانات والتهديدات التي ميزت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، كان الشرق الأوسط حاضرا. وأضافت الصحيفة، أنه لم يستغرق الأمر سوى أيام قليلة حتى قدّم ترامب التعهدات المتوقعة باتباع خط مؤيد لإسرائيل، بما يتماشى مع فترته الرئاسية الأولى (2017-2021). وبزيارته هذه لواشنطن، أصبح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أول زعيم أجنبي يزور واشنطن منذ تسلم ترامب السلطة مجددا يوم 20 يناير المنصرم.
وأوضحت "لوموند" أن ترامب قال أيضا إنه مستعد للتفاوض مع إيران، العدو المطلق للدولة العبرية، وإن كان من غير الواضح حتى الآن نطاق هذه المفاوضات: هل ستتناول فقط البرنامج النووي الإيراني، أم ستتناول أيضا ترسانة الأسلحة الباليستية والأمن الإقليمي؟
خلال حملته الانتخابية، تتابع "لوموند"، روّج ترامب لفكرة ممارسة "أقصى قدر من الضغط" على طهران، ذات الطابع الاقتصادي، ووعد بمنع النظام الإيراني من الوصول إلى القنبلة.
وسجلت الصحيفة، أن ترامب حقق خلال الأسبوع الأول من ولايته، قطيعتين مع سلفه جو بايدن، حيث رفع العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين المسؤولين عن العنف في الضفة الغربية، إضافة إلى استئنافه تسليم قنابل تزن نحو ألف كيلوغرام للجيش الإسرائيلي، والتي تسببت في دمار كبير في غزة.
كما تعهد مبعوث ترامب الخاص ستيفن ويتكوف، وفق "لوموند"، بتنفيذ وقف إطلاق النار في لبنان، والذي من المفترض أن يؤدي إلى الانسحاب الإسرائيلي، ووقف إطلاق النار في غزة، الذي من المفترض أن يسمح بتحرير الرهائن.
يريد ترامب، إغلاق ملف هذه الحرب سريعا، ليكرس نفسه لتطبيع العلاقات المنشود بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، غير أنه قلل من شأن التأثير الإقليمي لأحداث السابع من أكتوبر في بلدان المنطقة، بحسب "لوموند".
وفي هذا الصدد، قال آرون ديفيد ميلر، وهو من قدامى الدبلوماسيين الأمريكيين، إن غزة "ستكون أول أزمة في السياسة الخارجية لإدارة دونالد ترامب".
وأضاف الدبلوماسي السابق، أنه "يتعين أن تبدأ المفاوضات بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير المنصرم، مردفا: "لكن من قبيل الخيال تماما أن نتصور أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ستحترم الشروط، وتنهي الحرب وتسحب الجيش".
واعتبر المتحدث ذاته، أن "السؤال المركزي هو حول أدوات الضغط التي يستخدمها دونالد ترامب على بنيامين نتنياهو، إذ من الصعب بالنسبة لي أن أتخيل أن ترامب سيلجأ إلى الإجراءات التي رفض جو بايدن استخدامها لمدة خمسة عشر شهرا، مثل تجميد المساعدات العسكرية لإسرائيل أو وضع شروط عليها".
ومضت صحيفة "لوموند" مشيرة إلى تصريحات دونالد ترامب بشأن سكان غزة التي أثارت اهتماما كبيرا، بوصفه للقطاع الفلسطيني المدمر بأنه "موقع هدم"، واقتراحه على مصر والأردن استقبال جزء من سكانه، قائلا "نتحدث عن مليون ونصف المليون شخص ونحن نقوم فقط بتنظيف هذا الأمر برمته" (في إشارة إلى النزوح المؤقت أو طويل الأمد).
واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن مقترح ترامب، الذي يتجاهل رغبات سكان غزة، لا يأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية للقاهرة وعمان، اللتين رفضتا، إلى جانب جامعة الدول العربية، هذا الاقتراح "بأي شكل من الأشكال، مهما كانت الظروف أو المبررات". عشية ذلك، قال ترامب: "سيفعلون ذلك. نحن نفعل الكثير من أجلهم".
تعليقا على تصريحات ترامب هذه، اعتبر آرون ديفيد ميلر، وهو من قدامى الدبلوماسيين الأمريكيين، "أنها العقلية الانتهازية لوكيل العقارات الذي يحول كل شيء إلى اقتراح تجاري".
وأضاف ميلر، أن "هذه الفكرة ستعود لأنها تتوافق تماما مع رغبات اليمين الإسرائيلي. وهذا صحيح بشكل خاص لأن حماس ستبقى على قيد الحياة كحركة تمرد قادرة على ترهيب أو استقطاب أي شكل من أشكال الحكم الفلسطيني، سواء كانت لجنة تكنوقراط أو عودة السلطة الفلسطينية".
واعتبرت صحيفة "لوموند" أن إغراء "تطهير" قطاع غزة هو إغراء قائم منذ فترة طويلة لدى حاشية دونالد ترامب، حيث دعت "خطة القرن" التي قُدمت في يناير عام 2020، إلى طي صفحة "السرديات القديمة" باعتبارها "غير منتجة"، ووعدت الأراضي الفلسطينية بمستقبل مشرق مثل"دبي وسنغافورة" باعتبارها "مركزا تجاريا إقليميا".
ففي مارس 2024، أجرى جاريد كوشنر، أحد مهندسي هذه الخطة، مقابلة في جامعة هارفارد حول إمكانات غزة، أوضح خلالها صهر دونالد ترامب ومستشاره السابق أن "العقارات الواقعة على الواجهة البحرية يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، وأن الإسرائيليين يمكنهم القيام بإخراج الناس وتنظيف [المنطقة]".
ضرب إيران أما في ما يخص القضية الإيرانية، فترى "لوموند"، أنها تُشكل هي الأخرى تحديا هائلا لترامب، الذي كان قد قرر الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، ووصفه بأنه "اتفاق فظيع من جانب واحد". وبعد ذلك حاول الرئيس الديمقراطي جو بايدن، دون جدوى، مع الأوروبيين، الحصول على إنقاذه، وسط اتهام خصومه الجمهوريين له بالضعف.
واليوم، يواجه دونالد ترامب حقيقة واقعية: إيران أقرب من أي وقت مضى للحصول على القنبلة النووية. ولكن نظامها ليس لديه أي رغبة في المواجهة المفتوحة، توضح صحيفة "لوموند"، مشيرة إلى أنه خلال الاجتماع الذي عُقد يوم 13 يناير المنصرم في جنيف مع دبلوماسيين أوروبيين، أظهر الإيرانيون بوضوح استعدادهم للتفاوض.
فبعد انتخاب مسعود بزشكيان رئيسا جديدا لإيران في صيف عام 2024، أُضعفت طهران جيوسياسيا بشكل غير مسبوق منذ عقود، بفضل الضربات الفعالة التي وجهتها إسرائيل ل"حماس" في قطاع غزة، و"حزب الله" في لبنان، وأخيرا في إيران نفسها، إلى جانب المتمردين الحوثيين في اليمن. فقد تعرضت طبقاتٌ متعاقبة من الأمن الإيراني ومقاولوها من الباطن في الشرق الأوسط للضرب، توضح الصحيفة الفرنسية.
وتتابع صحيفة "لوموند" القول إنه يبدو أن موقف طهران المفتوح يترافق مع تسارع وتيرة البرنامج النووي الإيراني، وهو ما أشارت إليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. حيث تملك إيران حاليا نحو 200 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، في حين أن المستوى المطلوب لصنع الأسلحة هو 90 في المائة، وهي عتبة يمكن بلوغها بسهولة.
وفي هذا الصدد، تنقل صحيفة "لوموند" عن جيمس أكتون، المتخصص في الشؤون النووية في مركز كارنيغي، قوله: "أعتقد أن الأهداف الأمريكية للمفاوضات غير واقعية إلى حد كبير. فرغم أن إيران أصبحت ضعيفة على المستوى الجيوسياسي، إلا أنها تمتلك الكثير من أوراق المساومة في القضايا النووية".
وتابع أكتون: "إنني أشك بشدة في قدرة الولاياتالمتحدة على الحصول على صفقة أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي الحقيقة أخطأنا بالانسحاب من الاتفاق. لماذا تصدقنا إيران إذا وعدنا برفع جزئي للعقوبات؟ لا أُؤمن برغبة وقدرة إدارة ترامب على الدخول في مفاوضات طويلة وفنية للغاية بشأن البرنامج النووي الإيراني".
وكان الرئيس الأمريكي خاض حملته الانتخابية باعتباره مرشحا للسلام العالمي، وليس لديه أي رغبة في إشراك بلاده في صراع جديد. لكن الخيار العسكري الذي تدرسه إسرائيل ضد طهران قد يظهر على السطح من جديد، ومن ثم فإن إغراء الاستعانة بمصادر خارجية قد يظهر في واشنطن، تقول صحيفة "لوموند".
ويقول جيمس أكتون، المتخصص في الشؤون النووية في مركز كارنيغي: "بنيامين نتنياهو لديه أسبابه للتفكير في القيام بعملية ضد إيران. من المحتمل أن يعطي دونالد ترامب الضوء الأخضر لذلك، ولكن من غير المرجح أن تشارك الولاياتالمتحدة".
وأردف أن "السؤال المثير للاهتمام للغاية هو موقع تخصيب اليورانيوم تحت الأرض في فوردو. ومن المرجح أن إسرائيل لن تكون قادرة على تدميره إلا إذا كانت تمتلك قدرات سيبرانية مذهلة. لكن الولاياتالمتحدة طورت قنبلة خارقة للدروع مصممة خصيصاً لهذا النوع من الأهداف. فهل تنقل واشنطن هذا السلاح مع الطائرات اللازمة لاستخدامه؟".